الأطفال نعمة، وأمل واستمرارية للحياة الإنسانية على الأرض، ومع وصول عدد سكان الأرض إلى 7،4 مليار نسمة، فإن كل زيادة في التعداد السكاني تشكل بصمة بيئية إضافية، كما أن الطفل يحتاج، فضلا عن الجو العائلي والإهتمام والعناية، إلى الكثير من المتطلبات والإحتياجات التي تضع العائلات المنخفضة الدخل في وضع مالي معقد، خصوصا وإن كان الوالدان يعملان، وقد تتطلب العناية بالطفل ترك الأم لعملها، أو استقدام مربية، أو ادخاله دور حضانة وما يترتب على هذا من مشاكل مادية، أو تعرض الطفل لأنواع مختلفة من الأمراض، ما قد ينعكس مشاكل عائلية واجتماعية كبيرة، وبالعادة في الدول المتقدمة، يتم التخطيط لإنجاب طفل، وللعناية به، حتى لا يحصل أي تقصير بحقه، ولكي يحظى بالعناية الكاملة.
وإن كنا نتجه للتفكير بمنطق بيئي، وخطة ممنهجة وشاملة، لا بد من مراعاة الحاجة الإنسانية والنفسية والإجتماعية لإنجاب طفل، لكن الإمتناع عن إنجاب الأطفال وإضافة فرد “ملوّث” للبيئة، يعد اتجاها بيئيا بامتياز، وبالتالي يتجه الكثير من الأزواج، وليس بالضرورة أن تكون البيئة في مجال تفكيرهم، إلى تنظيم النسل والعائلة، باستخدام وسائل منع الحمل العديدة.
لكن مع الإستهلاك المتزايد لهذه المواد، والنفايات الناتجة عنها، لا بد من البحث في التوازن بين فوائدها ومضارها على المجتمع والأسرة والفرد، فضلا عن مدى تفاوت تأثير هذه المواد بالضرر على البيئة.
وسائل منع الحمل دون تأثير بيئي
وثمة ثلاث وسائل لا تؤثر بيئيا، وهي عملية التعقيم الذكري والأنثوي، الإمتناع عن الجنس، طريقة الوعي بأيام الخصوبة لدى الإناث ومنع عملية الجماع خلالها.
وعمليات التعقيم تمنع حدوث الحمل نهائيا، وتتم لدى الذكور بعملية Vasectomy، تمكن الشخص بممارسة الجنس بحرية، أما لدى الإنات فتعرف عملية التعقيم عملية ربط الأنابيب Tube Ligation، وهذه الوسائل تمنع الحمل نهائيا، ومن الصعب إصلاح الضرر الناتج عن الجراحة، وبالتالي تمثل حلا نهائيا للحمل.
وبحسب دراسات علمية، فإن عملية الإمتناع عن الجنس تفشل بما يقدر بـ 22 بالمئة الحالات، أما تعداد أيام الخصوبة فهي 28 بالمئة، كون دورة الخصوبة لدى الإناث تتعرض لتغيرات هورمونية ونفسية وجسدية، ما قد يتسبب بالحمل.
اللولب the IUD
يعتبر استعمال اللولب IUD (جهاز داخل الرحم أو (intra uterine device من الوسائل الناجعة لمنع الحمل، ولحماية البيئة في آن واحد، فهو يستعمل لسنوات، دون أن ينتج نفايات خلال فترة الإستعمال، ويرمى في نهاية الحاجة إليه.
واللولب هو قطعة مصنوعة من البلاستيك، على شكل حرف T، توضع في الرحم لتكون في طريق الحيوانات المنوية يمكن أن تؤثر على حركتها، وبالتالي تمنعها من تخصيب البويضة، وعلى الرغم ان هذا الأمر يبدو غريبا، فإن اللولب يوفر سنوات من الحماية من الحمل، تمتد بين ثلاثة واثنتي عشرة سنة، اعتمادا على النوع، وإذا عادت الرغبة بالحمل فيمكن إزالته في أي وقت.
واللولب أنواع، منها ما يحتوي على مادة النحاس، وارتبط استعمال هذا النوع بالنزف في خلال الدورة الشهرية، وأوجاع في البطن، إلا أنه أقل كلفة، كما يحتوي بعضها على هورمون البروجسترون الأنثوي الذي يقلل من كمية الدم النازف، وبالمجمل، فاللولب يعد الشكل الأكثر استخداما على نطاق واسع من وسائل منع الحمل التي يمكن عكسها reversible، وقدرت النسبة المئوية في العام 2014 في كافة أنحاء العالم بـ 24 بالمئة.
حبوب منع الحمل
تعتبر هورمونات منع الحمل الصناعية، من وسائل منع الحمل المستعملة بكثرة، وهي عبارة عن هورمونات أنثوية بكميات معينة لمنع الحمل، ومنها الحبوب pills، الرقع patches، الحلقات rings، الخطة باء plan B أو حبة مانع الحمل الطارئ Emergency Contraception، وتسمى حبة الصباح التالي Morning-After Pill، الحقن والزرعات implants، وهناك موانع عدة لاستعمالها، خصوصا لدى بعض النساء مثل مخاطر ارتفاع الضغط، السرطان، أمراض الكبد والجلطات وغيرها، إلا أن كل هذه الطرق تمثل إضافة إلى فضلات تعليبها، فهي تحتوي على هرمونات صناعية، يمكن أن تنتقل إلى البيئة، وقد ارتبط استعمالها مع مواد كيميائية أخرى مثل Bisphenol A (PBA) بقدرة الأسماك على التكاثر، كما أنها تعمل على تغيير جنس الأسماك، ولكنها تبقى وسائل هامة لمنع الحمل.
وسائل حمل عازلة
أما وسائل الحمل العازلة، فهي وسائل أنثوية وذكرية لمنع الحمل، بحيث تعزل الحيوانات المنوية بحاجز ميكانيكي يمنع وصولها إلى قناة فالوب للتلقيح، وهي عبارة عن أجهزة صغيرة للإناث كـ “الحاجز المهبلي” Diaphragms، أو أغطية عنق الرحم Cervical caps، ويمكن إعادة استعمالها لمدة سنتين، وللذكور الواقي الذكري.
وتأتي فعالية هذه المواد كسبب لاختيارها، فالحاجز المهبلي ان استعمل بشكل صحيح يقي بنسبة تصل إلى 92 بالمئة، بينما أغطية عنق الرحم لا تتجاوز 72 بالمئة، ويصل استخدام الواقي الذكري إلى 98 بالمئة كحماية، لكن في هذه الحالات، فإن كمية النفايات الناتجة هي الأكبر في حالة الواقي الذكري.
وفي حالة الواقي الذكري أيضا، فإنه قد يستعمل مع مادة مبيدة للحيوان المنوي Spermicide، وقد استعمل 10،4 مليار واقٍ في العام 2005 في العالم، ووصل استهلاك الواقي الذكري إلى 18،6 مليار في العام 2015 في الدول النامية، ولكنها وسائل فعالة ليس لمنع الحمل فحسب، بل للوقاية من الأمراض التناسلية كالإيدز والسفلس وغيرها.
لكن ثمة أنواعا من الواقي الذكري قابلة للتحلل biodegradable، إلا أنها أكثر كلفة، لا سيما تلك المصنوعة من جلد الحمل Lambskin condoms إلا أنها لا تحمي من الأمراض التناسلية مثل الواقي الذكري المصنوع من اللاتكس، وهو قابل للتحلل أيضا، كونه مصنوع من مواد أعيد تدويرها، ولكن هناك نوعا من الواقي الذكري غير قابل للتحلل أو التدوير من نوع Polyurethane.
كما وتوجد واقيات نسائية، female condom يصل طولها إلى 17 سنتيمترا توضع داخل المهبل، وكانت تصنع من مادة polyurethane، لكن أصبح معظمها يصنع من مادة nitrile، ولكن يجب وضعها قبل 8 ساعات من العملية الجنسية، ولا تعد عملية بشكل كافٍ مقارنة بالواقي الذكري.
مع كل ما قرأناه في السابق، والمعارضة الدينية والإجتماعية في الكثير من الدول لاستعمال وسائل منع الحمل، إلا أنه من جهة أخرى، وعلى الرغم من كمية نفايات هذه الوسائل، فإنها لا تقارن مع ما نوفره من أمراض وتأثير على العائلة والمستقبل المهني للإنسان، فضلا عن بصمة كربونية لفرد إضافي في منظومة كوكبنا بيئيا، وكما قال الناشط البيئي Hank Green في مدونة EcoGeek.org عن الواقي الذكري: “الواقي الذكري لا يعمل بالطاقة الشمسية أو أنه قابل لإعادة الاستخدام أو حتى لإعادة التدوير، لكنه العنصر الفعال في الثورة البيئية المحتملة، فمع استمرار النسل في كافة أنحاء العالم، فإن استعمال الواقي الذكري يترك وراءه مجتمعات صحية أكثر سعادة، مع تأثير أقل بكثير بيئيا على كوكب الأرض، إنه قوة الإبداع الحقيقي“.
خلاصة
تساهم وسائل منع الحمل بأشكالها المختلفة، إلى حد ما، بتلويث البيئة، لكن ثمة دواعٍ لاستعمال بعضها على حساب غيرها، منها تاريخ المرأة المرضي، ويحدد مقدم الرعاية الصحية نجاعة بعضها على حساب الأخرى، كما أن جميعها تنتج نفايات وتتفاوت في ما بينها، ولا سيما موانع الحمل الهرمونية، لكن يبقى الخيار الصحي للمرأة ولمقدم الرعاية الصحية، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الخيار البيئي الأمثل يعود إلى الفرد في استخدام مانع الحمل الأكثر استدامة بيئيا.