تعتبر الآثار البيئية مسؤولة عن ما يقرب من ربع مجموع الوفيات في العالم، وبالتالي فالحاجة ملحة لوضع البيئة في سلم الأوليات، وتسليط الضوء عليها لتكون في صلب الجهود المبذولة عالميا لتحسين صحة الإنسان.

وضمن سلسلة من التقارير الهامة التي صدرت مؤخرا في الجمعية العامة الثانية للأمم المتحدة للبيئة the second United Nations Environment Assembly (UNEA-2)، كشف أحدها الخطر الذي يشكله تلوث الهواء والمواد الكيميائية وجزيئات البلاستيك الصغيرة micro plastics، والأمراض الحيوانية والتهديدات البيئية الأخرى على صحة الإنسان.
وقد وجد التقرير أن التدهور البيئي والتلوث يسببان ما يصل إلى أكثر 234 مرة في مقارنة مع عدد الوفيات المبكرة نتيجة الحروب والصراعات سنويا، فضلا عن وفاة ما يقارب من ربع مليون طفل تحت عمر خمس سنوات، ما يسلط الضوء على أهمية وجود بيئة صحية لتحقيق أجندة العام 2030 للتنمية المستدامة.

بيئة صحية… ناس أصحاء

وافتتحت الجمعية العامة الثانية للأمم المتحدة للبيئة UNEA-2 في العاصمة الكينية نيروبي في 23 أيار (مايو) كما تابعه موقعنا greenarea.info، أما التقرير بعنوان “بيئة صحية… ناس أصحاء” Healthy Environment, Healthy People الذي نشره برنامج الأمم المتحدة للبيئة the United Nations Environment Programme، بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية the World Health Organization (WHO)، واتفاقية التنوع البيولوجي the Convention on Biological Diversity وبروتوكول مونتريال حول المواد التي تستنفذ طبقة الأوزون the Montreal Protocol on substances that deplete the ozone layer، ومؤتمر بازل Basel، روتردام Rotterdam واستكهولم Stockholm فبحث في الأخطار الناجمة عن تلوث الهواء والمواد الكيميائية، وتغير المناخ وغيرها من القضايا التي تدرس وتربط بين نوعية البيئة وتأثيرها على صحة الإنسان والرفاه الإنساني.
وقال المدير التنفيذي لبرنامج يونيب UNEP Executive Director أكيم شتاينر Achim Steiner “من خلال استنزاف البنية التحتية البيئية لكوكبنا وزيادة تواجدنا الملوث، فإننا نتحمل تكلفة متزايدة لجهة صحة الإنسان والرفاه الإنساني، إن كان من ناحية تلوث الهواء أو من ناحية التعرض للمواد الكيميائية، فضلا عن تعدين قاعدة الموارد الطبيعية، فثمة خطر داهم على أنظمة دعم الحياة الخاصة بنا”.
وأضاف شتاينر “إن عالما أكثر صحة هو مد يرفع كل القوارب، بما في ذلك الإقتصاد والمجتمعات ولا سيما صحة الإنسان، وعندما نضع قواعد التقدم والتنمية بصحة البيئة، فنحن نحافظ على وجودنا، وفي هذه الدورة الثانية UNEA-2 يركز العالم على طرق للمحافظة على البيئة التي تحمي صحة الإنسان بدلا من تهديدها”.

المخاطر الصحية المتعلقة بالبيئة

ووجد التقرير أنه في العام 2012 ساهم تدهور الأحوال البيئية بما يقدر بـ 12،6 مليون حالة وفاة، أو 23 بالمئة من مجمل حالات الوفاة، ووقعت أكبر نسب من حالات الوفاة نتيجة الأحوال البيئية، مثلا: في جنوب شرق آسيا 28 بالمئة، غرب المحيط الهادي 27 بالمئة، جنوب الصحراء الكبرى الأفريقية 23 بالمئة، منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط 22 بالمئة، ووصلت نسبة الوفيات في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية the Organisation for Economic Co-Operation and Development (OECD) وتضم 34 بلدا 11 بالمئة، والدول غير الأعضاء في المنظمة من منطقة الأميركيتين 15 بالمئة وأوروبا 15 بالمئة.
وشهدت معدلات الوفيات الناتجة عن الأمراض غير المعدية non-communicable diseases تزايدا في معظم المناطق، وتشكل الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط نسبة 75 بالمئة من أعداد هذه الوفيات.
وأشار التقرير أيضا إلى أن الأسباب المتعلقة بالتأثيرات على الصحة البيئية، بما في ذلك الإضطرابات في النظام البيئي وتغير المناخ، عدم المساواة، وعملية التحضر Urbanism غير المخطط لها، وأنماط الحياة غير الصحية، والإسراف فضلا عن أنماط الاستهلاك والإنتاج غير المستدامة، تحدد جميعها ما يمكن أن تجلب الإجراءات البيئية من فوائد صحية واقتصادية عظيمة وهامة.
ويزيد تغير المناخ من تفاقم حجم وشدة المخاطر الصحية المتعلقة بالبيئة، وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن 250 ألف حالة وفاة إضافية يمكن أن تحدث كل سنة بين الأعوام 2030 و2050، وأن معظمها بسبب سوء التغذية والملاريا والإسهال والإجهاد الحراري، والناتجة عن تغير المناخ.
أما العوامل البيئية الرئيسية التي أبرزها التقرير فهي:

-تلوث الهواء، الذي يقتل 7 ملايين شخص في كافة أنحاء العالم كل عام، من هذه الحالات، فإن 4.3 مليون ناتجة عن تلوث الهواء المنزلي، ولا سيما بين النساء والأطفال في البلدان النامية.

-صعوبة الحصول على المياه النظيفة وطرق الصرف الصحي، ما يؤدي إلى 842 ألف حالة وفاة نتيجة أمراض الإسهال سنويا، 97 بالمئة منهم في البلدان النامية، وتشكل أمراض الإسهال ثالث سبب رئيسي لوفيات الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 5 سنوات، وهو ما يمثل 20 بالمئة من مجموع وفيات الأطفال دون سن الخامسة.
-التعرض للمواد الكيميائية: يموت 107 آلاف شخص سنويا جراء التعرض لمادة الأسبستوس، وتسبب التعرض لمادة الرصاص في العام 2010 بوفاة 654 ألف شخص.
الكوارث الطبيعية: تسببت الكوارث المرتبطة بالمناخ منذ أول مؤتمر لتغير المناخ للأمم المتحدة في العام 1995، بوفاة 606 آلاف شخص وجرح 4.1 مليار نسمة، وأصبح معظمهم بلا مأوى أو في حاجة إلى مساعدة طارئة.

فوائد الاستثمار في البيئة

بينما حدد التقرير كل هذه المشاكل، فقد أظهر أيضا كيف أن الاستثمار في بيئة صحية يمكن أن يحقق فوائد متعددة، ومنها:
-إن النجاح بالتخلص التدريجي من ما يقارب من 100 من المواد التي تستنفذ طبقة الأوزون ozone-depleting substances (ODS) يعني الوقاية من حوالي 2 مليون حالة من سرطان الجلد، وعدة ملايين من حالات إعتام عدسة العين (الماء الزرقاء) eye cataracts بحلول العام 2030، وذلك بفضل تعافي طبقة الأوزون.
-قدرت فوائد إزالة الرصاص من البنزين على نطاق عالمي بـ 2،45 تريليون دولار سنويا، أو 4 بالمئة من الناتج الإجمالي المحلي العالمي (GDP)، والحيلولة دون ما يقدر من مليون حالة وفاة مبكرة سنويا.
-تطبيق التدابير التي ثبتت فعاليتها من حيث التكلفة للحد من انبعاثات الملوثات قصيرة الأجل على المناخ، مثل الكربون الأسود وغاز الميثان، ما يمكن أن يقلل من ظاهرة الاحتباس الحراري بنسبة 0.5 درجة مئوية بحلول منتصف القرن، وبالتالي يمكن المحافظة على حياة 2.4 مليون شخص سنويا بسبب تلوث الهواء بحلول العام 2030.
-الاستثمار في برامج الصحة الوقائية في مكان العمل بقيمة 18-60 دولار لكل عامل، يمكن أن تقلل من معدل الغياب بسبب الإجازات المرضية بنسبة 27 بالمئة، في حين أن العوائد على الاستثمار في خدمات المياه النظيفة وشبكات الصرف الصحي تشكل ما بين 5 و28 دولار لكل دولار مستثمر في هذه المجالات.

التوصيات

يوصي التقرير بأربعة مناهج متكاملة لتحقيق هذه الفوائد:
-إزالة السموم: إزالة المواد الضارة من البيئة والتخفيف من آثارها على البيئة التي يعيش فيها الناس، فضلا عن أماكن العمل.
-إزالة الكربون: تقليل استخدام الوقود الكربوني، وبالتالي الحد من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون CO2 باستعمال مصادر الطاقة المتجددة، ومنها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة المائية، وتساهم هذه المصادر بنسب أقل من التلوث الناتج عن الوقود الأحفوري، لجهة التأثيرات الناجمة عن التلوث، وما يترتب عليها من التداعيات البيئية وآثارها على صحة الإنسان، وتصل النسب إلى أقل من 3 وحتى 10 مرات.
-الفصل بين الموارد وتغيير أساليب الحياة: إنشاء النشاط الاقتصادي اللازم ذو القيمة value، ما يشكل استمرارية لسكان العالم، وذلك بترشيد الاستخدام الأقل للموارد، وبالتالي إنتاج كمية أقل من النفايات، ومقدارا أقل من التلوث وبالنتيجة تدميرا أقل للبيئة.
-تعزيز مرونة النظام البيئي وحماية الأنظمة الطبيعية لكوكب الأرض: بناء قدرة البيئة والاقتصادات والمجتمعات لاستباق الأمور والاستجابة والتعافي من الاضطرابات والصدمات البيئية، من خلال حماية وحفظ التنوع الجيني على اليابسة، والتنوع البيولوجي الساحلي والمائي، وتعزيز استعادة النظام الإيكولوجي، والحد من الضغوط من الإنتاج الحيواني وقطع الأشجار على النظم الإيكولوجية الطبيعية.
كما أشارت تقارير أخرى نشرت في ذات الوقت، إلى لتركيز على صحة الإنسان في UNEA-2، وربطها مع دراسة قضايا مثل البلاستيك والرصاص في الطلاء والأمراض الحيوانية المصدر.
-بقايا البلاستيك في البيئة البحرية وجزيئات البلاستيك الصغيرة microplastics: تلهم الدروس والأبحاث العالمية العمل على تغيير سبل العمل والسياسات في ما يخص انتاج البلاستيك، حيث وجد في العام 2014، أن إنتاج البلاستيك العالمي تجاوز 311 مليون طنا متريا، أي بزيادة قدرها 4 بالمئة خلال العام 2013، وينتهي المطاف بما بين 4.8 و 12.7 مليون طن في المحيط نتيجة لعدم كفاءة إدارة النفايات الصلبة، وتشكل جزيئات البلاستيك الصغيرة هذه، مصدر قلق خاص.
وقدرت إحدى الدراسات أنه، يوجد في المتوسط في كل كيلومتر مربع من المحيطات في العالم 63،320 جزء microplastic عائم على السطح. وتتعرض الكائنات البحرية – بما في ذلك العوالق الحيوانية واللافقاريات والأسماك والطيور البحرية والحيتان – لجزيئات البلاستيك الصغيرة من خلال التناول المباشر للمياه، وغير المباشر عن طريق الحيوانات المفترسة في الشبكات الغذائية.
وتشمل الآثار السلبية المحتملة لتناول جزيئات microplastics ردود فعل مناعية سامة immunotoxicological responses، مشاكل في التكاثر، تطورات جنينية شاذة، واختلال في عمل الغدد الصماء، وتعبير متغير للمادة الوراثية.
-إدارة البلاستيك وعلاقته الجندرية: الأدوار المختلفة للرجال والنساء في استخدام واستهلاك البلاستيك، وأشار التقرير إلى تمييز النساء في المناطق المرتفعة الدخل كأصحاب مصالح، كمساهمات إلى درجة كبيرة Major stakeholders في الحد من استعمال البلاستيك في السلع الاستهلاكية الأساسية.
التقرير العالمي في العام 2016 المعني بالحدود القانونية لكمية مادة الرصاص في الطلاء: أشار التقرير إلى أن الجهود المبذولة لمعالجة الرصاص في الطلاء تتقدم، واعتبارا من مطلع العام 2016، وضعت 70 دولة من أصل 196 في كافة أنحاء العالم (36 بالمئة) قيودا ملزمة قانونا بشأن كمية الرصاص في الطلاء، ومراقبة هذا الأمر، وضمن أحكام الإنفاذ لضمان الامتثال لحدود كمية الرصاص، ومع ذلك، فإن 17 بلدا فقط تقوم باختبار الطلاء والتصديق على محتواه من مادة الرصاص.
-الأمراض الحيوانية المصدر: وجدت UNEP أن هناك زيادة عالمية في الأمراض الحيوانية المنشأ الجديدة، وتفشي للأوبئة الحيوانية المصدر، وارتفاع في الأمراض الحيوانية المنشأ المنقولة عبر الأغذية، واستمرار القلق من الأمراض الحيوانية المهملة في البلدان الفقيرة.
ووفقا للتقرير “لم يسبق أن احتفظ الناس بهذه الكمية من الحيوانات، كما أنه لم يسبق وجود الكثير من الفرص لمسببات الأمراض بالمرور في البيئة الفيزيائية الحيوية biophysical environment، والحيوانات البرية إلى الماشية والناس من الأمراض الحيوانية المنشأ، أو ما يعرف بـ zoonoses”.
وتعتبر حوالي 60 بالمئة من كافة الأمراض المعدية للبشر من مصدر حيواني، فضلا عن 75 بالمئة من كافة الأمراض المعدية الجديدة.
واحتلت في السنوات الأخيرة، العديد من الأمراض الحيوانية المنشأ الجديدة عناوين الصحف العالمية حيث تسببت، أو هددت بتسبب أوبئة كبيرة، وبالإضافة إلى مرض انفلونزا الطيور bird flu ، تشمل هذه حمى الوادي المتصدع Rift Valley fever (RVF) ومرض الالتهاب الرئوي الحاد المفاجىء (سارس) sudden acute respiratory syndrome (SARS)، متلازمة الالتهاب الرئوي الخاص بمنطقة الشرق الأوسط Middle East respiratory syndrome (MERS) وفيروس غرب النيل West Nile virus، والايبولا Ebola وفيروس زيكا the Zika virus.
وأشار التقرير أنه في العقدين الأخيرين، كانت لهذه الأمراض الجديدة تكاليف مباشرة قدرت بأكثر من 100 مليار دولار، وإذا أصبح تفشي هذه الأوبئة يصيب الإنسان، فقد تصل الخسائر إلى عدة تريليونات من الدولارات.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This