تشهد البشرية هذه الحقبة تحوُّلَ أجندةِ 2030 للتنمية المستدامة -2030 Agenda for sustainable Development
إلى استراتيجية عالمية تطاول كل الأبعاد الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والبيئية والسياسية.
تتوالى الإجتماعات والمؤتمرات والنشاطات والمشاورات العالمية، ولا سيَّما على مستوى البُنى الفرعية لمنظمة الأمم المتحدة، بحثا عن السبل الملموسة لتحقيق أهداف هذه الأجندة، التي يُتوقع أن تُحدث تعديلٌ عميق في اقتصادات العالم، وأساليب الإنتاج والإستهلاك على مستوى الإنسانية جمعاء.
عقد في نيروبي، العاصمة الكينية، في مركز برنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP، الإجتماع الثاني لجمعية الأمم المتحدة للبيئة UNEA2 ،تحت عنوان عام، كبير وعالي الأهمية على مستقبل البشرية كلِّها، “تحقيق البعد البيئي لأجندة 2030 للتنمية المستدامة”.
يجتمع كبار المسؤولين في العالم لبحث القرارات الكلِّية المطلوبة، والدعوة لاتخاذ خطوات عملية فعَّالة حيال التحديات البيئية الجسام، التي تواجه عالمنا المعاصر.
يبحث هذا الإجتماع الهام، قضايا التنمية الشاملة، وآليات تقييم تقدُّم تحقُّق أهداف التنمية المستدامة، وخصوصا في أبعادها البيئية. ويشكِّل فرصة لقيام حوار عميق وشامل وفعال بين الحكومات والقطاع الخاص والمنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني، تحت شعار “بيئة صحية سليمة، شعب صحيح وسليم”. إن هذا التناول للمسألة يتيح تحديدا لأفضل الأدوات والوسائل الملموسة لاعتماد المقاربات العالمية المتكاملة من أجل تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، وخصوصا المسائل الملحَّة المرتبطة بجودة الهواء، وصحة وسلامة المنظومات البيئية، والكيماويَّات، والنفايات، وغيرها من المسائل الناشئة، بهدف وضع استراتيجية شراكة متعدِّدة الأطراف لمواجهة القضايا البيئية القائمة والناشئة.
يقع على عاتق هذا الاجتماع الهام أن يضع سياسة تؤكد مخرجات مؤتمر “ريو + 20″، بالدعوة لأوسع وأنشط مشاركة لكل الجهات المعنية، والإرتكاز على أفضل الممارسات والتطبيقات والنماذج عند مختلف المؤسسات متعددة الأطراف، وتطوير آليات جديدة لتعزيز الشفافية والمشاركة الفعَّالة للمجتمع المدني.
سنتناول بالنقد الوثيقة UNEA/EA.2/4 بشأن البند (c)4
من جدول الأعمال، المتعلق بقضايا السياسة والحوكمة البيئية العالمية: الكيماويات والنفايات. مشروع القرار 1/5 بشأن الكيماويات والنفايات.
تقترح الوثيقة توجُّهات لمتابعة تقوية الإدارة السليمة للكيماويات والنفايات على المدى البعيد. ومقاربة متكاملة لتمويل الإدارة السليمة للكيماويات والنفايات، وقضايا الإرتباط بالتنمية المستدامة. ومن أهم القضايا المستجدَّة مسائل تتعلق بإدارة الزئبق، موضوع إتفاقية ميناماتا الجديدة. وقضايا تتعلق بالنهج الاستراتيجي للإدارة العالمية للكيماويات
، وكذلك المسائل المتعلقة بالرصاص والكادميوم. وأخيرا، الإدارة الشاملة والمتكاملة للنفايات.
بشكل عام، يمكن ملاحظة ضعف الأولوية السياسية للسلامة الكيميائية، ولا سيَّما على المستوى الوطني. وهذا يرتِّب على اجتماع نيروبي أن يدعو إلى دعم الجهود الرامية لرفع الأولوية السياسية للسلامة الكيميائية على كل المستويات، وخصوصا على المستوى الوطني. لكي تتحول السلامة الكيميائية إلى أولوية وطنية في سياسات واستراتيجيات البلدان، ولا سيَّما البلدان النامية، التي لا تزال تواجه مخاطر جدِّية في هذا المضمار.
وينعكس هذا الضعف، في ضعف الموازنات المالية المرصودة للسلامة الكيميائية. ويظهر مشروع القرار ضعيفا من حيث تناوله للموازنات المتعلِّقة بتنفيذ سليم وفعال لسياسات السلامة الكيميائية. ويبرز هذا الأمر الهام أيضا في تمويل النهج الاستراتيجي للإدارة العالمية للكيماويات ، حيث الحاجة لأن تضع الوكالات التنفيذية المانحة أرصدة كافية لطبيق ناجح وفعال لأهداف النهج الاستراتيجي.
يلاحظ أيضا، أن الزيادة التي طرأت على موازنات صندوق البيئة العالمي في برنامجه السادس ، بالمقارنة مع تلك في برنامجه الخامس ، تعود حصرا على تلك الموازنات المرصودة للزئبق، ولا تمسُّ الجوانب الأخرى للإدارة السليمة للكيماويات، ولا لتعزيز التطبيق السليم للسلامة الكيميائية، ولا لتحسين تنفيذ أهداف النهج الاستراتيجي للإدارة العالمية للكيماويات.
من جهة أخرى، يلاحظ أن الموازنات التي رصدتها اتفاقية ستوكهولم بشأن الملوِّثات العضوية الثابتة من العام 2015 حتى العام 2019، لم تلحظ الموازنات الضرورية والمطلوبة لإدارة الملوِّثات العضوية الثابتة الجديدة، التي أضيفت إلى لوائح الإتفاقية في مؤتمريها الأخيرين.
هناك حاجة ملحَّة لأن يدعو الإجتماع الثاني لجمعية الأمم المتَّحدة للبيئة، المنعقد في نيروبي، الدول المانحة لرفع مساهماتها لتطبيق الاتفاقيات الدولية الكيميائية والنهج الاستراتيجي للإدارة العالمية للكيماويات.
ومن المفيد مطالبة منظَّمة الصحَّة العالمية لدور أكثر انخراطا ومشاركة في تنفيذ السياسات السليمة لإدارة الكيماويات، وتحقيق أهداف النهج الاستراتيجي والاتفاقيات الدولية، والتقدم في تنفيذ أهداف السلامة الكيميائية على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية.
لا بد من تطوير آليات تعزيز مشاركة منظَّمات المجتمع المدني المعنيَّة في كل الجهود الرامية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، ولا سيَّما منها ما يتعلق بالسلامة الكيميائية والإدارة السليمة للكيماويات والنفايات.
نرى أن هناك ضرورة ملحَّة، لإزالة اللُّبس في موضوع “استرداد الطاقة” أو استخراج الطاقة من النفايات، بحيث يتمُّ حصر هذا الخيار في إنتاج البيوغاز، أي استبدال العنوان الشائع “الطاقة من النفايات” بآخر “الطاقة من النفايات عبر البيوغاز”، أي بعمليَّات الهضْم اللَّاهوائي للنفايات العضوية وإنتاج البيوغاز الصالح لتوليد الطاقة. إن اعتماد محارق النفايات يقوِّض إعادة تدوير النفايات، ويخلق ويطلق في أوساط البيئة، وخصوصا في الهواء الجوي، تشكيلة واسعة من الملوثات عالية الخطورة على الصحة العامة، وتسبِّب أمراضا مزمنة وخطيرة ومميتة. ويعتبر حرق النفايات وسيلة غير فعَّالة لإنتاج الطاقة الكهربائية، وكلفة توليدها أغلى بكثير من خيارات أخرى.
من الضروري أن تتضمَّن سياسات الإدارة العالمية للنفايات استراتيجيات فصل النفايات الخطرة من سيل النفايات قبل إعادة التدوير. ووضع أنظمة متكاملة لإدارة النفايات الخطرة، تشتمل على مراحل الجمع المنفصل من المصدر، والجمع والنقل المنفصل إلى مراكز للمعالجة والتخلص النهائي خاصة بالنفايات الخطرة، مستقلَّة كل الإستقلال عن إدارة الأنواع الأخرى من النفايات غير الخطرة ومن كل المصادر. وفي هذا السياق، ينبغي على الإجتماع الثاني لجمعية الأمم المتحدة للبيئة المنعقد في نيروبي أن يدعو الدول الأعضاء لإقرار قوانين وتشريعات وأنظمة بشأن المسؤولية الممتدَّة الواسعة للمُنتجين، والقيام بإجراءات استرداد منتجاتهم بعد نهاية عمرها الإستهلاكي، لكي يقوم المنتجون أنفسهم بتنفيذ برامج إعادة تدويرها ومعالجتها والتخلص منها.
من المهم مساعدة الدول، وخصوصا الدول النامية، على وضع وتطوير أفضل التقنيَّات المتاحة في إدارة النفايات بأوسع المعاني لمفهوم التقنيات.
إن مسألة تعميم التخلص من الرصاص في الدهانات تكتسب أهميَّة بالغة، وخصوصا في البلدان النامية وضعيفة النمو، حيث أظهرت العديد من الدراسات، وضمنا الدراسة التي قمنا بها في لبنان، أن الدهانات من ألوان الأحمر والأصفر وحتى الأبيض، لا تزال تحتوي على تراكيز عالية جدا من الرصاص، وتتجاوز الحدود المقبولة دوليا بمئات، وأحيانا بآلاف المرات. إن عمل التحالف الدولي للتخلُّص من الرصاص في الدهانات والطلاء الزيتي يشير إلى مخاطر الرصاص وإلى وجود بدائل ذات جدوى، ويطالب بوضع قوانين وتشريعات تتبنى حدًّا لتراكيز الرصاص لا يتجاوز 90 جزء من مليون. من الضروري والمفيد والمناسب أن يتبنى الإجتماع الثاني لجمعية الأمم المتحدة للبيئة هذه التوجُّهات حيال الرصاص في الطلاء، وأن يشجِّع الحكومات على المساهمة في جهود التحالف الدولي الهادفة إلى التخلُّص النهائي من الرصاص في الطلاء مع حلول العام 2020. وأن تعمل على مواجهة استبدال الرصاص والكادميوم ببدائل أكثر سُمِّيَّة منها أو تساويها لناحية المخاطر على البيئة والصحة البشرية، وخصوصا صحَّة الأطفال.
واحدة من أهمِّ القضايا المعاصرة في الإدارة العالمية للكيماويات والنفايات تتمثَّل بمسألة الإنتاج والإستهلاك المستدام. وفي هذا السياق ندعو الإجتماع إلى تشجيع الحكومات على تطوير الزراعات الإيكولوجية النظيفة، الخالية من رواسب الأسمدة والأدوية الكيماوية والمبيدات عالية السمِّية. وكذلك التأكيد على أهمية العمل من أجل تنمية تتفادى تدهور البيئة، وتراعي استدامة المواد والعمليات من خلال النظر إلى دورة الحياة الكاملة للمواد والمنتجات، وإلى شبكة التموين بكاملها.
على الدول المشاركة أن تعزز مساءلة الشركات المنتجة، وتشجع ممارساتها المستدامة، وأن تعمل على توسيع نطاق مسؤوليتها لتشمل كل مراحل الإنتاج، منذ وضع تصاميم المُنْتَج إلى إدارة النفايات. ومن جهة أخرى العمل على تعزيز وضع وتطبيق أدوات اقتصادية لإدخال الحسابات البيئية في الحسابات الداخلية لعملية الإنتاج.
إن اهتمام الإجتماع الثاني لجمعية الأمم المتحدة للبيئة، المنعقد في نيروبي، بهذه المسائل والقضايا، واتخاذ القرارات والتوجُّهات والتوصيات المناسبة حيالها، يجعل منه محطة إستثنائية بأهميتها على طريق تطبيق أهداف التنمية المستدامة في موضوع الكيماويات والنفايات، ومؤشرا كبيرا على نجاح أعماله.
ينشر بالتزامن مع مطبوعة الاعمار والاقتصاد