تتوالى المؤتمرات والقرارات البيئية بهدف مواجهة تغير المناخ وتداعياته على البشر والتنوع الحيوي في كافة أنحاء العالم، وفضلا عن مكافحة التصحر والجفاف، فإن المحافظة على مستويات من الإنتاج الزراعي والمائي لتلبية حاجات الأعداد المتزايدة للسكان والطلب العالمي على الغذاء تعتبر من أولويات منظمات الأمم المتحدة العديدة، ولا سيما ما يخص قطاع الثروة الحيوانية وخصوصا القطاع المتمثل بالمراعي والذي يخدم أعدادا كبيرة من الناس موزعة في معظم أقطار العالم لا سيما تلك النامية منها.
لمحة عامة عن الرعي
ومن المعروف، أن نسبة كبيرة من سطح اليابسة مصنفة على أنها أراضٍ عشبية ومراعٍ، وأن هذه المناطق الحيوية تهيمن على الغطاء النباتي في بلدان الأراضي الجافة والبلدان المتضررة بالتصحر، وأن عددا كبيرا من الرعاة في العالم يسكنون المراعي والأراضي العشبية، كما أن الرعي يمارس عالميا بأشكال مختلفة، ويعتبر من الممارسات التاريخية المرتبطة بكثير من الثقافات والهويات والمعارف التقليدية، فضلا عن أسلوب حياة الشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية في كافة أنحاء العالم، وغالبا ما ساهم الرعي في تعزيز والحفاظ على التنوع البيولوجي والأمن الغذائي والإدارة المستدامة للمراعي.
كما أن الرعي كنظام ديناميكي بوجهه التغييري والتحويلي، يعتمد على معارف السكان الأصليين والمحليين والتجارب التاريخية للتعايش مع الطبيعة.
مشاكل الرعي
يواجه الرعي العديد من التحديات حول العالم، ومنها انعدام الأمن في حيازة الأراضي، عدم كفاية الاستثمارات في قطاع المراعي والمناطق العشبية، التطوير غير المنصف لهذا القطاع، عدم كفاية مستويات محو الأمية، نقص التكنولوجيات الملائمة والبنى التحتية للوصول إلى الأسواق، التغييرات غير المستدامة في استخدام الأراضي والموارد الطبيعية، الوصول المحدود للخدمات الاجتماعية وخدمات الإرشاد، أمن الرعاة ومجتمعاتهم من خلال الطرق التي يتبعونها ويجتازونها وزيادة التعرض لتغير المناخ.
ومع الإعتراف بأن النظم الايكولوجية للمروج والمراعي وصحتها وحيويتها، تساهم بشكل رئيسي في النمو الاقتصادي، ومرونة سبل العيش والتنمية المستدامة للرعي، لذا فإن تنظيم تدفق المياه، والمحافظة على استقرار التربة والتنوع البيولوجي، ودعم تنحية sequestration الكربون، السياحة، وغيرها من النظم الإيكولوجية للسلع والخدمات، فضلا عن أنماط الحياة المتميزة والثقافات، يمكن أن تلعب دورا هاما في تحقيق جدول أعمال العام 2030.
الجفاف وانجراف التربة
يشكل الجفاف عنصرا أساسيا في العديد من الخسائر في الأرواح البشرية، انعدام الأمن الغذائي، تدهور الموارد الطبيعية، العواقب السلبية على الحياة النباتية والحيوانية والفقر والاضطرابات الاجتماعية، وثمة خسائر مباشرة اقتصادية على المدى القصير وعلى المدى الطويل في عدد من القطاعات الاقتصادية، بما في ذلك، الزراعة، الثروة الحيوانية، مصائد الأسماك، إمدادات المياه، الصناعة، إنتاج الطاقة والسياحة.
وبالمقابل، فإن انجراف التربة يعتبر من التحديات الكبرى، وتعد فوائد اتخاذ إجراءات ضد تدهور الأراضي من خلال تنفيذ أنشطة الإدارة المستدامة للأراضي، أعلى بكثير من تكاليف منع تدهور الأراضي، كما تساعد الإجراءات في مكافحة تدهور الأراضي وتعزيز استعادة الأرض في معالجة النزوح القسري والتشرد وعدم الاستقرار العالمي، وبالتالي، تتكامل مع تدابير الحد من الفقر من أجل تحقيق أجندة العام 2030 للتنمية المستدامة، بما في ذلك الأهداف الإنمائية المستدامة the Sustainable Development Goals SDGs، مع التركيز على تعزيز الأمن الغذائي والتغذية للبشر.
كما من المهم الإعتراف بأهمية الرعي المستدام للعديد من البرامج الفرعية ولمجالات التركيز في برنامج الأمم المتحدة للبيئة، وأهمية التعاون بين العديد من وكالات الأمم المتحدة، ولا سيما منظمة الأغذية والزراعة والشركاء الحكوميين الدوليين والمجتمع المدني.
سياسات لحماية الرعاة
تخلل الإجتماع الجانبي المنعقد على جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة للبيئة (UNEA-2) العديد من المناقشات، وأبرزت مناقشات رفيعة المستوى بين الجهات الفاعلة الرئيسية في قطاع الثروة الحيوانية، قدرة الرعي على تعزيز نظم إيكولوجية صحية في مواجهة تغير المناخ، وتبين أن المراعي هي مكامن محتملة للغازات المسببة للاحتباس الحراري.
وذكّر نائب المدير التنفيذي للأمين العام deputy executive director في الأمم المتحدة للبيئة، ومساعد السكرتير العام للأمم المتحدة، إبراهيم ثياو Ibrahim Thiaw، المشاركين أنه قبل عشر سنوات، تم بالفعل دحض الخرافات والمفاهيم الخاطئة المتعلقة بالرعي، ولا سيما تصويره على أنه “عملية بدائية، غير منتجة ومدمرة للبيئة“.
وأكد رئيس UNEA ووزير البيئة والتنمية الخضراء في منغوليا، أونيا سانجاسورين Oyuna Sanjasuren، أن الرعي يلعب دورا رئيسيا في حماية النظم الإيكولوجية، ولكن يجب أن يدار بشكل جيد ليكون مستداما، وقال وزير إثيوبيا للبيئة والغابات وتغير المناخ، شيفيرو تيكليماريام Shiferaw Teklemariam أنه لتحقيق جدول الأمم المتحدة للعام 2030 وأفريقيا للعام 2063، يجب أن تعالج القضايا الخاصة بالرعي كصوت واحد، وتشمل هذه القضايا سياسات لحماية الرعاة، وزيادة الاستثمار في الأراضي الجافة، وتحسين وصول الرعاة إلى الأسواق وتأمين الحوافز لرعاية البيئة الرعوية، كما نوقشت مجالات أخرى هامة، أهمها أبحاث المعهد العالمي للثروة الحيوانية The International Livestock Research Institute ILRI، حول البيئات الجافة الرعوية والزراعية والعشبية، والتحقيق في قضايا مثل النهج المؤسساتية والحكومية لتعزيز نظم تخطيط استخدام الأراضي وحيازة الأراضي التشاركية، بالإضافة إلى ذلك، العمل على تعزيز الاستخدام المستدام للمراعي وتحسين سبل العيش القائمة على الثروة الحيوانية.
توصيات الجمعية العامة للأمم المتحدة للبيئة
ودعت الجمعية العامة للأمم المتحدة للبيئة 2 (UNEA-2) في نيروبي، برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى اتخاذ الخطوات التالية:
1- المساهمة في تعزيز الشراكات العالمية التي تعزز رؤية مشتركة ومرونة قاطني المساحات الطبيعية الموجودة، وتعزيز التنسيق في مكافحة التصحر وتدهور الأراضي.
2- تشجيع الدول الأعضاء على بذل المزيد من الجهود للاستثمار في البرامج التي تعالج مشاكل التصحر وإزالة الغابات والجفاف، فقدان التنوع البيولوجي وتدهور المراعي، غزو الأنواع الغريبة، وندرة المياه، من أجل الحفاظ على وتحسين الإنتاجية والإدارة المستدامة للأراضي، من خلال السياسات والاستراتيجيات والبرامج الوطنية الموضوعة بالتشاور أو بالتعاون مع أصحاب المصلحة الرئيسيين، حسب الاقتضاء.
3- الطلب من المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، تقديم الدعم لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، لتسهيل تبادل أفضل الممارسات من أجل وضع وتنفيذ أطر استراتيجية الإنذار المبكر ونظم تعزيز إدارة مخاطر الكوارث، والإدارة المستدامة للأراضي، واستعادة الأرض والقدرة على التكيف مع الجفاف.
4- تشجيع الدول الأعضاء على الاستثمار في إدارة مخاطر الكوارث والإنذار المبكر لأنظمة وبرامج شبكات الأمان، حسب الاقتضاء، من أجل مساعدة المجتمعات المحلية على مواجهة الجفاف والفيضانات والأمراض.
5- تشجيع الدول الأعضاء على أن تتضمن السياسات الوطنية، الاستراتيجيات والخطط، حسب الاقتضاء ووفقا للتشريعات الوطنية، والإشارة إلى صلة أهداف التنمية المستدامة the Sustainable Development Goals SDGs، بما في ذلك تحسين الأمن المعيشي والخدمات الاجتماعية، والموارد الطبيعية للرعاة والشعوب الأصلية.
6- دعوة برنامج الأمم المتحدة للبيئة للتعاون مع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر وغيرها من الشركاء والمؤسسات المعنية، لتعبئة الموارد لمساعدة الدول الأعضاء المتأثرة بالتصحر، بناء على طلبها، وذلك بهدف تطوير وتنفيذ ومراجعة برامج العمل الوطنية.
7- دعوة الدول الأعضاء إلى اتخاذ إجراءات نحو تحقيق الأهداف المستدامة الإنمائية SDGs، وبلوغ الأهداف الطوعية بشأن حياد تدهور الأراضي، وفقا للظروف الوطنية المحددة وأولويات التنمية، وذلك تماشيا مع القرار 3 / COP.12 المعتمد في الاجتماع الثاني عشر لمؤتمر الأطراف في الأمم المتحدة لاتفاقية مكافحة التصحر، وتشجيع برنامج الأمم المتحدة للبيئة، بالتعاون مع وكالات الأمم المتحدة الأخرى، لتوفير الدعم المطلوب التقني للبلدان في هذا الصدد.
8- حث الدول الأعضاء على النهوض بقطاع الماشية، بما في ذلك ممارسات الإدارة المستدامة للأراضي، وتحسين النظم الإيكولوجية التي جرت استعادتها، وتسهيل الوصول إلى الأسواق، التربية والصحة الحيوانية وتعزيزها، الخدمات الإرشادية، وذلك لتحسين الإنتاجية والمساهمة في الحد من غازات الاحتباس الحراري، وخفض الانبعاثات والحفاظ على وتحسين التنوع البيولوجي.
9- الطلب من برنامج الأمم المتحدة للبيئة، في إطار صلاحياته والتي تخضع للموارد المتاحة، بمشاركة الدول الأعضاء ووكالات وبرامج الأمم المتحدة وغيرها من الجهات المعنية، بما في ذلك منظمات المجتمع المدني، لاستكشاف ما إذا كانت ثمة ثغرات في المستوى الحالي من الدعم التقني والبيئي والاجتماعي والاقتصادي في تقييم المراعي والمناطق العشبية، وانجراف التربة وتدهور الأراضي، وأمن حيازة الأراضي والمياه، والأمن في الأراضي الجافة، بما في ذلك عمليات التقييم الجارية من منطلق حكومي ودولي للتنوع البيولوجي وخدمات النظام الإيكولوجي، وتحويل المراعي إلى استخدامات أخرى، من أجل فهم أفضل للآثار المترتبة على سبل العيش المستدامة، مع الأخذ بعين الاعتبار معارف الأشخاص المحليين والتكنولوجيات الأصلية.
10- تشجيع الهيئات الحكومية الدولية القارية والإقليمية لدعم برامج التنمية المشتركة عبر الحدود للرعاة والمجتمعات الأخرى المجاورة، من أجل زيادة مستوى الثقة المتبادلة، وكذلك لتخفيف النزاعات.
11- الطلب من برنامج الأمم المتحدة للبيئة، في شراكة مع الحكومات، والمؤسسات العلمية، ووكالات الأمم المتحدة، والمجتمع المدني، والرعاة، والمجتمعات المحلية وغيرها من الجهات المعنية، المساهمة في تعزيز الترابط بين العلوم والسياسات في مجال حماية المراعي والرعي المستدام.
12- دعوة المجتمع الدولي والجهات المعنية الأخرى، لمواصلة دعم تنفيذ المبادرات الوطنية والإقليمية والعالمية لمكافحة التصحر، وتدهور الأراضي، وتعزيز الرعي المستدام، مثل السور الأخضر العظيم للصحراء the Great Green Wall for the Sahara الذي تناولناه في مقال سابق في موقعنا greenarea.info، ومبادرة الساحل the Sahel Initiative في أفريقيا، وإعلان نيويورك المعني بالغاباتthe New York Declaration on Forests وتحدي بون the Bonn Challenge.
13- دعوة برنامج الأمم المتحدة للبيئة للمساهمة في رفع الوعي العالمي بما يختص بالرعي والمراعي المستدامة، بالتعاون مع وكالات واتفاقيات الأمم المتحدة الأخرى والشركاء المعنيين.
14- الطلب من برنامج الأمم المتحدة للبيئة، النظر في استضافة وحدة التنسيق الإقليمي لأفريقيا Coordination Unit for Africa the Regional، من أجل تعزيز تنفيذ استراتيجية الأمم المتحدة، واتفاقية مكافحة التصحر في القارة الأفريقية، وذلك رهنا بتوافر التمويل من الاتفاقية.
15- الطلب من المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، رفع تقرير إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة للبيئة، عن التقدم المحرز في تنفيذ القرار الحالي.
الرعي ومقررات الأمم المتحدة
وفي هذا السياق، وبعد سلسلة من القرارات منها: A/RES/70/1 بعنوان “تحويل عالمنا: أجندة العام 2030 للتنمية المستدامة“Transforming our world: the 2030 Agenda for Sustainable Development، والقرار A/RES/70/206 لمحاربة التصحر والجفاف، ولا سيما في أفريقيا، والذي يعترف بأن التصحر والجفاف مشكلتان لهما بعدا عالميا، وأن هناك حاجة للعمل المشترك من قبل المجتمع الدولي لمكافحة أو التخفيف من آثار التصحر والجفاف، فضلا عن تبني القرار 3/COP.12 في مؤتمر الأطراف في اتفاقية باريس للمناخ لجهة مكافحة التصحر في أواخر العام الماضي، كما أن جدول الأعمال 2063 بعنوان “أفريقيا التي نريد، إطار استراتيجي مشترك للشمولية والتنمية المستدامة في أفريقيا، وإطار سياسة الاتحاد الأفريقي للرعي في أفريقيا: تأمين وحماية وتحسين حياة وسبل المعيشة وحقوق مجتمعات الرعاة“، وبالإشارة إلى نتائج الدورة الاستثنائية السادسة للمؤتمر الوزاري الأفريقي المعني بالبيئة الذي انعقد في نيسان (أبريل) 2016 في القاهرة، بما في ذلك العمل لمكافحة التصحر والجفاف والفيضانات واستعادة الأراضي المتدهورة لتحقيق الحياد neutrality في تدهور الأراضي (بالقرار رقم 4 / SS6)، ليأتي اعتماد قرار جديد مؤخرا في الدورة الثانية للجمعية العامة للأمم المتحدة للبيئة (UNEA-2) الذي انعقد في الفترة بين 23 و27 أيار (مايو) 2016 لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، في نيروبي، كينيا، المتعلق بمكافحة التصحر وتدهور الأراضي والجفاف وتعزيز الرعي والمراعي المستدام.
وقام ائتلاف من المنظمات الدولية العاملة في مجال الثروة الحيوانية والبيئة، بالإضافة إلى العديد من الحكومات الأفريقية، تقودها إثيوبيا وناميبيا والسودان بوضع القرار في الواجهة، لاعتماده من قبل UNEA 2، وبذلك تمكنت من دفع الرعي المستدام إلى مستوى اعلى على جدول أعمال التنمية الدولية، وكان إصدار هذا القرار أحدث مثال على الأهمية التي يضعها الناس على أهداف التنمية المستدامة SDG، خصوصا الهدف 15 ونصه المتعلق بـ “استدامة إدارة الغابات ومكافحة التصحر ووقف وعكس تدهور الأراضي، وقف فقدان التنوع البيولوجي، والحاجة إلى الوكالات البيئية متعددة الأطراف للتعاون“.