أعجبني سؤال مطروح في أحد المجلات العلمية الاجنبية: ماذا لو اختفت الصراصير من حياتنا؟ وهذا خبر سار لسيدات البيوت المهتمات بنظافة بيوتهن، وقد يشكل ضربة قاصمة لسوق المبيدات، لكن المسألة أعقد من ذلك، ومتعلقة بالتوازن الطبيعي للكوكب بأسره. علماً ان فكرة المبيدات هي فكرة “إنسانية” أصلية، اذ ليس معلوماً من بين كل الكائنات التي جرت دراستها، اي كائن معروف ومدروس، غير الإنسان، من يفكر بتطبيق مبدأ الإبادة !
يوجد على سطح الارض بين خمسة وعشرة آلاف نوع من الصراصير، وهي تعد مصدرا مهما لغذاء عدد من الفئران والجرذان والطيور والثدييات الاخرى، واختفاء الصراصير لن يقضي على كامل الفئران لكنه سيحد منها بشكل كبير. والانخفاض في تعداد الفئران سيؤثر بدوره على الأنواع التي تتغذى عليها مثل القطط والثعالب والذئاب، وكذلك النسور وغيرها من الطيور الجارحة، والأهم من ذلك، فإن اختفاء الصراصير سيخلخل نظاماً يعنينا جميعاً يعرف بدورة الآزوت، إذ أن معظم الصراصير تتغذى على المواد العضوية المتحللة والمحتوية على كمية من النيتروجين، وتعيد الصراصير إخراج هذا النتروجين مع فضلاتها إلى التربة فتتغذى عليه النباتات، وهكذا فإن انقراض الصراصير سيكون له أثر عميق على صحة الغابات، وبالتالي على جميع الأنواع التي تعيش فيها.
تعتمد استمرارية الحياة على تبادلات المادة والطاقة في النظام البيئي، وهذه التبادلات تؤثر على وفرة الأنواع، ومعدلات النمو، ودرجة تعقد المجتمعات. تسير الطاقة والمادة جنبا إلى جنب في المجتمع مع فارق وحيد هو أن مسار الطاقة وحيد الاتجاه، أي تفقد الطاقة مع الاستعمال أما المادة فيعاد استعمالها من جديد. إن مصدر الطاقة لجميع الأنظمة البيئية هي الشمس ذات الطاقة الحرارية التي تسخن الأرض والجو وتسير التيارات الهوائية والبحرية. أما الطاقة الضوئية الكيميائية فهي تستغل من قبل النباتات في عملية التمثيل الضوئي Photosynthesis، حيث تثبت هذه الطاقة في مركبات عضوية (كربوهيدرات) لتصبح فيما بعد مصدر طاقة للكائنات الحية الأخرى. وتشمل تحولات الطاقة في الأنظمة البيئية عدة عمليات كالتمثيل الضوئي والتنفس وتحولات الطاقة عبر الحيوانات العاشبة واللاحمة وعمليات التحلل المختلفة.
السلاسل الغذائية: تنتقل الطاقة من كائن لآخر عبر مسارات تعرف بالسلاسل الغذائية وهي ليست إلا عبارة عن عدد من المستويات الغذائية، ولنعطي مثلاً آخر غير الصراصير، عندما يتغذى الجراد على الأعشاب ويتغذى جرو البراري shrew على الجراد وجرو البراري بدوره يصبح غذاء للصقر يتكون لدينا سلسلة غذائية مؤلفة من أربعة مستويات
(1) (2) ( 3 ) (4)
نبات أخضر —- جراد —- جرو البراري —- صقر
يجب ألا يفهم من السلسلة السابقة أن كل كائن يعتمد بشكل كلي في تغذيته على ما قبله، بل أنه هناك مشاركة في توزيع المصادر، فمثلا تتغذى الطيور والثديات والأسماك على الأعشاب، كذلك فإن بعض الحيوانات تفترس من قبل أنواع مفترسة، وبذلك يمكن القول أن لدينا تشابكا في أجزاء السلاسل المختلفة، ليتشكل ما يسمى بالشبكة الغذائية Food web، حيث تكون أجزاء هذه الشبكة مترابطة بعضها مع بعض بدرجات من التعقيد تختلف ضمن وبين الأنظمة البيئية.
وبشكل عام عندما يستهلك الطعام تتحرر الطاقة الموجودة فيه لتستعمل في عمليات الصيانة والبناء والإنتاج، أو تفقد على شكل حرارة أو على شكل فضلات. يسمى القسم المتبقي بعد عمليات الصيانة والتنفس بالطاقة الصافية أو الإنتاج الثانوي، ويكون هذا الإنتاج أعظميا عندما يكون معدل الولادة ومعدل النمو أعظميين في الجماعة، يقدر الإنتاج الثانوي بنسبة التمثيل وهي ليست إلا تعبيرا عن كفاءة الحصول على الطاقة من الغذاء.