استمعنا منذ أيام على الفضائيات أنه يتم التحضير لانتحاب ملكة جمال الابقار في المناطق الهندوسية من الهند، وبدأ كل مزارع ينظف ويجمِّل بقرته علها تكون الفائزة بالمسابقة، لكن استوقفتني مقابلة لأحد المزارعين يقول، “لماذا لا نهتم بأبقارنا المحلية، فهي تعطينا إنتاجا عاليا من الحليب، ونسبة الدسم فيه مرتفعة؟ لا بد من احترامها والاعتناء بها وتحسينها”. هنا فكرت بمنطقتنا العربية، ومدى احترامها لمصادرها الوراثية المحلية.
تعد المصادر الوراثية Genetic resources قيمة اقتصادية وعلمية واجتماعية للتنوع الوراثي الموجود في الأنواع المختلفة، وهذه الموارد قابلة للتجدد إذا استغلت بطريقة سليمة.
ويشكل التنوع الوراثي حاجزاً واقياً ضد التغيرات السلبية التي تحدثها الآفات والأمراض والتغيرات المناخية، كما أنه يوفر مادة التأقلم مع الأوساط المختلفة وملائمة للاستعمالات المتعددة. وكغيرها من الموارد الطبيعية، تتعرض المصادر الوراثية لأخطار متعددة طبيعية المنشأ، كأن تكون عرضة لغزو حشرات وأمراض، أو اصطناعية متعلقة بالفعاليات الإنسانية كتدمير الموائل الطبيعية نتيجة عدم الاهتمام بها.
إن القارئ للأنظمة والتشريعات النافذة في مجال حماية الثروة الحيوانية في سوريا، يلاحظ أنها لا تتعدى تنظيم استيراد وتصدير هذه الحيوانات، إضافة إلى المحافظة عليها وتحصينها من الأمراض السارية أو الطفيلية الجماعية، أي المحافظة على سلامة عامة من الأمراض السارية، ولا توجد أية عبارة تدعو إلى حماية عروق وسلالات محلية، فقانون حماية الثروة الحيوانية رقم /87/ تاريخ 13/12/1979 والذي يهدف إلى حماية الثروة الحيوانية بفصوله السبعة، يحدد ما يلي:
-حماية الثروة الحيوانية من الأمراض السارية.
-مراقبة حركة الحيوانات ومنتجاتها ومخلفاتها الحيوانية عبر الحدود.
-التدابير الوقائية لمنع انتشار الأمراض السارية أو الطفيلية الجماعية.
-إضافة إلى مؤثرات جزائية.
والحقيقة هنا، ومن خلال مراجعة القانون رقم 87 لعام 1979 والقرار رقم /60/ لعام 1988، يلاحظ أن هذه التشريعات متشددة جداً في دخول وخروج كل ما يتعلق بالثروة الحيوانية بهدف حماية السلامة العامة وهذا شيء جيد جداً، إلا أنها لم تتعرض أبداً إلى حماية العروق المحلية والتي لم يتم تحسينها وراثياً، ولم تطبق عليها أساليب التربية الحديثة، إضافة إلى تعريضها لسوء التغذية من ناحية أخرى، وذلك بالرغم من تكيفها مع البيئة المناخية ومقاومتها لبعض الأمراض المستوطنة، وبالتالي أدى ذلك إلى تراجع بعض تلك الأصول بسرعة، وغزو الأصول أو العروق الأوروبية المستوردة والشهيرة بأدائها العالي الذي يؤمن المنتجات الحيوانية بجدوى اقتصادية مجدية، وهكذا بقيت الأصول الوراثية الداجنة منخفضة الإنتاج، متباينة المواصفات، ما دعا المزارعين والمربين إلى العزوف عن تربيتها واقتناء الحيوانات من العروق الأجنبية، وينطبق هذا الكلام بصورة خاصة على الأبقار، حيث قهرت الأبقار الشامية والعكشية أمام الفريزيان الهولندي والهولشتاين الاميركي، وعلى الدجاج أيضاً، حيث قهر الدجاج البلدي أمام المستورد، باستثناء أغنام العواس والحمير فإن معظم الأصول الوراثية الأخرى معرضة لخطر التدهور والانقراض، لذلك لا بد من احترام القوانين والتشريعات النافذة الخاصة بحماية الثروة الحيوانية والبادية السورية، التي تعد موئلاً للأغنام والماعز والجمال بصورة خاصة، والحياة البرية العامة، إضافة إلى وقف تصدير الماعز الشامي بطرق غير قانونية، وإيقاف الصيد الجائر للأرانب البرية والمحلية والبط البري. وأخيراً الاهتمام بالعروق المحلية بهدف تحسين أدائها لأنها الأكثر ملائمة للظروف البيئية، وذلك عن طريق إصدار التشريعات المناسبة.
تبقى ثمة ملاحظة، استطعنا في سوريا إصدار قانون لحفظ المصادر الوراثية النباتية ضمن اتفاقية روما لحفظ المصادر الوراثية النباتية، ويجب أن يتبع ذلك تعديل قوانين وقرارات حماية الثروة الحيوانية، بحيث تصبح حماية الموارد الوراثية الحيوانية هي المحور الأساس في هذه القوانين.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This