يتصاعد الجدال السياسي والتقني حول وقف الاعمال في مشروع سد جنة في منطقة نهر ابراهيم، التحركات المدنية التي ينظمها الحراك البيئي في لبنان، والتي كان آخرها الاعتصام الذي تزامن مع انعقاد مجلس الوزراء قبل يومين لم ينجح في حشد عدد كبير من المعترضين على مشروع السد، وفي حين قرر مجلس الوزراء تأجيل البت بالملف الى الجلسة المقبلة تستمر اعمال الجرف والقطع بعد ان استعاد محافظ جبل لبنان فؤاد فليفل الكتاب الذي وجهه الى القوى الامنية لتنفيذ امر وقف الاعمال بالاستناد الى طلب وزير البيئة محمد المشنوق. ونظمت وزارة الطاقة مؤتمراً اشبه بالتظاهرة السياسية المؤيدة لسد جنة قاطعة الطريق امام اي نقاش تقني داخل مجلس الوزراء يمكن ان يؤدي الى اتخاذ قرار بوقف الاعمال والبحث عن بدائل كما توصي وزارة البيئة.

اوجه الشبه بين سدّي بيلو مونتي وجنة
ونشرت مجموعة “طلعت ريحتكم” عبر حسابها على فيسبوك ما اسمته “الفضيحة المدوية” حول الشركة البرازيلية الملتزمة اعمال بناء سد جنة Construtora Andrade Gutierrez، التي اعترفت في اطار تحقيقات اجرتها محكمة برازيلية بدفع رشاوى للسياسيين البرازيليين لتحصل على عقود بناء سد بيلو مونتي Belo Monte من قبل الحكومة البرازيلية.
وكانت صحيفة الغارديان البريطانية قد نشرت في ٨ نيسان (ابريل) الماضي، تقريراً اشارت فيه الى ان الرئيس السابق للشركة البرازيلية Otávio Marques de Azevedo قد اعترف امام المحكمة ان شركته قد مولت الائتلاف الذي يدعم الرئيسة البرازيلية المعزولة ديلما روسيف ، وان مشروع سد “بيلو مونتي” قد دفع فيه ما يقارب ٤١ مليون دولار اميركي رشاوى لصالح الائتلاف الحاكم، اضافة الى دفع رشاوى عن مشاريع اخرى.
وبعد أن أنفقت بكثرة من أجل جعل ثالث أكبر مشروع لتوليد الكهرباء من مصادر المياه على مستوى العالم، تجازف البرازيل بالحصول على عوائد ضعيفة من استثماراتها في مشروع سد “بيلو مونتي” الذي تبلغ تكاليفه الإجمالية 14 مليار دولار.
ويقع هذا السد الذي يعتبر أضخم موقع بناء في البرازيل على بعد 3000 كم إلى الشمال في ولاية بارا وفي أعماق حوض الأمازون، حيث يعمل حوالي 20 ألف عامل على مدار الساعة في موقع على نهر زينغو، وهو يمثل أضخم محطة لتوليد الكهرباء من المصادر المائية قيد الإنشاء في أي مكان من العالم. ومن المقرر من الناحية النظرية أن تصل الطاقة القصوى إلى المحطة التي تقع على الحدود بين البرازيل وباراغواي عند اكتمالها إلى 11233 ميغاواط، وهو ما سيجعلها ثالث أكبر محطة في العالم بعد “ثري غورجز” و”إيتايبو” في الصين.
وتقوم جماعات الخضر والسكان الأصليين من عرق “الأميرينديانز” بحملات احتجاج ضد هذا السد، وتقوم مجموعة مناهضة للمشروع تطلق على نفسها “زينغو فيفو” بعرض تعليقات ناقدة من مؤيدين لحملتها من شتى أنحاء العالم في مقر المجموعة الواقع في بلدة ألتاميرا. وقد قارن المخرج السينمائي الأميركي جيمس كاميرون بناة السد البرازيلي بأنهم يحاكون أشرار فيلمه الشهير الذي عرض تحت عنوان “أفاتار”.
وفي سيناريو مشابه لما يحصل في سد جنة منذ اقرار بناءه قبل سنوات، اوقف العمل بسد “بيلو مونتي” مرتين لمدد قصيرة من خلال إجراءات قانونية، لكن اعمال البناء لا تزال مستمرة رغم الاحتجاجات.

المشنوق: هناك خلاف بين وزارتي البيئة والطاقة حول السد

وفي سياق تصاعد المواقف السياسية حول سد جنة، اعلن وزير البيئة محمد المشنوق خلال ورشة عمل ترأسها في اطار نشاطات يوم البيئة العالمي، أن “التحدي الاساسي هو إقناع المعنيين عدم الاحتذاء بالمثل الأسوأ. ففي كل مرة نحيل أحدهم إلى القضاء، نواجه المراجعات نفسها، وهي مقارنات بحالات تلوث وتشويه أخرى غالبا ما تكون قديمة. هذا ما واجهناه في موضوع سد جنة عندما جرت مقارنته بالمقالع المنتشرة على الأراضي اللبنانية، وهذا ما واجهناه أيضا في موضوع معالجة النفايات الناتجة عن المؤسسات الصحية الذي تمت مقارنته بأزمة النفايات المنزلية التي حصلت العام الفائت”.
وأوضح المشنوق أنه “هناك قضايا لها طابع اشكالي، وهناك خلاف بين وزارتي البيئة والطاقة حول سد جنة ليس سياسيا، ولا تقنيا، بل هناك عمل يتم وهناك قانون لا يطبق. ونحن نحاول من خلال التواصل مع وزارة الطاقة أن نؤمن هذه الامور وألا تكون لدينا أي مسؤولية في حال استمرار الاعمال في سد جنة”، لافتا إلى أن “سد جنة مشروع مائي كبير دون شك، وحيوي ولكن لا نستطيع السير بالمشروع اذا لم نتأكد من جدواه المائية والاقتصادية وله تطبيق جيد، وليست له مخاطر بالحجم الذي تراه الدراسات والذي قد يؤدي الى اضرار بالمنطقة نفسها”.
وختم بالقول أن “الموضوع طرح في جلسة مجلس الوزراء واستمر الخلاف وسنناقش الامر في الجلسة المقبلة ولكن ما استطعنا أن نحققه هو أن نزيل عنه صفة الضغط السياسي وكنا واضحين أن الموضوع ليس سياسيا بل هو بيئي ووطني بإمتياز، وعلينا أن نتعاطى معه من مصلحة البلد وليس من زاوية مصالح الاشخاص أو الفئات والقوى السياسية، وما نراه في هذه الحالة شبيه بما نراه في حوض الليطاني الذي هو ملوث من منبعه الى مصبه مرورا ببحيرة القرعون”.

المحافظ يجب أن يدرس القانون!
وعن سبب عدم توقف الأعمال في السد، أوضح رجا نجيم المنسق العام للائتلاف المدني الرافض لمشروع سد جنة في مقابلة مع “Greenarea.me”، أن “محافظ طلب سحب الموافقة، هذا ما قالته لنا المديرية العامة لقوة الأمن الداخلي، وعندما واجهنا المحافظ بذلك، قال أنه تم تقديم مبرارات قانونية محقة”.
ونصح نجيم المحافظ أن “يعود ويدرس القانون، لأن في القانون اللبناني ليس هناك منفعة أعلى من قانون البيئة، لأنه أتى لإجبار كل الوزارات والإدارات باللجوء اليه عندما يريدون الإقدام على أي مشروع”.
بدوره لفت بول أبي راشد رئيس الحركة البيئية في لبنان ، إلى أنه “تم تدمير أجزاء كبيرة من منطقة وادي نهر أدونيس، الذي يعتبر وفقا لخبراء، موقعا فريدا من نوعه بالبحر المتوسط ككل، وليس كما وصفه البعض أنه لا يحتوي إلا على عدد من أشجار السنديان”، مشيرا إلى أن التدمير الذي أصاب المنطقة، سيحاسبون عليه من الموظفين الكبار إلى الموظفين الصغار الذين سمحوا بمخالفة القوانين منذ سنتين”.

باسيل: لا يحق لوزير البيئة، الكلام عن الأثر البيئي

وفي مقابل الاصوات المعترضة على بناء السد، عقدت وزارة الطاقة والمياه مؤتمراً شارك فيه وزيري الخارجية والمغتربين جبران باسيل والطاقة والمياه ارتور نظريان .
واكد باسيل، في كلمة له خلال المؤتمر، “أن المشروع استراتيجي والتعاطي معه يجب ان يكون على هذا الأساس”. مشيرا إلى أن “لا أحد منا يقبل أن يضع في سجله مشروعا عرضة للخطر ويجب ان يكون هناك سبب اكبر من المحفزات لوقف العمل بسد جنة”، مشيرا الى ان “الحجج كثيرة والسبب واحد هو إيقاف المشروع”، موضحا انه “لم يثبت وجود فالق زلزالي في جنة، فلماذا الخوف من انهيارات فيما باقي السدود والبحيرات لا خوف عليها؟”.
وأوضح أن”السدود لا تلوث البيئة وسد جنة يستوفي الشروط”، معتبرا أنه “لا يحق لوزير البيئة، الكلام عن أثر بيئي بعد بدء المشروع، بل عن إدارة بيئية”، وقال: “ليطبق الأثر البيئي على مكبي الكوستابرافا وبرج حمود والكسارات في كل لبنان”.
واشار إلى أن “موظفا كبيرا في الدولة يقر بتدخل رئيس حكومة سابق معه لعرقلة المشروع”، متسائلا عن الهدف واين هي المصلحة من ذلك؟ وسأل “هل رأيتم بلدا واحدا في العالم يدفع 100 مليون دولار ثم يقرر وقف مشروع”، لافتا الى ان “هذا الامر سيكبد مطالبات محقة للشركة المعنية مقابل لا شيء”.

نظريان: عدم استثمار المياه السطحية يضطرنا

وألقى نظريان كلمة أشار فيها إلى أن “المياه الجوفية جرى إستغلالها بشكل عشوائي، وتم استنزافها بشكل كبير، مما أوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم”، مؤكدا أن “عدم استثمار المياه السطحية التي يبلغ معدلها السنوي حوالي 2.2 مليار متر مكعب، بالحد الأدنى، من خلال إنشاء السدود والبحيرات، يضطرنا يوما بعد يوم إلى القضاء على ما تبقى من مياهنا الجوفية. إن غياب بدائل البحيرات والسدود قد جعل عدد الآبار يتخطى عتبة ال 70,000 بئر على كامل مساحة الوطن أي ما يزيد عن سبعة آبار كمعدل للكيلومتر المربع الواحد”.
وأوضح أن “الجميع لمس الآثار السلبية للإستخدام العشوائي لهذا المصدر دون الإستعانة بالمياه السطحية، حين جف عدد كبير من الينابيع في قرانا وبلداتنا، وارتفعت نسبة الملوحة في الآبار نتيجة دخول مياه البحر باتجاه المياه الجوفية، وتلوثت هذه المياه بسبب اختلاطها بمياه الصرف الصحي، الأمر الذي هدد فعليا هذا المصدر وديمومة الإستعانة به في المستقبل”، معتبرا أن “غياب الإستراتيجيات والخطط المائية والتنظيمية للقطاع قبل عام 2000، والتأخر في تنفيذ الخطة العشرية الممولة بقانون برنامج، والإستراتيجية الوطنية لقطاع المياه، يزيد من معاناة وعطش اللبنانيين، في ظل الأوضاع الإستثنائية التي تمر بها البلاد”.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This