بمناسبة “اليوم العالمي للتصحر والجفاف” الذي أقرته الأمم المتحدة في 17 حزيران (يونيو)، وتحوله منصة عالمية لطرح هذه الإشكالية الخطيرة وسبل مواجهتها منذ العام 1995، وبعد أن بات مشكلة حقيقية تهدد لبنان بصورة غير مسبوقة، وغيره من بلاد العالم ، رأينا أنه لا بد من الوقوف عند مبادرة قدمت في إحدى حلقات برنامج Tedx Talks، تلقينا كموقع من خلال صديقة عبر وسائل التواصل الإجتماعي، رابطا حول طريقة لمكافحة التصحر.
ولا بد بدايةً من التعريف بهذا البرنامج، كونه بدأ يأخذ حيزا كبيرا من الإهتمام، لا سيما على صفحات التواصل الإجتماعي، كونه يهدف للتوعية في كافة المجتمعات، يتحدث فيه أشخاص مختصون، أو إعلاميون، أو أصحاب تجربة ليتمكن المستمع الموجود في الصالة، أو عبر مشاركة الفيديو الخاص بكل موضوع، من الإستفادة معنويا، نفسيا، اجتماعيا، إقتصاديا وفي مجالات عدة.
وعلى الرغم من أن الفيديو يعود إلى العام 2013، ولكن العالم في مجال البيئة من دولة زيمبابوي ومؤسس “معهد سافوري مركز أفريقيا للإدارة المتكاملة” Africa Center Savory Institute for Holistic Management الباحث آلان سافوري Allan Savory وحصد ما يزيد عن مليون ومئتين وخمسين ألف مشاهدة.

سرطان التصحر

allan-savory-desertification

يبدأ سافوري حديثه قائلا أن “هناك طريقة لوقف التصحر، ولكن علينا أن نعرف أسبابه، وقد يمكن أن نلقي السبب في التصحر على استخدام مصادر الطاقة الأحفورية، إلا أن هناك أسبابا أخرى عديدة تساهم في التصحر”، وأضاف أنه “إذا كانت المنطقة رطبة دائما فلا خوف من التصحر، بالمقابل في المناطق التي تكون رطبة في بعض الوقت ثم يتبعها فصل جاف فهي معرضة للتصحر، وهذه المناطق تقدر بثلثي مساحة اليابسة”.
وقال سافوري: “مهما كانت كمية المياه التي تهطل، فإنها تعود لتتبخر، وتحتاج الأرض للمواد العضوية لتمنع المياه من التبخر، لذا فعندما نؤذي التربة إلى درجة كبيرة، فهي تطلق الكربون، ودائما نقول أن التصحر يحصل في المناطق الجافة وشبه الجافة من الأرض، إلا أنه حتى في المناطق العشبية نجد مناطق مكسوة بالطحالب، وهذه الطحالب تساهم في تبخر المياه وهي سبب “سرطان التصحر”، والذي لا ننتبه إليه الا بعد فوات الأوان، ونعرف أيضا أن التصحر سببه الماشية والرعي الجائر، بالإضافة إلى ذلك، فإن الماشية تطلق غاز الميثان الذي يرتفع إلى أعالي الجو، وتعلمت في حياتي اليومية وخلال دراستي في الجامعة كبيئي أن الرعي هو سبب في التصحر، إلا أننا كنا نعتقد مرة أن الأرض مسطحة، لذا نشأت وتعلمت أن أكره الماشية، وساهمت دراستي في كره الرعي أكثر، وكنا مخطئين في مسألة كون الأرض مسطحة وأصبحنا مخطئين مرة أخرى في موضوع الرعي”.

قتل 40 ألف فيل!

AFP PHOTO / Jekesai Njikizana

AFP PHOTO / Jekesai Njikizana

وأضاف سافوري: “أود دعوتكم جميعا إلى رحلة في التعلم والإكتشاف، من مهماتي كبيئي، وخلال فترة شبابي في افريقيا، تحييد بعض المناطق وجعلها محميات للمحافظة عليها، ومنعنا الماشية والناس من المساس بها، ولكنها تحولت إلى صحراء، وشككنا بأن السبب هو وجود الكثير من الفيلة، وأشرت حينها بضرورة تخفيف العدد للوصول إلى تحقيق الاستدامة، وشكلت الحكومة لجنة من الخبراء الذين وافقوني الرأي، وبالفعل قمنا بقتل 40 ألف فيل! لوقف الأذى إلا أن الوضع ازداد سوءا”.
وأردف: “كوني أحب الفيلة، فإن عبء هذا الخطأ الفادح سأحمله إلى قبري، إلا أن أمرا جيدا واحدا قد نتج عن هذا، فقد جعلني الأمر أكرس حياتي لإيجاد الحلول، وعندما وصلت إلى الولايات المتحدة دهشت أن الوضع سيء كما كان في أفريقيا، وخصوصا في الحدائق العامة، والمحميات الطبيعية ولم يكن هناك ماشية في هذه الأراضي منذ أكثر من 70 سنة، ولم يكن لدى أحد أي تفسير في ما يخص هذه الأراضي عدا انها قاحلة وطبيعية، وقمت بالبحث، فوجدت أن المناطق الخالية من الماشية، هي اكثر تعرضا للتصحر، وكان التفسير الوحيد للتصحر أن الأسباب غير معروفة”.
وأشار سافوري إلى أنه “من الواضح أننا لم نفهم التصحر، وهو ما تسبب باندثار الكثير من الحضارات، وهو يهددنا بشكل عالمي، فلنأخذ مترا مربعا من الأرض، ونعريه من النبات، فنجده في الصباح باردا ومع منتصف النهار يصبح حارا، بشكل أكبر من أرض مغطاة بالنبات وهذا هو ما يمكن تسميته بـ”تغير المناخ الميكرو او الصغير” micro، ومع ارتفاع نسب الأراضي العارية من النبات لتشمل أكثر من نصف الأرض اليابسة، فإننا وصلنا إلى تغير المناخ الأكبر أو ماكرو macro، ولكننا لم نستطع معرفة السبب أن التصحر كان قد ابتدأ منذ 10 آلاف عام، ولماذا أصبح متسارعا في الفترة الأخيرة، وما فشلنا في فهمه أيضا أن المواسم الفصلية للرطوبة في العالم، مع التربة والنبات، تطورت مع أعداد كبيرة من حيوانات الرعي، وأن حيوانات الرعي هذه تطورت مع مجموعة من الحيوانات المفترسة الشرسة، لذا كان من المهم ووسيلتها الوحيدة للدفاع عن أفرادها وحمايتهم هو أن تبقى على شكل قطيع، وكلما كبر القطيع، كان الأفراد أكثر أمانا، وهذه الحيوانات تفرز البول والروث فوق غذائها، وكان من الضروري أن تظل القطعان متحركة، وكانت هذه الحركة تضمن عدم الجور في الرعي، وساهمت عملية الدوس الدوري بقوائم هذه الحيوانات، بتغطية الأرض بالسماد كلما مر القطيع”.

خيار وحيد

OLYMPUS DIGITAL CAMERA

وقال سافوري: “في هذا المجال، لنشاهد مثلا قطعة أرض عشبية بعد 4 أشهر من المطر، سنرى أنها ستمر في 8 أشهر من الجفاف، ولنشاهد التغيرات التي تحدث لها خلال تغير الفصول وخصوصا الموسم الجاف، فكل العشب الموجود يجب أن يتحلل بشكل بيولوجي، وقبل الموسم القادم، وإن لم يحصل ذلك فإن قطعة الأرض هذه ستتحول إلى أرض قاحلة وتبدأ التربة بالموت”، وأضاف “وإن لم تتحول بيولوجيا، فهي تتجه للأكسدة، والأكسدة عملية بطيئة للغاية وهذه العملية تخنق وتقتل الأعشاب، وتحولها إلى غطاء نباتي خشبي، وإلى أرض جرداء تطلق الكربون، ولمنع هذا الامر، فقد اتجهنا بشكل تقليدي لحرق الأراضي العشبية، لكن النار تترك الأرض عارية وتطلق الكربون، والاسوأ من هذا أن حرق هكتار من الأرض (10 آلاف متر) يطلق كميات هائلة من الملوثات الضارة تعادل ما تطلقة 6000 سيارة! ونحن نحرق في أفريقيا كل سنة أكثر من مليار هكتار من الأراضي العشبية، ولا يتحدث أحد حول هذا الموضوع، ونبرر نحن العلماء الحرق بأنه يزيل المادة الميتة، ويسمح للنباتات الجديدة بالنمو، فكيف نحافظ على صحة هذه المناطق، مع الأخذ بعين الإعتبار أنني أتحدث عن معظم أراضي اليابسة الآن”.

وأشار إلى أنه “لا يمكننا أن نقلل من أعداد الحيوانات، دون المخاطرة بتغير المناخ، كما لا يمكننا بالمقابل حرق الأراضي والتخفيف من التصحر وتغير المناخ بذات الوقت، وهناك خيار وحيد باقٍ للعلماء وخصوصا المختصين بعلم المناخ، وهو فعل الأمر “غير المقبول” وهو استعمال الماشية، كمجموعات متحركة، كمقاربة لما كان يحدث من قبل في الطبيعة من مجموعات الماشية وما يتبعها من حيوانات مفترسة، وأن نقلد ببساطة الطبيعة”، وأضاف “لم يعد هناك خيار آخر للجنس البشري، فلنفعل هذا، ولقد جمعنا عددا كبيرا من الماشية في جزء من قطعة الأرض العشبية لتقليد الطبيعة، وانظر ماذا حدث، لقد ملأت بقايا هذه الماشية الأرض، وأصبحت جاهزة لامتصاص المطر والمغذيات، ولتخزن الكربون وتحلل الميثان، وفعلنا هذا دون استعمال النار التي تدمر التربة وبذلك تعود النباتات للنمو”.

نتائج إيجابية

ولفت إلى أنه “عندما أدركت كعالم، أنه من المفيد استعمال الماشية “المشؤومة” سابقا، لاستعادة الأراضي، ومواجهة التصحر وتغير المناخ، فقد واجهتني معضلة كبيرة، كيف سنقوم بذلك؟ ولقد كان لدينا خبرة 10 آلاف عام من الرعاة التاريخيين، والذين خلقوا أكبر صحاري من صنع الإنسان في العالم، ثم أتى 100 عام من علماء “المطر” المعاصرين، الذين سرعوا في عملية التصحر، كما اكتشفنا في أفريقيا، وأكدنا الأمر في الولايات المتحدة، فالواضح أن المطلوب أكثر من جمع وتحريك الماشية، وكما من الواضح أن الإنسان خلال آلاف السنوات لم يستطع التعامل مع تعقيد الطبيعة، وحتى نحن العلماء وخصوصا علماء الأحياء، لم نواجه مشكلة بهذه التعقيد، وبالتالي بدلا من إعادة اختراع الدولاب، بدأت بدراسة مهن أخرى، لنتمكن من معرفة إن كان لدى أحد أي حلول، ووجدت أن بعض الأشخاص قد ابتكروا تقنيات أستطعنا استخدامها وتكييفها لتناسب حاجاتنا البيولوجية، ومنهم ابتكرنا ما يسمى بالإدارة الكلية والرعي المنظم Holistic management and planned grazing، وهذا التخطيط يجمع بين كل التعقيد البيولوجي للطبيعة، فضلا عن مشاكلنا الإجتماعية والإقتصادية والبيئية”.
وأشار سافوري في إحدى الصور إلى ناشطة تشرح للرعاة في أفريقيا طرق مقاربة الطبيعة وتخطيط الرعي بشكل كامل، وأين يتم ابقاء هذه الماشية خلال الليل لحمايتها من الإفتراس، ولتحضير مساحات لزراعة المحاصيل، وبذلك تم الحصول على زيادة في حجم المحاصيل وعائداتها.

Alice Lodge, winner, ABIF Simon Gubbins scholarship

وقال سافوري: “لننظر الآن إلى النتائج، في الصورة أرض قريبة إلى أرض نعالجها في زيمبابوي، والأرض خرجت من موسم المطر الجيد الذي قارب 4 أشهر، ولكن كما نرى فمعظم المياه تبخرت، والنهر جف رغم المطر الكثيف، ولدينا 150 ألف شخص، يعيشون فيها على المساعدات بشكل مستمر، والآن لنعود إلى أرضنا المعالجة المجاورة، وبذات الوقت، فكما ترون، النهر جار، صحي ونظيف، وتتواجد الأعشاب والشجيرات والأشجار والحياة البرية بشكل طبيعي، ولا خوف من سنوات جافة، وفعلنا هذا بزيادة الماشية والماعز بنسبة 400 بالمئة، وتخطيط الرعي”، وتابع: “قمنا بتقليد الطبيعة وتكامل هذا كله مع الفيلة والثيران وغيرها من الحيوانات البرية، بعدما كانت أرضنا قاحلة ومعرضة لعوامل التعرية لأكثر من 30 عاما، وبغض النظر عن كمية الأمطار الهاطلة، فكما تشاهدون في الصورة، انظروا إلى التغيير عندما أدخلنا الماشية بطريقة منظمة”.

العمل مع الطبيعة

allan-savory-loss 30 cm of soil

وأشار إلى صورة ثانية في حديثه، وقال: “انظروا أيضا إلى موقع آخر، وكما ترون قرب جذور الأشجار، كنا قد فقدنا ما يقارب من 30 سنتنمترا من التربة، ولاحظوا الفرق عندما استخدمنا الماشية لنقلد الطبيعة،

allan-savory-loss 30 cm of soil comparison

وفي الصورة التالية، أرض في المكسيك في حالة يرثى لها، ووضعت علامة على التلة، لأن التغيير كبير للغاية،

Allan Savory Mexico

كما بدأنا في العام 1970 بمساعدة عائلة في صحراء كارو  Karoo desert في جنوب أفريقيا، فحولنا الصحراء التي تشاهدونها على يمين الشاشة هنا، إلى أرض عشبية، ونشاهد أحفاد هذه العائلة على الأرض العشبية اليوم، ولديهم أملا كبيرا بالمستقبل، وانظروا إلى هذه الأرض في العام 1974، وفي العام 2013،

1974vs2013

ولم نستخدم سوى الماشية لتقليد الطبيعة، ومرة ثانية، نشاهد الجيل الثالث لتلك العائلة، موجودة على تلك الأرض”.

4

وقال: “في الصورة أراضي منطقة باتاغونيا في الأرجنتين، تحولت إلى صحارٍ، والرجل الموجود في وسط الصورة هو باحث أرجنتيني، وثق عملية تدهور حال الأراضي على مر السنوات، مع تقليل عدد الخراف، إلا أنهم أعادوا 25 ألف رأس من الخراف في قطيع واحد إلى الأرض، بتقليد الطبيعة والرعي المنظم، ووثقوا ارتفاعا بمقدار 50 بالمئة في انتاج الأرض في أول سنة”.

Allan Savory Desert to grassland (2)

وأضاف: “لدينا رعاة في القرن الأفريقي يؤمنون ويقولون بصراحة، بأننا أملهم الوحيد، لإنقاذ عائلاتهم وثقافتهم”، وأكد سافوري “بالنتيجة فإن 95 بالمئة من هذه الأرض يمكنها أن تؤمن الغذاء للناس من مصدر حيواني، وهي الأرض التي تتحكم بمصائرنا جميعا، ومن ضمنها أكثر المناطق صعوبة والتي لا يمكن إلا للحيوانات تغذية البشر فيها”.
وأضاف: “ما نقوم به بشكل عالمي هو التسبب بتغير المناخ، وقد تكون الطاقة الأحفورية السبب وربما عوامل أخرى، ولكن الأسوأ أن كل هذا يتسبب بالفقر والجوع، العنف، التفكك الإجتماعي والحروب، وأنا أكلمكم الآن وفي هذه اللحظة، فإن ملايين من الرجال والنساء والأطفال يعانون ويموتون، وإن استمر هذا الأمر، فلن نتمكن من الحد من تغير المناخ، ولن نتمكن من وقف تغير المناخ حتى ولو ألغينا الطاقة الأحفورية، وأعتقد أني أوضحت لكم، كيف يمكننا العمل مع الطبيعة، بكلفة قليلة للغاية، لعكس كل ذلك، وقد نجحنا بهذا على مساحة تزيد عن 15 مليون هكتار، في خمس قارات، وأولئك الأشخاص الذين يفهمون “الكربون” بشكل أكبر مني، إن قاموا باحصائيات، وفعلوا ما أريتكم اياه هنا، فقد نستطيع أن نستوعب كمية أكبر من الكربون من الجو، وتخزينه بشكل آمن في تربة الأراضي العشبية ولآلاف السنوات، وإن أنجزنا هذا في نصف الأراضي العشبية، فإن هذا الأمر قد يعيدنا إلى ما قبل الثورة الصناعية، بذات الوقت نغذي الناس، ولا يمكنني التفكير في أمر آخر يوفر أملا لكوكبنا وأطفالكم وأطفالهم وكل الإنسانية”.
مما سبق، قد نحاول النظر إلى الماضي في جبالنا وودياننا وجرودنا، حين كانت ترعى قطعان الخراف والماعز، وكانت الأخيرة غير مرغوب بها بشكل أكبر، كونها تأكل “طربون” الغصن، أي الجزء الغض من الأشجار والنباتات، ولكن لنذكر أيضا، أن جبالنا كانت خضراء أكثر، وأن هذه الماشية كانت تنظف غاباتنا من بقايا الأعشاب اليابسة، وتساهم في منع الحرائق، وتساهم في تسميد التربة، والمحافظة عليها، وقد يجد البعض مقاربة هذا العالم “رومانسية” بعض الشيء، إلا أنها نظرية معقولة تستحق منا أن نبحث بها، وأن نطبقها.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This