“إغلاق شاطئ الرملة البيضاء”… هذه كانت العبارة الأكثر مشاركة عبر مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان اليوم. أما السبب، فيعود إلى إزالة الدرج المؤدي إلى الشاطئ، تمهيداً لبيع عقارات الرملة البيضاء لأحد المستثمرين.
وفي هذا السياق، تواصل موقع greenarea.info مع “جمعية نحن” التي تابعت ولا تزال موضوع الرملة البيضاء عن كثب. فما الخطوات التصعيدية في حال لم تعد الاملاك العامة لكل الناس؟ وماذا تقول المصادر المطّلعة عن دلالات عمليات الجرف الأخيرة ونتائجها المستقبلية؟
دون سابق إنذار… “أخلوا المكان”
توجّهت كاميرا موقعنا إلى الرملة البيضاء، ورصدت أعمال تدمير الدرج، وفي مقابلة مع واحد من بين 12 “منقذ” على الشاطئ، قال لنا: “من دون سابق إنذار، طلبوا منا ان نخلي الكوخ، وأعطونا مهلة يومين، لكننا لم نستطع ان نقوم بأي شيء في هذين اليومين”، مضيفا ان “الكوخ تكسّر، خصوصا بعدما أحضروا الجرافات وكسروا الدرج”. وقال لنا الشاب العشريني بحزن: “يريدون حرمان الفقير من الشاطئ”.
أما زميله، فقال: “جرفوا كل شيء، وقطعوا مصدر رزقنا”، مضيفا: “كل ما نطلبه هو الاّ يغلق الدرج، لأنه لا يوجد غير شاطئ الرملة البيضاء في بيروت كي ينعم كل الناس ببعض الراحة والتسلية”. فيما قال آخر: “ننقذ كل الناس هنا، فهذا الشاطئ لجميع الناس”، مضيفاً انه “يمكن للناس أن ينزلوا إلى الشاطئ بطرق أخرى، حتى وإن أخلينا المكان، من سينقذ من قد يتعرضون للغرق في البحر؟ ومن يتحمّل مسؤوليتهم؟”.
سند ملكية خاص على ملكية عامة
المشكلة الحقيقية في إزالة الدرج، انها تأتي تمهيدا لاستثمار الأملاك العامة، وجعلها أملاكاً خاصة، بحسب ما يقول المدير التنفيذي في “جمعية نحن” محمد أيوب. والحقيقة انّ المشكلة تكمن في سند ملكية خاصة على أملاك عمومية بحرية بطبيعتها، مما يخالف القرار 144 الصادر عام 1925. والجدير ذكره هنا، هو انّ الهرمية القانونية تفرض أولاً المنفعة العامة، ثم الخاصة، ومن بعدهما يأتي التطوير العقاري.
العقار الذي شهد إزالة الدرج منه اليوم يحمل الرقم 4285، وعليه سند الملكية الخاص، في حال تاريخ السند بعد عام 1925، أي بعد صدور القرار 144، يكون باطلا، وعلى الدولة ان تضع يدها عليه، وتحوّله من ملكية خاصة إلى ملكية عامة.
ويصوغ القرار رقم 144 الصادر عام 1925 حقوق الوصول إلى الموارد الطبيعيّة (مياه، أنهار، برك وغيرها)، ويحدد “الأملاك العموميّة” كما يلي: “تشمل الأملاك العموميّة جميع الأشياء المعدّة بسبب طبيعتها لاستعمال مصلحة عموميّة. وهي لا تباع ولا تكتسب ملكيتها بمرور الزمن”.
يُصنّف القرار البحر كمجال بحري عام غير قابل للانتقال: “لا يمكن بيعه، ولا يمكن اكتسابه بمرور الزمن”. أمّا المادة الثانية منه، فتشير إلى أنّ “الأملاك العموميّة البحرية تشمل شاطئ البحر حتى أبعد مسافة يصل إليها الموج في الشتاء وشطوط الرمل والحصى”.
لم تضع الدولة يدها بعد على الأملاك العامة المذكورة، ومن المنطقي القول ان من يستخدم الجرافات لجرف الدرج من الرملة البيضاء مثلا، يريد استخدام هذه الأراضي لأغراض خاصة. في الخلفية، نرى انه في العام 1966، صدر المرسوم رقم 4810 – نظام إشغال الأملاك العامّة البحريّة – الذي سمح لمالكي العقارات الموازية للبحر باستثمار المجال البحري العام، ما أدى إلى تغيير جذري في طبيعة الساحل اللبناني بأكمله. ويسمح هذا المرسوم لصاحب عقار ملاصق للأملاك العمومية البحرية أن يستخدم ويستغل المساحة العامة من أجل استثمار خاص. لكنه استثنى المنطقة العاشرة من بيروت (من الرّوشة إلى الرّملة البيضاء) للحفاظ على هذه المنطقة باعتبارها واجهة بحريّة مفتوحة أمام العامّة من سكّان مدينة بيروت.
كان هناك تخطيط طريق مكمّل للكورنيش البحري، يمرّ في العقارات رقم 4285، 2233، 4011، و 2231 ثم يتّصل بطريق الجناح، إلا ان الرئيس رفيق الحريري ألغى هذا التخطيط عام 1995، من خلال المرسوم 7505، واشترى العقارات على طول شاطئ الرملة البيضاء، ما عدا أمام الـedenrock. وحينها، كان يخطّط لتشييد مشروع “نارا” (المؤلف من برجين وسنسول كبير في البحر). إلا انه، وبعد ان اعترض أهالي بيروت على سلبهم حقهم بشاطئ مجاني تراجع عن المشروع وتمّ الإتفاق ما بين إحدى جمعيات الحريري ووزارة النقل، وقرّر ان يظلّ الشاطئ ملكاً للعموم، ” وأصبح مسبحاً مجانياً.
بحسب ما تقول مصادر مطلعة، انه لم تكن هناك أية مشاكل على شاطئ الرملة البيضاء، حتى عام 2013، حين قرّر وريث الحريري فهد الحريري ان يتصرّف بحصّته من الميراث.
بحسب ما تقول مصادر مطلعة، انه لم تكن هناك أية مشاكل على شاطئ الرملة البيضاء، حتى عام 2013، حين قرّر وريث الحريري فهد الحريري ان يأخذ حصّنه من الميراث.
المشكلة إذا، هي في وجود سند خاص على ملك عام، والمطلوب هو استرداده ليكون ملكاً عاماً، والدولة، التي يفترض بها ان تقوم بهذا الأمر، لم تفعل بعد، إنما جرت محاولات “بائسة” و”معيبة”، خصوصاً (التي في هذه الحال يمكن اعتبارها مماثلة للمالك الخاص). حين أرادت بلدية بيروت السابقة، ان تشتري 3 عقارات بـ 20 مرّة ضعف سعرها (120 مليون دولار)، علماً ان الملك العام يسترد من قبل الدولة، وليس من قبل البلدية.
أما السند الخاص على العقار في الرملة البيضاء، فهو باسم شركات يملكها ورثة الحريري. ولا بدّ من الاشارة إلى انه “جرى تزوير الخرائط في الدوائر الرسمية، علماً ان الحدود كانت قد زُوّرت في الخمسينسات والستينسات من القرن الماضي”، تقول المصادر المطّلعة.
من المسؤول… و”نحن” تصعّد؟
الجهات المعنية التي يفترض بها وضع حدّ لكلّ ما يحصل هي وزارة الاشغال العامة والنقل ووزارة البيئة، وبما ان القانون ينص انه ممنوع البناء في الملكية العامة، فلماذا لا يطبّق القانون؟ ولماذا لا تقوم وزارة البيئة بمهامها، خصوصاً وانه يفترض ان تؤخد الرخص منها؟
في مقابلة هاتفية مع greenarea.info، قال المدير التنفيذي في “جميعة نحن” محمد أيوب رداً على سؤالنا عن الخطوات التي ستتخذها الجمعية بعد ما حصل اليوم على الرملة البيضاء، ان “الجمعية تطلب من بلدية بيروت ان تأخذ موقفاً ضد ما يحصل، وان تقود عملية الإصلاح، الذي هو أصلاً واجبها”.
وأضاف: “نطلب من وزارة الأشغال والنقل تشكيل لجنة لتحديد الأملاك في الرملة البيضاء، مؤلفة من محافظ بيروت، خبراء، البلدية، والمجتمع المدني”. والجدير ذكره هنا ان هذه اللجنة ستكون فعالة عند استنادها إلى النصوص القانونية الموجودة، وخصوصاً المرسوم 4811، معطوفاً على القرار 144/1925، الذي يحدّد الأملاك العامة البحرية.
نسأل أيوب عن مدى أمله بأن يتحقّق ما تطلبه الجمعية، فيجيب: “لا أمل لدي بالسلطة الموجودة، إنما أملي بالضغط الشعبي”، مضيفا ان “السلطة لا خيار لها إلا ان تصغي للناس في نهاية الأمر”.
وأضاف “المعلومات الأخيرة التي تلقّيناها تشير إلى انه يتم التحضير من أجل بيع العقار، وقد أغلق المنفذ الأول، وستغلق المنافذ الأخرى المتبقية للوصول إلى الشاطئ”.
وتلتقي “جمعية نحن” مع محافظ بيروت غدا، وستصدر بياناً يشرح تفاصيل “بيع الملك العام”.
أما رئيس بلدية بيروت جمال عيتاني، الذي كان متواجداً في الوقت الذي كانت تتم فيه أعمال الجرف، فرفض إعطاء أي تصريح للموقع، وقال للاشخاص الخائفين على “شاطئهم”: “سيظل شاطئ الرملة البيضاء لأهالي بيروت”.
في انتظار ما سيحصل في الأيام والأسابيع القادمة، نتمنى ان تطبّق القوانين التي تحفظ حق المواطن بالمساحات العامة، وخصوصاً تلك البحرية “المسلوبة” في بلدنا.