يرصد مواطنون وخبراء ظواهر طبيعية لا عهد لنا بها من قبل في لبنان، ولا سيما على مستوى الحياة البحرية، مع “ما يزيد على المئة وعشرة أنواع من الأسماك الغازية تم اكتشافها حتى الآن“، بحسب ما أكد لـ greenarea.info أخصائي البيولوجيا البحرية وعلوم البحار البروفسور ميشال باريش، وجميعها يلقى اهتمام خبراء الأحياء البحرية، ويثير فضول المواطنين والصيادين وهواة الغوص ومراكز الأبحاث العلمية.
كائنات حية جديدة كانت أم غريبة غزت وتغزو بحرنا، باتت محط اهتمام أبعد من مجرد مشاهدات غير منفصلة عن تغير المناخ، وعوامل عديدة ساهمت في توفير ظروف “غزوها” لمياهنا، حتى باتت مقاربة وجودها غير منفصلة عن العلم والدراسة، فيما كان ينظر إليها كان قبل سنوات طويلة باعتبارها ظواهر عابرة ومجرد خبر تتناوله وسائل الإعلام، ولا تأخذ حيزا من المتابعة العلمية.
وما بدأنا نشهده اليوم من اهتمام مرده إلى الوعي المرتبط بهواجس حيال ما قد يتهدد بيئتنا من أخطار، فضلا عن تطور التكنولوجيا وتوفر منصات معلومات لم تكن موجودة سابقا، وبالتالي، فقد توسع اهتمام المواقع المختصة بالدراسات، والإطلال بشكل علمي على كل ما هو موجود ودخيل في آن معا، في ما يختص بالبيئة والمحيط الذي نعيش فيه بشكل عام، ومن هنا برز موقعنا greenarea.info كأحد اهم المواقع البيئة والعلمية المتخصصة على مستوى منطقة البحر الأبيض، وهو يتحول مرجعا علميا، وصلة وصل بين المواطنين والخبراء ومراكز الأبحاث.
لوحة من رسم فنان
في هذا السياق، أرسل أحد الناشطين لموقعنا صورة لنوع من الكائنات البحرية الغريبة، وللوهلة الأولى بدا كأنه لوحة من رسم فنان، ما أضفى عليه الكثير من الغرابة، ومن ثم أبلغنا أن هذا الكائن البحري الصغير موجود لدى أحد المواطنين في منطقة صور.
وعلمنا أن الشاب أحمد حدرج من بلدة قانا الجنوبية، هو من التقطه، وأكد لـ greenarea.info أنه عثر على “اثنين من هذه الكائنات البحرية في (محلة الجمل) في مدينة صور“، وقال: “كنت أظنها من نوع الاسماك الجديدة التي نراها بكثرة مؤخرا، بعد أن بهرتني ألوانها وشكلها الجميل“، وتمنى تزويده بمعلومات و“متابعة الموضوع علميا“.
ويعرف على الكائن الرخوي بأسماء عدة، وأكد حدرج “انني لا أنوي بيعهما ومصرّ على معرفتها اكثر، خصوصا وأنه بعد انتشار الصور تلقيت اتصالات عدة من معنيين بشؤون الكائنات البحرية طلبوا شراءها ولكنني رفضت“، وآثر التعامل والتعاون معنا كموقع “لمعرفة هذا الكائن ونوعه“، خصوصا وأن حدرج أبقى هذين الكائنين في أكواريوم كبير في منزله، ويقوم بتأمين بعض الطحالب البحرية لإطعامهما.
مركز علوم البحار
مباشرة قمنا بالاتصال بالدكتور شريف جمعة من “مركز علوم البحار” في البترون، التابع لـ “مجلس البحوث العلمية“، وأرسلنا له الصور، فأفادنا بأن هذا الكائن “موجود في بحرنا“، لافتا إلى أنه “ليس سمكة بل هو من نوع الرخويات البحرية Mollusque، يندرج ضمن (الأنواع الغازية) Invasive Species“.
السارجي: أنواع كثيرة وأشكال مختلفة
حرصا منا على الاطلاع بشكل أوسع على هذين الكائنين البحريين، عرضنا الصور أيضا على الناشط البيئي رئيس “نقابة الغواصين المحترفين في لبنان” محمد السارجي، فأوضح لنا انه “نوع غازٍ معروف ومر على تواجده في بحرنا وقت طويل“، واضاف: “لقد شاهدته والتقط له الصور ووثقته منذ ما يزيد عن 20 عاما“، وقال السارجي أن “هذا النوع يندرج تحت الاسم العلمي Nudibranch، أو (عاريات الخيشوم)، ويوجد منه أنواع كثيرة بأشكال مختلفة ومتنوعة الألوان“.
باريش: نوع غريب قادم من البحر الحمر
أما البروفسور ميشال باريش فأكد لـ greenarea.info بأنها “من نوع Goniobranchus اينولاتس (سبيكة البحر sea slug أو الدودة البزاقة)، وهي من الانواع الغريبة القادمة من البحر الاحمر عبر قناة السويس“، وأشار إلى أن “هذا النوع مسجل في لبنان منذ العام 2007″، لافتا إلى أنه “من الرخويات والقواقع البحرية التي فقدت على مر الزمن أصدافها وأبواق العمود الفقري، وتوجد على ظهرها الخياشيم التي تساعدها على التنفس“.
ثاني اكبر رتبة في المملكة الحيوانية
وتعتبر عاريات الخيشوم Nudibranch من رتبة من الحيوانات، تتبع طائفة بطنيات القدم من شعبة الرخويات، وتعرف ايضا بـ “البزاقات البحرية” أو الأرانب البحرية، ولا تزيد احجامها عن القليل من البوصات، يوجد منها انواع بأعداد كبيرة جدا، ويتوقع العلماء وجود انواع بنفس كمية الاعداد غير معروفة حتى الان، فهي تشكل 80 بالمئة من الكائنات التي تنتمي اليها، وثاني اكبر رتبة في المملكة الحيوانية، تتميز بألوانها الزاهية والناصعة المتباينة، تمتلك خياشيم زغبية مكشوفة، وزوجين من اللوامس، ولا صدفة لها، يرجح أنها فقدت اصدافها مع مرور الزمن لتتخذ شكلها الحالي.
كما أن نوعا من هذه الكائنات تم اكتشافه وتصنيفه على يد عالم الأحياء البحرية الياباني الشهير كيكوتارو بابا Kikutaro Baba عام 1938 قبالة سواحل اليابان، كما تم العثور عليه في المحيط الهندي وقبالة سواحل الفليبين.
