طغى ملف سد جنة على جدول اعمال مجلس الوزراء امس، فخفت لا بل غاب الحديث عن ملف النفايات الداهم، والذي كان من المفترض ان ينقاش خلال الجلسة خصوصاً لجهة السير بمناقصة ردم البحر لانشاء مطمر صحي في برج حمود، ومصير بقية المناقصات، واقرار مراكز للتخزين المؤقت للنفايات في قضائي الشوف وعاليه التي تتجمع فيها النفايات بمشهد كارثي في غالبية القرى والبلدات، لكن الملف لم يبحث نهائياً.
ويبدو واضحاً من تصريحات الوزراء قبيل جلسة مجلسة الوزراء العادية وبعدها، محاولة الايحاء من قبل جميع الاطراف ان النقاش حول مسألة وقف الاعمال بسد جنة في منطقة نهر ابراهيم، هي مسألة تقنية وفنية ولا علاقة للسياسة بها، في وقت لم تخل التصريحات من التلطيشات السياسية الحادة.
وزير الاتصالات بطرس حرب اعلن قبل الجلسة ان “سد جنة “رح يجننا”، وهو انشىء للحصول على أموال”. فرد عليه وزير التربية الياس بو صعب: “المشكلة ليست في سد جنة والوزير حرب يحاول التلطي وراء الملف لاخفاء فضيحة وزارة الاتصالات وسنناقش الموضوع فنيا”.
اما موقف تيار المستقبل فعبر عنه وزيرالدولة لشؤون التنمية الادارية نبيل دو فريج معتبراً انه يمكن الوصول الى حل اذا نوقش سد جنة تقنيا، اما اذا نوقش سياسيا وطائفيا فلا حل له. بدوره قال وزير السياحة ميشال فرعون ان “سد جنة هو نتيجة عمل مستشارين وسنرى الى أين سنصل مع شركة خطيب وعلمي”.
وفي تأييد واضح لمشروع السد اعلن وزير الثقافة ريمون عريجي ان “سد جنة حيوي ومهم ويجب أن تتم المعالجة بعيدا عن التجاذبات السياسية وان تتم من الناحية الفنية والتقنية”.
اما وزير المال علي حسن خليل فقال: “ان المسألة تقنية وفنية بحت، فلماذا تطرح في مجلس الوزراء وما علاقته بها؟”.
موقف وزراء الاشتراكي مال باتجاه تأييد السد ، حيث كرر وزير الصحة وائل أبو فاعور مقولة “النقاش التقني” الذي “يجب ألا يخضع للسياسة”. وذهب وزير الزراعة أكرم شهيب ابعد من ذلك في الاعلان ان “سد جنة سيوفر الماء والكهرباء والموضوع ليس سياسيا انما مائي وانمائي واقتصادي والبلد يحتاج اليه”.
اما وزير الصناعة حسين الحاج حسن فاعلن بدوره تأييد “مبدأ السدود بشكل عام في ظل شح المياه والامطار والثلوج واذا كان هناك ملاحظات تقنية فيمكن دراستها”.
موقفان معارضان للسد عبّر عنهما وزير البيئة محمد المشنوق الذي قال: “سنناقش ملف سد جنة تقنيا والموضوع ليس كسر عظم سياسي انما بيئي بامتياز، ونحن منفتحون على أي نقاش”.
اما وزير الاقتصاد الآن حكيم فأشار الى ان “بين المياه والبيئة نحن مع البيئة، والمشكلة الكبرى هي موضوع النفايات اذ نريد ان نعرف اين وكيف تفرز”.
بدوره اعلن وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس عقب انتهاء الجلسة ان النقاش استغرق وقتا طويلا حول طلب وزير البيئة بوقف العمل في سد جنة لأسباب بيئية، وقد طال الوقت ولم تغرق الحكومة في سد جنة.
واضاف: “كان النقاش تقنيا وفنيا ولكن بعض الزملاء الوزراء كانوا يقولون أن هذا النقاش الفني يخفي وراءه موقفا سياسيا، لم توضح هذه المواقف السياسية، وقد استطاع رئيس الحكومة بحنكته وصبره أن يجعل الأمور ضمن السيطرة وهذا الأمر سيكون مدعاة للمناقشة من جديد ولكن بروح لا تمت الى التعصب والتحزب، فهذه مسألة فيها مصلحة لكل اللبنانيين وقد أكد كل الوزراء أن لبنان بحاجة الى السدود وبحاجة الى استغلال المياه، وأن أحدا لا يستعمل هذا الأمر لكي يكيد سياسيا للآخرين، والمسألة بكل بساطة هي بعض التريث للتأكد من بعض الأمور الفنية والمسائل البيئية”.
واعلن الوزير بو صعب عقب الجلسة ان سد جنة اخذ كل النقاش اليوم للهروب من مناقشة فضائح وزارة اﻻتصاﻻت خاصة وان الوزير حرب لن يكون حاضرا في الجلسة المقبلة لمزيد من تضييع الوقت. كما اعلن وزير الخارجية جبران باسيل ان “همهم توقيف سد جنة ويبحثون عن حجج واهيةً وعتيقة مثل بعضهم”.
تمديد مجلس الوزراء للنقاش حول سد جنة لم يستتبع بقرار لوقف مؤقت للاعمال الى حين البت بالمسألة، اذ لا تزال جرافات الشركة البرازيلية المتعهدة تعمل على مدار ٢٤ ساعة في محاولة لاقتلاع اكبر عدد ممكن من المساحة الحرجية ، وللايحاء ان ما تم تدميره لن يعوض، وان وقف اعمال السد بعد انشاء النفق وتحوير مجرى النهر واقتلاع الاشجار بات غير مجدياً.
وزير الطاقة ارتيور نظريان الذي كان الصامت الاكبر امس، يتحدث اليوم في مؤتمر وصفته الوزارة بانه “علمي توضيحي لكل الحقائق المحيطة بمشروع سد جنة” بحضور وزير الخارجية جبران باسيل ومشاركة نواب ووزراء سابقين وحاليين ومختصين وفعاليات ورؤساء بلديات، وذلك عند الساعة ١٢ من ظهر اليوم في فندق الحبتور في سن الفيل. ويتخلل المؤتمر مداخلات لممثل شركة الاستشارات والاشـراف على التنفـيذ Artelia خبير السدود Alain Yziquel. متعهد تنفيذ الاشغال البرازيلي “AG” Gutierez Andrade. ممثل شركة خطيب وعلمي الدكتور عادل أبو جودة. الخبير في دراسات تقييم الاثر البيئي الدكتور مازن حيدر. الباحث في الجيوفيزياء الدكتور في الجامعة الاميركية في بيروت عطا الياس. كما ستتضمن الندوة مداخلة للوزير باسيل.
الندوة – التظاهرة التي اعلن عنها عقب اجتماع تكتل التغيير والاصلاح قبل يومين، يحاول من خلالها التيار الوطني الحر ان يقطع النقاش امام اي محاولة للتشكيك بضرورة وقف العمل بالسد وفق ما خلص اليه تقرير وزارة البيئة بعد التعليق على دراسة الاثر البيئي التي تسلمتها الوزارة من وزارة الطاقة والمياه. في المقابل تصر وزارة البيئة على موقفها خصوصاً لجهة تضاربت المعلومات ما بين التقرير الجيولوجي والهيدرولوجي الصادر عن “شركة خطيب وعلمي” من جهة، والتقرير الصادر عن خبراء المعهد الفدرالي الالماني BGR والتي لا تزال قائمة، لا سيما تلك المتعلقة بتسرب المياه الجوفية واتجاهاتها في الطبقات الجوفية في الحوض الاعلى لنهر ابراهيم باتجاه الحوض الجوفي لنبع جعيتا، مع الاشارة الى ان الشركتين قد اصدرتا عدة مراسلات تتضمن ردودا وردودا مضادة. وخلصت وزارة البيئة الى انه ما زال هناك تناقض لناحية النظام الهيدروجيولوجي لارضية منطقة بحيرة جنة ومحيطها، ووفقا لهذه المعطيات طلبت وزارة البيئة استكمال الدراسات للتحقق من مكامن الضعف الجيولوجية المتلعقة بسد جنة، عن طريق اجراء اعمال جيولوجية ميدانية متقدمة، تشتمل على حفر آبار اختبارية، وهو ما ترفضه وزارة الطاقة والمياه و”مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان”.
ومن المعلوم ان اعمال حفر آبار اختبارية جرت فقط في بئر التلوين في سرعيتا، بهدف إثبات الإتصال الجوفي ما بين نهر إبراهيم – جنّة ونبع جعيتا، وطلب حينها من شركة “الارض” دراسة نتائج هذه العملية، ولقد خلصت “شركة خطيب وعلمي”، وهي الشركة الإستشارية الرسميّة للمشروع، بناء على دراسة شركة “الارض” انه ليس هناك اتصال بين نهر ابراهيم وجعيتا، علماً ان العديد من الخبراء شككوا بطريقة نقل خلاصة التقرير من قبل “خطيب وعلمي”، وبطريقة اجراء عملية الحفر الاختبارية، اذ ان مواد التلوين وضعت في الشتاء وضمن منسوب تدفق مياه جوفي لا يسمح بالخروج بنتائج علمية يمكن الاعتداد بها، اضافة الى انه يجب ان تكون هناك عشرات الاختبارات المماثلة، وفي عدة نقاط، للتثبت من صحة الفرضية المطروحة وهي ان منطقة سد جنة ذات مخزون جوفي مقفل. ويعد بند “جيولوجية الموقع” الأهم ضمن ملاحظات وزارة البيئة على المشروع، لانه يفتح الباب امام بحث وجود الفوالق الزلزالية الناشطة مع الطبيعة الكارستية للصخور في نفس الموقع، والإتصال ما بين نهر إبراهيم – جنّة ونبع جعيتا، اضافة الى وجود مخزون هائل من مياه جوفية نقيّة تحت موقع سد وبحيرة جنة (على عمق بضعة أمتار من المستوى السفلي المعلن لأرضية بحيرة السد)، مع إمتداد عريض ضمن طبقة الجوراسيك (لاسا وقرطبا وحتى الى ما بعد تنورين، وشرقاً حتى أفقا والرويس وبسكينتا وترشيش، وغرباً حتى مار نهرا وحريصا وعينطورة وجعيتا وانطلياس، للوصول جنوباً حتى ضاحية بيروت كما بعبدات، صليما، رأس المتن، العباديّة، عاريا والجمهور الى حدود وادي شحرور). ولقد اقترحت دراسة الاثر البيئية لشركة “جيكوم” ان أحد الحلول يمكن ان يكون من خلال تجميع المياه السطحية في المنطقة السفلى من نهر إبراهيم، هكذا يتمّ تجنب جميع النتائج السلبيّة من جراء موقعه الحالي. لكن هذا الاقتراح رفض بشكل قاطع من قبل القيمين على المشروع.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This