اليوم يستكمل جنوب لبنان المحرر عامه السادس عشر، فكل عام وأنتم وانتن بخير، اليوم سيذهب الناس الى “بوابة فاطمة” حيث الشريط الشائك يبعد امتاراً قليلة عن مواقع الاحتلال، هناك، سيرسل الناس طائراتهم الورقية وبعضاً من القبل، وما في شغاف قلبوهم وقلوبهنَّ الى فلسطين، وأنَّــى لرادارات العدو، ولأسلاكه الشائكة، أن تمنع القبل من أن تخترق تحصيناته، فهي عصية على الاسمنت والفولاذ.
الرحلة الى جنوب لبنان بعد ستة عشر عاماً على التحرير لم تتغير كثيراً، الطريق الى هناك صعبة وطويلة، الطرقات في جنوبنا المحرر، لم تنل أياً من نعم التحرير، لا بل ان البعض يقول انها كانت افضل حالاً ايام الاحتلال!
على بعد امتار عن الخط الأزرق، حيث مستوطنة المطلة، لا يحتاج المرء كثير عناء ليميز الحدود والخطوط، الفارق بسيط جداً حيث عدونا على مسافة امتار، الأرض هناك خضراء. أما هنا على امتداد سهل الخيام، فالأرض فيها الكثير من اليباس والقليل القليل من الأخضر، الأرض التي تحررت بنضال قافلة من الشهداء والأسرى والجرحى والمقاومين، تلك الأرض التي عاد كل شبر منها بدماء شهيد، يسكنها اليوم احتلال أبشع وأظلم وأخطر بكثير. يسكنها الفقر، يسكنها الإهمال، يسكنها التصحر، تسكنها الحفر، تحتل اعمدتها صور اناس يتسابقون الى بلديات نجحت في بناء اقواس النصر على مداخلها، ولم تنجح في بناء شبكات الصرف الصحي أو في ادارة النفايات، في وقف البناء العشوائي، في وقف القطع المستمر للاشجار والصيد الجائر للطيور المقيمة والعابرة، في وقف مرملة أو اغلاق كسارة، وما اكثرها من جزين الى قلب وادي الحجير.
التحرير الذي نحتفل بذكراه السنوية سيبقى ناقصاً ما دام ثمة فقر وتصحر وجهل وأمية وبطالة، ما دام هناك نظام سياسي يتفنن في سرعة الانحدار، ليسقط معه ما تبقى من بنية الدولة، التي كلما زادت شارات الامم المتحدة في قراها ومدنها، كلما ارتفع مؤشر تخلفها وضعفها وفشلها.
إن إحداث تنمية اقتصادية واجتماعية حقيقية تكون نقيضاً جذرياً لحقبة الاحتلال، هو الفعل المقاوم المطلوب الآن، الى جانب جهوزية المقاومين القابضين على الزناد، وهذا ما عجزت عنه سنوات التحرير، التحرير الذي يبقى ناقصاً ما لم يقترن بالتغيير.
