بعد اختفائها سنوات عدة، عادت ظاهرة “المد الأحمر” Red Tide لتغزو سواحل سلطنة عُمان، ولا سيما في الشهرين الماضيين، وتسبب هذه الظاهرة المعروفة في العديد من دول الخليج، بإزعاج مرتادي البحر وسكان المناطق القريبة من السواحل، بما ينتج عنها من روائح كريهة ينفثها البحر أو نفوق الأسماك وانجرافها الى الشواطىء، ولا يقتصر خطر هذه الظاهرة على الروائح الكريهة أو نفوق الأسماك أو تغير لون البحر فحسب، وإنما يتعدى ذلك إلى التأثير على صحة من يتناولون الأسماك المتأثرة بهذه الظاهرة وقد يؤدي تناولها إلى التسمم البشري.
وأكد النتائج المخبرية في السلطنة أن ظاهرة المد الأحمر طبيعية 100 بالمئة، وليست ناتجة عن تلوث نفطي أو صناعي، وأن إيجابية ومطمئنة ولا تصل إلى مرحلة الخطر، تحصل كل موسم لأسباب بيئية طبيعية، ناتجة عن ازدهار العوالق أو الطحالب النباتية وحيدة الخلية.
أسباب الظاهرة
ويعتبر المد الأحمر من أقدم الظواهر التي عرفها الإنسان، ويرقى تاريخها إلى العصر الجوراسي Jurassic period، أي قبل مليون سنة، عندما مرت الكرة الأرضية بتغييرات جيولوجية أدت إلى ازدهار كبير للهائمات والعوالق النباتية، وكانت بداية ظهورها في اليابان كان قبل ثلاثمئة سنة قبل الميلاد، كما ظهرت في سواحل ولاية فلوريدا بالولايات المتحدة الأميركية عام 1878، ثم ظهرت في الهند في عام 1935، في حين أن ظهورها في الدول المطلة على الخليج العربي وخليج عمان كان في السبعينيات من القرن الماضي.
… ونتائجها
يتسبب “المد الأحمر” بعدد من المشاكل، ومنها تكاثر الطحالب الكثيف أثناء ازدهار المد، ما يؤدي إلى انسداد فتحات خياشيم الأسماك ويتسبب باختناقها ومن ثم نفوقها، كما يؤدي المد الأحمر إلى نفوق الأسماك بصورة غير مباشرة نتيجة تسببه في نضوب الأوكسجين المذاب في الماء، وقلة الأكسجين تؤدي إلى موت الكائنات البحرية، ويعتبر نضوب الأوكسجين بسبب ازدهار المد الأحمر السبب الرئيسي لموت الأسماك. كما أن تحلل العوالق المسببة للمد الأحمر يفسد المياه، ويؤدي إلى تكاثر الجراثيم ويسبب الأمراض للكائنات البحرية.
ونتيجة لتكاثر بعض أنواع العوالق السامة المسببة للمد الأحمر والتي تتغذى عليها بعض المحاريات حيث أنها تقوم بتخزين السم في أنسجتها وتكون سامة للإنسان عند تناوله لتلك المحاريات.
وتؤثر هذه السموم على الجهاز العصبي للإنسان، أو تتسبب في حدوث اضطرابات معوية، ويعتبر سم المحاريات التي تتغذى على العوالق السامة من أقوى السموم التي عرفها البشر وليس هناك من ترياق لهذا السم.
في سلطنة عُمان
وبعد تسجيل هذه الظاهرة في سلطنة عُمان مؤخرا، يقوم الخبراء والباحثون بمركز العلوم البحرية والسمكية في “المديرية العامة للبحوث السمكية” في وزارة الزراعة والثروة السمكية برصد ومراقبة وتتبع ظاهرة المد الأحمر التي بدأت بالظهور في سواحل السلطنة، ولوحظ انتشار صبغة خضراء في مياه البحر، وبشكل خاص في سواحل محافظات مسقط وشمال وجنوب الباطنة ومسندم وجنوب الشرقية خلال الفترة الحالية. وقامت فرق العمل بجمع العينات بشكل دوري وتحليلها مخبريا، لتحديد النوع المسبب لها، كما يتم التنسيق مع “المنظمة الإقليمية لحماية البيئة البحرية” لالتقاط صور بالأقمار الصناعية لبيان تمركز ومدى اتساع الرقعة الجغرافية لظاهرة المد الأحمر.
وقد تبين من نتائج التحليل في مختبرات قسم البيئة البحرية وعلوم المحيطات بمركز العلوم البحرية والسمكية أن النوع المسبب للظاهرة هو ما يعرف علميا بـ “نوكتيلوكا سنتيلانس” Noctiluca scintillans، وينتمي للعوالق النباتية غير الضارة عموما، ولكن عند تكاثره بكميات كبيرة يقوم باستهلاك الأوكسجين الذائب، ما يتسبب بنفوق الكائنات البحرية اختناقا نتيجة النقص الحاد في مستوى الأوكسجين الذائب.
التغيرات المفاجئة في درجة حرارة المياه
وعند موت هذه العوالق النباتية قد يصدر عنها روائح كريهة نتيجة لتحللها، وأوضح “مركز العلوم البحرية والسمكية” العُماني أن عملية حدوث ازدهار العوالق النباتية والنشاط البيولوجي كانت نتيجة للتغيرات المناخية والظواهر المصاحبة له، مثل: تغير في درجات الحرارة للمياه البحرية، وحركة التيارات البحرية، فضلا عن نشاط الرياح الموسمية، خصوصاً في هذا الوقت من السنة، إضافة إلى أن هذه الفترة تعتبر مرحلة انتقالية ما بين فصلي الشتاء والصيف والتي تصاحبها تغيرات في خواص المياه مثل: التغيرات المفاجئة لدرجات الحرارة وحركة التيارات البحرية واندفاع المغذيات الأساسية القاعية إلى طبقات المياه السطحية.
ونوه “مركز العلوم البحرية والسمكية” الصيادين ومرتادي البحر في عُمان إلى عدم الصيد في مناطق ازدهار العوالق النباتية أو أماكن وجود المد الأحمر، وعدم جمع وتناول الأسماك النافقة في حال حدوث نفوق من جراء المد الأحمر، إضافة إلى عدم السباحة في هذه الأماكن خصوصاً للأشخاص الذين يعانون الحساسية، وكذلك عدم جمع الصدفيات (المحار) خلال فترة حدوث الظاهرة.