جاءت كارثة تسرب كميات كبيرة من النفط قبل نحو أسبوعين، و“بطلتها” هذه المرة شركة “شل” النفطية Shell Oil، لتؤكد الحاجة إلى الطاقات البديلة، فهذه الكارثة التي تضاف إلى المئات من مثيلاتها في العالم، تسببت بتسرب أكثر من 88،000 غالون من النفط من الأنابيب العميقة قرب ساحل ولاية لويزيانا الأميركية، لتمتد على مسافة 13 ميلا في المحيط، وبمساحة قدرت بحجم منطقة مانهاتن في ولاية نيويورك.
وعلى الرغم من أن “شل” أعلنت أن النفط لن يصل إلى الشاطئ، إلا أن التجارب السابقة لا تزال آثارها ماثلة في البيئة البحرية، وليتأكد أكثر فأكثر أن لا سبيل للحد من هذه الكوارث ومواجهة ظاهرة الاحترار الناجمة عن الوقود الأحفوري السبيل وتغير المناخ إلا من خلال الطاقة المتجددة، وأهمها: الطاقة الشمسية، طاقة الرياح، والطاقة المائية، إلا أن ثمة مصادر قد تبدو غريبة للطاقة المتجددة، وقد تشكل في المستقبل القريب وسائل ناجعة، لـ “فطام” Weaning العالم عن الطاقة الأحفورية.
أشعة الليزر الشمسية
وفي هذا المجال، هناك أشعة الليزر الشمسية، وإن لم تكن مصدرا جديدا للطاقة، ذلك أن أبحاثا من قبل “ناسا” بدأت منذ أوائل السبعينيات من القرن الماضي، في مجال الطاقة الشمسية الفضائية Space-based solar power (SBSP)، أو الطاقة الشمسية من المحطة الفضائية، وما يسمى أيضا solar- power satellite، أو نظام طاقة الأقمار الفضائية satellite power system، وفي هذه المنظومة، تستفيد المركبة الفضائية أو القمر الصناعي الموجودة حول الأرض من أشعة الشمس على مدار 24 ساعة ولمدة سبعة أيام، بدلا من التقاط الأشعة على سطح الأرض، ما يجعل امتصاص الطاقة الشمسية مستمرا دون معوقات من الغلاف الجوي للأرض العاكس والممتص للطاقة الشمسية.
وتعد التكلفة الإقتصادية عائقا كبيرا أمام هذا المشروع، خصوصا لجهة إيصال هذه الطاقة إلى الأرض، ففكرة توصيل أسلاك، غير عملية أو ممكنة، وبالتالي اتجه تفكير العلماء إلى تحويل الطاقة الشمسية إلى طاقة كهربائية على متن المركبات الفضائية، وتشغيل جهاز الإرسال بطاقة الميكروويف أو الليزر، وتركيز الشعاع نحو نقطة جامعة للطاقة Rectenna على سطح الأرض، لكن ثمة مخاوف عدة من هذا النوع من الطاقة المتولدة من التلف الحراري بسبب الإشعاع Radiation، فضلا عن ما قد تتسبب به النيازك الصغيرة micrometeoroid من أعطال وأضرار.
وفي سياق متصل، تتابع اليابان منذ العام 2008 مشروعا لهذا النوع من الطاقة، واعتبرته بمثابة هدف وطني للطاقة، ونجحت بالفعل بجهود “وكالة استكشاف الفضاء اليابانية” Japan Aerospace Exploration Agency (JAXA) في 12 آذار (مارس) 2015 بانتاج 1.8 كيلوواط وبثها إلى جهاز استقبال صغير، من خلال تحويل الطاقة الكهربائية إلى أشعة ميكروويف ومن ثم تحويلها إلى كهرباء، كما أعلنت الصين عن خارطة طريق لتوليد 1 جيغاواط من مصدر هذه الطاقة هذا بحلول العام 2050.
حرارة الجسم
حيرت العلماء فكرة استخدام حرارة جسم الإنسان لإنتاج الكهرباء، وإذا علمنا أن جسد الذكر البالغ ينتج ما بين 100 و120 واط، ويمكن أن يولد (نظريا) كهرباء لكثير من الأجهزة الإلكترونية التي تحتاج إلى كميات طاقة صغيرة ونستخدمها باستمرار، مثلا الهاتف الخليوي (1 واط) الـ “ننينتيندو وي“Nintendo Wii 14) واط)، وحتى الحاسوب الشخصي laptop الذي يستهلك حوالي (45 واط).
وتنطلق هذه الطاقة على شكل حرارة زائدة، إلا أن النظرية لم تنجح عند التطبيق، إذ لم تتجاوز الكهرباء المولدة من مصدر الطاقة هذه عدد من الميلليواط (واحد بالألف من الواط) وهي كافية فقط لبعض أجهزة مراقبة القلب ولعمل بعض الساعات.
إلا أن التطورات الأخيرة في الهندسة وتكنولوجيا “النانو” ساهمتا باستخدام طاقة الجسم في المزيد من الأجهزة، وتكمن التكنولوجيا الأساسية وراء مفهوم تحويل حرارة الجسم إلى كهرباء في جهاز كهربائي – حراري thermoelectric device، وهو مكون عادة من مادة موصلة رقيقة تستخدم الفرق في درجة الحرارة بين جانبيها لتوليد الكهرباء، وتعرف هذه الطريقة باسم “سيبك” Seebeck، وتوجد على صفحات الإنترنت العديد من مصابيح الجيب تعمل بهذه الطاقة.
وقد استخدم هذه الطاقة العالمان البلجيكيان في العام 2006 كل من فلاديمير ليونوف Vladimir Leonov ورود فولرز Ruud J.M. Vullers في توليد الكهرباء من حرارة الجسم، واستخدامها في آلات طبية عدة، مثل جهاز استشعار لكمية الأوكسجين في الدم blood oxygen sensor أو “الإكسوميتر المعتمد على النبض” pulse oximeter، وجهاز لمراقبة نشاط الدماغ electroencephalograph device في العام 2007، وأضافوا إلى الجهاز الأخير في العام 2008 خلايا طاقة شمسية، ليتمكن الجهاز من بث الإشارات دون التأثير الجانبي لهذا النوع من الأجهزة بتبريد الجسم، كما عادوا لابتكار جهاز لقياس عمل القلب على حرارة الجسم a body-heat powered electrocardiograph device (EKG)، على شكل قميص موصول إلى بطارية لجمع الطاقة بكفاءة أكبر، ويعمل حاليا باحثون في الولايات المتحدة، جامعة MIT على تطوير هذه التقنية لتصبح أكثر عملية.
مياه الصرف الصحي
في ولاية كولورادو الأميركية، وبالتحديد في مدينة غراند جانكشون Grand Junction، انتقلوا بتقنيات معالجة مياه الصرف الصحي إلى مستويات متقدمة، ويتركز الاهتمام عادة على التخلص من المواد الصلبة بإعادة تدويرها، وتحويل المياه الآسنة إلى مياه يمكن استعمالها في الزراعة. أما في هذه المدينة (غراند جانكشون)، فتعمل “محطة معالجة المياه العادمة برسيغو” The Persigo Wastewater Treatment Plant على معالجة 8 مليون غالون (30،5 مليون ليتر) من النفايات البشرية وتحويلها إلى غاز طبيعي متجدد RNG) renewable natural gas)، والمعروف أيضا باسم “الميثان الحيوي” biomethane. واستخدام RNG بعد ذلك لإمداد 40 حافلة من ضمنها حافلات نقل، وشاحنات قمامة، وشاحنات كنس شوارع وغيرها من الآليات التابعة للمدينة.
وتتم هذه العملية عن طريق ما يسمى الهضم غير الهوائي anaerobic digestion حيث تتحلل المواد العضوية إلى غاز خام، تتم تنقيته في ما بعد إلى الميثان الحيوي، ويمكن استخدامه كوقود للشاحنات وتوليد الكهرباء والتدفئة، وعادة ما كان الغاز الناتج يطلق إلى الهواء دون معالجة.
والجدير ذكره في هذا المجال أن عملية تحويل مياه الصرف الصحي إلى وقود ليست جديدة في الولايات المتحدة، إنما كان هدفها تزويد المولدات ولأغراض التدفئة، إلا أن هذه هي المرة الأولى التي يستخدم فيها هذا الغاز ومياه الصرف الصحي في المدن لأغراض النقل.
وعلى الرغم أن تكلفة المشروع بلغت 2،8 مليون دولار، لكن من المتوقع أن يسترد هذا المبلغ خلال سبع سنوات، عبر عائدات بيع الغاز، علما أن تكلفة انتاج الغالون هو 80 سنتا اميركيا، فهو يباع بـ 1،5 دولارا، وينتج المعمل 460 غالون مكافئ من البنزين gasoline gallon equivalents (GGEs) حوالي 1745 ليترا يوميا، كما أنه من الممكن استخدام النفايات العضوية المنزلية ومحتويات المطامر والسماد الحيواني، وكثير غيرها لإنتاج غاز الميثان الحيوي هذا لأغراض عدة.
ونذكر بمقال سابق حول قرية عاريا في المتن الأعلى في موقعنا greenarea.info التي أنشأت محطة تصريف صحي نموذجية، بغرض تحويل المياه العادمة الناتجة عن القرية إلى مياه نظيفة يمكن استعمالها مستقبلا في الزراعة.
وفي هذا السياق، نذكر بموضوع نشرناه حول تحويل البول إلى طاقة في موقعنا greenarea.info، عندما حصل تلامذة “مدرسة المنار” في منطقة رأس المتن على براءة اختراع وعدة جوائز بعد تحويلهم البول إلى غاز الهيدروجين واستعملوه لأغراض الإنارة، وكوقود لمولد تم تطويره ليعمل على هذا الغاز.
خلاصة
في هذا الجزء من أنواع الطاقة المتجددة الغريبة، يهمنا التذكير أنه ثمة مجالات كثيرة في علم الطاقة المتجددة يمكن للباحثين والرواد استخدامها لأغراض إنتاج الطاقة النظيفة، وقد يكون الأهم في هذا المجال، هو الهدف، وبأن يتجه العلماء إلى وسائل لتوجيه أبحاثهم نحو التخلص من نفاياتنا من بلاستيك، ونفايات عضوية، وعوادم، وكل ما ينتج عن الإستهلاك البشري المحموم بشكل مستدام، وبذلك نتمكن من موازنة تراكم النفايات مع استهلاكها، ويمكن أن نحافظ على كوكبنا الذي أثقلناه ببقايانا ونفاياتنا، والتي أصبحت تشكل خطرا متزايدا على صحة ساكنيه من بشر وكائنات حية متنوعة على اليابسة وفي المسطحات المائية، فضلا عن التوازن الحيوي فيها.