في يوم البيئة العالمي، والذي يصادف في الخامس من شهر حزيران (يونيو) من كل عام، يحدونا الأمل بأن نبلغ آفاقا جديدة تبدد الكثير من الهواجس، في ظل ما نشهد من ظواهر تؤكد أن مصير الإنسان على هذا الكوكب بات مهددا، ولا نستغرب أن تطغى المواضيع المتعلقة بالبيئة، يوما بعد يوم، على أحاديثنا ونقاشاتنا في كل موقع ومقام، وصولا على مواقع التواصل الإجتماعي، فضلا عن ان البيئة راحت تتصدر بقضاياها المتشعبة عناوين الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب، لكن في المقابل لا يرقى التطبيق والممارسة العملية إلى مستوى التحديات والآمال، ما يؤرق أكثر المتضررين من تداعيات المناخ، لا سيما سكان المدن الجزرية المهددة بالغرق، وسائر العالم ولو بنسب أقل، مع كثرة الأمراض الناجمة عن التلوث وتغير المناخ؟
وأمام هذا الواقع، وخصوصا لجهة الإحترار المناخي، لا بد من مقاربة موضوعية وشاملة، لموضوع البيئة، ولممارسات عملية تمكن كوكبنا وساكنيه من بشر وكائنات حية، من الاستمرار في حياة ذات نوعية وجودة تساهم في الحد من تفاقم ظواهر تغير المناخ، التي نلمسها في انقراض كائنات، وتدني أعداد أخرى إلى مستويات خطرة، وظواهر غريبة، وتشوهات خلقية، تذكرنا بأفلام الخيال العلمي، ولكنها أصبحت واقعا، نلمسه بشكل يومي.
هواجس
يتخوف العلماء والناشطئون البيئيون من آثار التغير المناخي، ولا سيما لجهة التدابير المتخذة لمواجهة هذه التحديات، فرغم القمة الأخيرة في باريس COP21، والدورة الثانية لجمعية الأمم المتحدة للبيئة UNEA2 التي انعقدت مؤخرا في نيروبي – كينيا، وما توصلت إليه اللجان من مقررات وبرامج واستراتيجيات، نجد أن ما نفذ من خطوات، لا يرقى إلى الطموح والزخم المطلوبين، وكلما تأخرنا، نجد أن تأثير تغير المناخ يزداد مع ظواهر طبيعية متمثلة في الجفاف، والفيضانات والجوع، خصوصا مع التوقعات بوصول عدد سكان العالم إلى 9 مليار بحلول العام 2050، يؤكد أن الغذاء بمصادره الحيوانية والنباتية، فضلا عن المياه المطلوبة وبشكل مستدام، يعتبران تحديا كبيرا للعالم أجمع.
أما الآثار الصحية والتي تتمثل في سلامة الغذاء والمياه، وأمراض مرتبطة بالمناخ، منها الأمراض المزمنة غير المعدية، والأمراض حيوانية المنشأ، وأثر نوعية المناخ على الصحة، ولا سيما الفئات الأكثر ضعفا مثل كبار السن والأطفال، فضلا عن آثار اجتماعية متمثلة بالنزوح البيئي، وهجرة جماعية من الأرياف إلى المدن لطلب الرزق والعمل، والفقر، والأثر الإجتماعي للكربون The social cost of carbon وغيرها، وآثار اقتصادية، تتمثل بتدني الناتج الإجمالي المحلي gross domestic product GDP وتأثير هذا على الناتج الإجمالي العالمي، وعدم الوضوح ambiguity في التوقعات الإقتصادية economic forecasting، والهشاشة Vulnerability خصوصا في الإقتصادات النامية، التكيف بشكل إيجابي أو سلبي طبقا لدرجة التكيف، وتفاوت الاتجاهات الاجتماعية والاقتصادية تبعا لتغير العوامل المؤثرة الإقتصاد والتنبؤات المستقبلية التي يشوبها الغموض، وآثار هذا التغير المناخي، ولا سيما التلوث الذي يطاول الجوانب الإقتصادية من زراعة، صناعة، تجارة، سياحة وغيرها، فضلا عن الحروب، والصراعات الإقليمية والمحلية، والتنافس على مصادر الثروات والمياه وعلى النمو الإقتصادي بشكل عام، وبهدف الوصول إلى الإقتصاد المحايد لجهة انبعاث الكربون Climate Neutral economy، أو أقصى الطموح بخفض الإنبعاثات دون المستوى المحايد، وإن كان ذلك يتطلب جهودا عالمية موجهة وجبارة، بالنسبة لتداخل تغير المناخ وآثاره على كافة الجوانب المذكورة آنفا مع بعضها البعض، والتأثير المتبادل في بوتقة هذه التأثيرات إلى عملية متكاملة لاستدامة الحلول المطلوبة.
… وآمال
لا نحاول في يوم الإحتفال بالبيئة العالمي أن نرسم صورة قاتمة، وإن كانت هذه الصورة تميل إلى الرمادية والغموض، بل نحاول أن نلفت الإنتباه إلى الجهود المبذولة في سبيل الوصول إلى أفضل النتائج، فالإلتزامات المحلية في COP21 لجهة تغير المناخ، تعد خطوة شجاعة من دول عدة، ولا سيما إن تابعت التزاماتها وطموحاتها في هذا المجال، فقد نتوصل إلى الحياد في انبعاثات الكربون، وربما إلى أبعد من ذلك، والأهم التوصل إلى خفض مستوى الإعتماد على الطاقة الأحفورية إلى أدنى المستويات، وصولا إلى الإعتماد بشكل جزئي وكبير على الطاقة المتجددة، وهذا ما توصلت إليه فعلا بعض المدن والكيانات وبنجاح كبير نسبيا، ما يستدعي الوقوف عنده وتعميم هذه التجارب بما يناسب خصوصيات مجتمعات ودول أخرى في كافة أنحاء العالم.
وتأتي المساعي لخفض الكربون، ووضع ضرائب تصاعدية على الإنبعاثات من أهم الخطوات في هذا المجال، وإن كانت للأسف غير ملزمة قانونا حتى الآن، وإن كانت بعض الدول بدأت خطوات في مسار تطبيقها، منها فرنسا مثلا، التي أقرت قانونا عرف بقانون رويال the Royal bill، وتعديلاته كما أقرها مجلس الشيوخ، وبدأ العمل به فعليا بوضع ضرائب على الطاقة الأحفورية بشكل تصاعدي، ومن المتوقع أن تتضاعف الضريبة أربع مرات من 56 يورو للطن في العام 2020 وصولا إلى 100 يورو للطن بحلول العام 2030.
كما أن بعض الدول، وخصوصا تلك الأكثر مساهمة في هذه الإنبعاثات، مثل الولايات المتحدة، تسير بخطى بطيئة للغاية ومحبطة لدرجة كبيرة، وقد تتوقف تماما، إن وصل إلى الرئاسة الأميركية المرشح الرئاسي دونالد ترامب، والذي وعد بشعار “لنجعل أميركا عظيمة” ولو على حساب العالم والمناخ، بالإضافة إلى الخطوات التي نادى بها في خطاب الطاقة في بسمارك في ولاية كارولينا الشمالية مؤخرا، ما يمكن أن يعد “وأدا” لجهود غير مثمرة بالأغلب امتدت على فترة عقود، وللعدالة علينا الإعتراف أن ثمة بعض النجاحات المتفرقة في ولايات عدة مثل كاليفورنيا، ولعل الخيار البيئي قد يرجح كفة الميزان في هذا السباق الرئاسي، وقد تثمر الآمال نتائج إيجابية شاملة وملموسة، ترقى إلى أفضل الآثار على تغير المناخ وعلى البيئة في أميركا والعالم.
لبنان… كارثة في طور الإنفجار
على الرغم من أن مساهمات لبنان في الإنبعاثات العالمية ضئيلة للغاية، وفقا لاحصاءات فريق التغير المناخي في وزارة البيئة، فقد بلغت 18،5 مليون طن من مكافئ ثاني أوكسيد الكربون في العام 2000، وتقدر بـ 0.07 بالمئة من الإنبعاثات العالمية، وعلى الرغم أن نسبة الزيادة في هذه الإنبعاثات لم يتم احتسابها حاليا، إلا أنه لا يمكن إنكار أن وضع البيئة في لبنان، للأسف يتجه من سيء إلى أسوأ.
إلا أن الإستراتيجية البيئية لم تواكب احتياجاتنا المحلية، أو تفي بأقل الإلتزامات البيئية محليا، ولا يعني البدء بهذا الموضوع أنه في سلم الأولويات البيئية، بل لكونه كارثة في طور الإنفجار، فماليا التخطيط وما يصرف على البنية التحتية، يشاد به بنى عدة وبكفاءة عالية ومن ضمنها الصيانة، فنجد الشوارع وبعد انتظار طويل تُعبد، ثم تحفر، لتعبد وتحفر مرة ثانية وثالثة، ولا ينتهي العمل بها، بهدف إنشاء تمديدات للمياه، الصرف الصحي والهاتف وغيرها، وعلى الرغم من كل العمل، نجد مياه الصرف تلوث معظم مياهنا ومسطحاتنا المائية، لدرجة اننا من الممكن أننا نطفو على قاعدة من مياه الصرف الصحي، فضلا عن فضلات المعامل السامة ومياه الري الملوثة بالمبيدات والأسمدة، التي تصب وبدون رقابة في المياه الجارية كنهر الليطاني وبحيرات السدود مثل بحيرة القرعون، والتي سنعود لذكرها لاحقا، ودون دراسة لإمكانية إنشاء معامل إضافية لتنقية مياه الصرف الصحي للوصول لحل مستدام لهذه المشكلة.
وتكتمل الأزمة بملف الصيد البري، فلا قانون رادع، وتأتي الإستغاثات العالمية لحماية الطيور المهاجرة، وبالمقابل تهدر الأموال على خراطيش وبنادق الصيد، دون رخص قانونية، ويقتل 2،6 مليون طائر في لبنان، في مجزرة بيئية مشهودة، مؤلبة الرأي العالمي ووصفه لنا كشعب متعطش للدماء، وهادم للبيئة المحلية والعالمية.
بالمقابل، فإن موجة فرز النفايات، والتي أضحت في وقت ما حديث الجمعيات الخيرية وشاغلها الوحيد، فضلا عن وسائل التواصل الإجتماعي، هدأت كزوبعة في فنجان واضمحلت على الرغم من تفاقم أزمة النفايات، ومن كان يعتمد الفرز، أصابه الإحباط، مع عملية خلط للنفايات حين جمعها لترمى ككتلة واحدة ودون فرز، فضلا عن حلول المطامر التي طال شرحها على صفحات موقع greenarea.info، وأهمها بدعة المطامر الساحلية الأخيرة ومنها الكوستابرافا!
أما السدود، فحدث ولا حرج، مع مأساة سد القرعون البيئية المزمنة والبحيرة الميتة والتي قد تحتاج عقود لمعالجة تلوث المياه فيها، وسد بريصا في الضنية، فهو بالوعة، لا تصمد فيه مياه، ويسارع من بناه لتسليمه، لرفع المسؤولية عنه، وسد شبروح أيضا يرشح منه الماء بمعدل 200 ليتر بالثانية، طبقا لدراسة للجامعة الأميركية، ولما أشار إليه أيضا الخبير الدكتور رولان رياشي، وبالتالي فهو مجرد ممر مائي، وعبارة عن سد كلف الملايين، ولم يكتف السياسيون في بلادنا، بل اتبعوا هذه السدود بسد جنة وسد بسري في خط لتلويث ما تبقى من بلادنا، ودون تفكير في استراتيجية مستدامة في معالجة هذا الملف وغيره.
يطول الحديث في احتفال يوم البيئة في لبنان، وأي احتفال! فأمور عدة تقض مضاجع البيئيين، فالمبيدات تستعمل دون رقابة، وكذلك الأسمدة، وخطط الطاقة المتجددة مؤجلة أو موضوعة في الأدراج، وخلف الحدود جنوبا، عدو غاشم، نحسده إذ أنه مسلح بالتخطيط العلمي، وبمحاربة الفساد ولو أتى من “رأس الهرم“، بالمقابل يستغل كل قطرة مياه، ويوجهها نحو وجهة إنمائية وبشكل مستدام، يزيد مساحة الأراضي المزروعة وإنتاجيتها، ويحافظ على الحياة البرية، ويعتمد خطة ممنهجة بيئيا!