عندما تصل الأمور الى حائط مسدود، أو عندما تدخل الى مرحلة اليأس والإحباط، أو عندما تجد الظروف غير مهيأة للتغير، من الأفضل العودة الى الوراء. ليست العودة تراجعا أو خيبة كلها. في العودة عبرة واعتبار. في العودة مراجعة لدروس كنا اعتقدنا اننا بتنا نعرفها.
دوافع هذا الاستنتاج وهذه الدعوة للعودة الى الوراء، ما نسمعه مؤخرا من هنا وهناك عن تأسيس جمعيات بيئية جديدة، لا سيما من أجل معالجة قضية النفايات تحديدا، أو عندما تبنّى كُثُر مقولة ان الحل لا يكون إلا لامركزيا، وان البلديات يمكن أن تحل مشاكلها لا سيما لناحية إدارة النفايات داخل نطاقها البلدي …الخ.
من عاش فترة بداية النضال البيئي في لبنان بعد نهاية الحرب الاهلية، يعرف ان كل هذه الآراء تم تداولها واختبارها، وكان مضافا اليها ضرورة إجراء انتخابات بلدية لكي تتسلم هذه الأخيرة مهامها الأساسية وبينها هذه القضية. كما أطلقت حملات للمطالبة بإدارة النفايات المنزلية الصلبة التي كانت لا تزال تتكدس في مكب مركزي في برج حمود بعد اغلاق مكب النورمندي، وفي مكبات عشوائية في مختلف المناطق اللبنانية، بالإضافة إلى محرقة العمروسية.
أولى النضالات الأهلية أو المدنية من أجل إدارة متكاملة للنفايات على المستوى الوطني، بدأت من مكان ما، ومع أسماء لم تعد متداولة في ظل الضجيج الإعلامي البيئي اليوم. القصة بدأت مطلع التسعينيات من القرن الماضي، مع نشاط سنوي حمل اسم “اليوم الوطني للنظافة”، الذي أطلقته مجموعة “الأنشطة البيئية” من الجامعة اللبنانية – الأميركية في بيروت. وكان هذا اليوم مخصصا للتذكير بضرورة إيجاد خطة وطنية شاملة تقوم على مبادئ التخفيف والفرز من المصدر. العام 1995 اندمجت “الأنشطة البيئية” مع “الهيئة اللبنانية للبيئة والانماء” التي كانت قد تأسست العام 1992، ليحمل هذا الاندماج اسم “المنبر الأخضر”. وقد تم دمج النشاطات والمواضيع والنضالات الكثيرة التي ركز عليها الطرفان. وبعد استمرارهما بإحياء هذا اليوم لفترة ثلاث سنوات اضافية، خلصا في العام 1998 الى نتيجة مفادها، ان موضوع النفايات لا يمكن ان ينفصل عن باقي المواضيع البيئية والوطنية الملحة، ولذلك تقدم “المنبر الأخضر” الى وزير البيئة أكرم شهيب آنذاك باقتراح تحويل “اليوم الوطني للنظافة” الذي كان ينظم في 16 تشرين الثاني (نوفمبر) من كل عام الى “اليوم الوطني للبيئة”، وهكذا كان، اذا رفع شهيب كتابا الى مجلس الوزراء بهذا الخصوص ونال موافقته في جلسة 14/10/1998.
كانت العبرة الأساسية التي تم استخلاصها تلك الفترة، ان المواضيع البيئية في لبنان (والعالم) مرتبطة ببعضها بشبكة من العلاقات المعقدة، كما ترتبط كل عناصر البيئة بما يسمى “شبكة الحياة”، وانه لا بد من ان يكون هناك تنظيم أكثر شمولا من الناحيتين الفكرية والتنظيمية، يطرح كل المواضيع المتعلقة بـ”الشأن العام”، وان تكون هناك استراتيجيات وسياسات وبرامج (بدل “الأنشطة”) تشمل كل القطاعات المترابطة أيضا، على ان تترجم باقتراحات قوانين ومراسيم تنظيمية …الخ، وانه ليس هناك من اطار سياسي تم اختراعه افضل من الحزب للقيام بهذه المهمة. عند هذا الحد وصل التطور الفكري لما كان يسمى “الحركة البيئية في لبنان” آنذاك.
باختصار شديد، لم تشكل هذه الفكرة – الخلاصة اجماعا عند أكثرية “الناشطين” آنذاك، وقد أحبط البعض من خطة طوارئ العام 1997 وعادوا الى حياتهم الخاصة، في حين راهن البعض الآخر على الانتقال الى مواضيع أخرى، بينما أصر البعض الآخر على تجربة انشاء حزب للبيئة الذي أثقل نفسه بالكثير من الحمولات الفكرية والأخلاقية والمبدئية… حتى استحال قيامه، في ظل ظروف قاسية وحالة امنية واقتصادية حساسة فرضت أولوياتها وايقاعها. في حين استمرت حالة البيئة عامة بالتدهور.
صحيح ان اختصار كل تلك المراحل في هذه العجالة قد يشوهها، وانه لا بد من العودة اليها بالتفاصيل يوما ما، الا انها قد تكون ضرورية اليوم للاستفادة من العبر الماضية، لا سيما عندما يعود السجال نفسه اليوم بين ضرورة إعادة إحياء حزب البيئة، أو العودة الى نشاطات وحملات متفرقة حول قضايا متفرقة أثبتت التجارب انها كانت خاسرة ومحبطة.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This