شكلت مصادر الطاقة المتجددة في العام الماضي (2015)، ولأول مرة منذ التوسع في استخدامها، أكثر من نصف حاجتنا لتوليد الكهرباء في كافة أنحاء العالم، وذكر “تقرير وضع الطاقة المتجددة في العام 2016” Renewables 2016 Global Status Report أنه “يتم اعتماد وتعميم مصادر الطاقة المتجددة الآن في مختلف أنحاء العالم كمصدر رئيسي للطاقة”.
ماذا يعني ذلك؟
يتبين يوما بعد يوم أن “مزارع الرياح” Wind farms و”محطات الطاقة الشمسية” Solar power plants الجديدة، فاقت مجتمعة إنتاج الطاقة من الوقود الأحفوري، والطاقة المائية والنووية.
حتى وقت قريب، كان المدافعون عن السدود يتسلحون بطفرة هذه الطاقة المتجددة، وبالتالي شجعوا على المضي في بنائها على أوسع نطاق ممكن، وما ساعدهم أيضا في دعم مواقفهم هو ان الطاقة المستخرجة من الرياح والشمس واجهت مشكلات صعبة، خصوصا في مجال طرق تخزينها وكانت شبه معدومة.
نتيجة هذا الأمر تم بناء العديد من الخزانات الكبيرة لتوليد الطاقة الكهرومائية، واللجوء اليها عندما لا تشرق الشمس ولا تهب الرياح، ما أدى الى كثرة وطفرة في بناء السدود التي تهدد النظم الإيكولوجية الحرجة في كافة أنحاء العالم.

الطاقة الكهرومائية رهينة تغير المناخ

الآن، وبالاستناد إلى الأرقام المبينة أعلاه، غاب بريق السدود وأفُل نجمها، وهذا ما بات يمثل مسارا عالميا رافضا للسدود السطحية، لأسباب علمية، نظرا لما ألحقته من أضرار في النظم الايكولوجية، بالتوازي مع ما تمثل من أخطار واجه العالم تبعاتها مع انهيار العديد من منها، وما تسببت به من كوارث، فضلا عن أن السدود الموجودة هي عرضة دائما لأخطار تواجه القاطنين بالقرب منها، ولذلك نجد أن مشاريع الطاقة المتجددة بدأت تتربع على عرش ما بات يعرف بـ “طاقة المستقبل”، وباتت البديل الأفضل للسدود.
وثمة عوامل عدة أدت الى هذا التغيير الجذري في هذا المجال، منها ان المزارع المختصة باستخراج الطاقة من الرياح والشمس تتنافس اليوم مع الطاقة الكهرومائية على السعر، إضافة الى ان بناءها يتطلب وقتا اقل بكثير مقارنة بالسدود، دون اغفال فكرة ان كلفتها أدنى.
زد على ذلك ان محطات الطاقة الكهرومائية هي رهينة تغير المناخ، اذ لا يمكن ان نغض النظر عن المشاكل التي عانت منها هذه الخزانات خلال فترات الجفاف.
وأخيرا توصل الباحثون الى إيجاد طرق حديثة تسمح لهم بتخزين الطاقة المستخرجة من الرياح والشمس، وبالتالي وجدوا الحل للمشكلة الأسمى التي كانت تعاني منها هذه الطاقة البديلة الصديقة للبيئة.
وبما ان لكل شيء إيجابيات وسلبيات لا يمكننا تجاهل فكرة ان لمشاريع الطاقة المستخرجة من الرياح والشمس سلبياتها الخاصة على سبل العيش والأنظمة البيئية، الا انه يمكن تجنب هذه المشاكل والحد منها بسهولة (ما لا يمكن القيام به في حالة السدود).

استثمار 271 مليار دولار في الطاقة المتجددة

وفقا لـ 2016 Renewable Capacity Statistics of the International Renewable Energy Agency (IRENA) أضيف في العام 2015 على مستوى العالم 63 غيغاواط من طاقة الرياح، و 47 غيغاواط من الطاقة الشمسية. وعلى سبيل المقارنة، أضيف فقط 22 غيغاواط من الطاقة الكهرومائية الكبيرة خلال العام نفسه (نزولا من 38 غيغاواط في عام 2013 و 32 غيغاواط في عام 2014).
وثمة تقرير جديد صادر عن برنامج الأمم المتحدة بلبيئة و”بلومبرغ لتمويل الطاقة الجديدة” Bloomberg new energy finance والـ UNEP يقدم ارقاما أهم أيضا، اذ يشير التقرير الى ان 64 GW من طاقة الرياح، و 56 GW من الطاقة الشمسية أضيفت، مقابل 22 GW فقط لمشاريع الطاقة الكهرومائية الكبيرة الجديدة في عام 2015″.
وتظهر ارقام بلومبرغ لتدفقات الاستثمار، أن طاقة الرياح والطاقة الشمسية أصبحتا الآن أكبر مصدر للطاقة المتجددة. وفي العام 2015، تم استثمار كامل 271 مليار دولار في مرافق طاقة الرياح والطاقة الشمسية الجديدة، مقارنة بـ 130 مليار دولار في الوقود الأحفوري و23 مليار دولار في الطاقة الكهرومائية الكبيرة. وهذا يشير، لا بل ويؤكد أن الطاقة المتجددة سوف تستمر في التفوق على الوقود الأحفوري، والطاقة الكهرومائية الكبيرة والطاقة النووية في السنوات القادمة.
وتؤكد الأرقام المجردة هذه الأمر، اذ رأينا العديد من السدود الكبيرة توقفت أو علّقت في الصين وروسيا والبرازيل وكمبوديا، خلال الأشهر الستة الماضية، على أن تشكل مثل هذه القرارات بداية لبلورة اتجاه جديد مع استمرار دحض فكرة السدود المدمرة، وإيجاد حلول أفضل وأكثر جاذبية من أي وقت مضى.

الوسيط النزيه!

في الوقت نفسه، لن يستسلم المدافعون عن الطاقة الكهرومائية الكبيرة دون قتال، فهم يضغطون بقوة على الحكومات لبناء المزيد من السدود الكبيرة، بحجة أن الدول النامية يجب أن تفعل الآن ما فعلته الدول الصناعية في القرن الماضي، لا بل يروجون شائعات عن ان الطاقة المستخرجة من الرياح والشمس تمثل حلولا للمستقبل البعيد، وليست مناسبة للدول الفقيرة في هذه المرحلة!
وتجدر الإشارة الى ان المدافعين عن السدود هم على استعداد لدفع رشى ومبالغ كبيرة للحصول على مبتغاهم.
وهناك مشكلة أخرى تحاول اعتراض الطاقات المتجددة، وهي ان العديد من الحكومات، في أفريقيا على سبيل المثال، تستمر لصالح مصادر الطاقة التقليدية، وهي لا تزال تفتقر لوجود برامج تتيح لها اعتماد طاقة الرياح والطاقة الشمسية في بلدانها.
كما ان برنامج الاتحاد الأفريقي لتنمية البنية التحتية في أفريقيا Programme for Infrastructure Development in Africa (PIDA) حدد 13 مشروعا ذات أولوية لقطاع الطاقة في القارة السمراء، وجميعها متعلقة بإنشاء سدود مياه.
في هذه الحالة على المنظمات الدولية مثل البنك الدولي، والوكالة الدولية للطاقة أن يتصرفا كالوسيط النزيه، ويقدما المشورة المستقلة حول كيفية استخراج الحكومات الفقيرة لطاقة الرياح والطاقة الشمسية.
ورغم وجود العديد من المعضلات والعقبات بوجه محطات الطاقة المستخرجة من الرياح والشمس، الا انها نجحت في تجاوز الطاقة الكهرومائية. وختاما ينبغي التشديد على أهمية السماح او إعطاء فرصة للبلدان النامية لأن تكون جزءا من ثورة الطاقة النظيفة المستمرة.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This