أجواء “حامية” شهدتها بلدة ضهور الشوير في قضاء المتن، بدعوة من مجلسها البلدي المنتخب حديثاً، وذلك خلال جلسة “مشاركة للعامة” للاستماع الى آرائهم حول دراسة الأثر البيئي لمشروع المحرقة التي جرى تركيبها بالقرب من إحدى مدارس البلدة قبل عدة شهور.
وكانت بلدية ضهور الشوير وبالاستناد الى مرسوم دراسة الاثر البيئي الإلزامي والذي يحمل الرقم 8633/2012 قد كلفت شركة جيوفلنت Geoflint بإجراء تقييم اثر بيئي للمحرقة، لتقدير وتقييم آثار المشروع المترتبة على البيئة والحد من الآثار السلبية الناتجة عن هذا المشروع من خلال وضع تدابير تخفيفية وخطط للمراقبة.
الجلسة التي عقدت بتاريخ 14 حزيران (يونيو) 2016 دعا اليها رئيس البلدية الياس صوايا، ومثّل المجلس البلدي فيها نائب الرئيس حبيب مجاعص، وحضرها مدير عام وزارة البيئة بيرج هاتجيان (بصفة شخصية)، خليل الزين من شركة Geoflint التي تولت دراسة الاثر البيئي للمشروع، وعدد من ابناء البلدة والقرى المجاورة وناشطون بيئيون، وخبراء من الذين عارضوا المحرقة وقدموا ملاحظات علمية حول مخاطرها على الصحة العامة.
ورغم اجراء بعد التعديلات على طريقة عملها، لا تزال هذه المحرقة “خارج الخدمة” بسبب عدم حيازتها على موافقة التشغيل النهائية من قبل وزارة البيئة. وجرى تركيب هذه المحرقة بمبادرة من ابن البلدة وزير التربية الياس بو صعب، والوزير السابق فادي عبود على خلفية ازمة النفايات التي اندلعت اثر اغلاق مطمر الناعمة – عين درافيل في تموز (يوليو) العام الماضي. والمحرقة المصنعة من قبل شركة www.inciner8.com ، طرازها I8-1000، وهو الطراز الاكبر الذي تصنعه الشركة ويعتمد تقنية liquid retention، ولقد جرى إدخال العديد من التعديلات على نظام الفيلتر الملحق بها، ونظام الغسل والتبريد الموصول ببركة للمياه بنيت الى جانب المحرقة، لكن الخبراء المعارضين لهذا النوع من المحارق الصغيرة يصرون على ان التحسينات التي ادخلت على الفيلتر لا تلغي المخاطر الكبرى التي تنتج عنها، خصوصاً لجهة التخلص من الرماد الثقيل الناتج عنها والقدرة على التقاط الرماد المتطاير، وكذلك طريق التخلص من هذا النوع من الرماد الذي سيتم احتجازه في الفيلتر او عبر ترسبه في قاع بركة التبريد.
وكان فريق عمل يضم خبراء من وزارة البيئة ومختبر الجامعة الاميركية في بيروت وشركة APAVE، قد زار المكان الذي ثُــبِّتت فيه المحرقة، في اسفل بلدة ضهور الشوير، في العاشر من شهر آذار (مارس) الماضي، وأجرى فحوصات شملت حرق عدة انواع النفايات. واخذت عينات للرماد والدخان الذي شوهد اثناء حرق كميات كبيرة من النفايات، لكن ليس لانبعاثات الغازات السامّة. وكلفت بلدية ضهور الشوير شركة جيوفلنت Geoflint لاجراء دراسة تقييم اثر بيئي للمحرقة والتي تشمل ضمن شروطها ابداء الراي من قبل سكان البلدة والقرى المجاورة للمحرقة، وذلك خلال المهلة القانونية المنصوص عنها في المرسوم رقم ٨٦٣٣/٢٠١٢، وذلك من خلال ارساله الى وزارة البيئة – مصلحة تكنولوجيا البيئة – دائرة الانظمة البيئية المتكاملة، أو ايداعها في مبنى البلدية، كما تعتبر جلسة “المشاركة للعامة” التي عقدت يوم الثلاثاء الماضي في مبنى بلدية ضهور الشوير، واحدة من اشكال “ابداء الرأي”، ولكن ضمن الاطار العام للمشروع، ومن المقرر وفق ما ينص عليها مرسوم دراسة الاثر البيئي ان يتم إجراء المزيد من جلسات الاستماع.
خليل الزين من شركة Geoflint التي تولت دراسة الاثر البيئي للمشروع ، أكد خلال الجلسة ان الدراسة شملت اختبارات عديدة للدخان المتصاعد من مدخنة المحرقة وللرماد الذي يرقد في القعر بعد عملية الحرق، وعينات من مياه التبريد، وان هناك فحصا سيجرى من قبل شركة APAVE الفرنسية مطلع شهر تموز (يوليو) المقبل، وذلك لان هذا النوع من الفحوصات غير متوفر في لبنان، إلا من خلال هذه الشركة التي يزور خبراء منها البلد مرتين كل سنة لاجراء هذا النوع من الفحوص. ولفت الزين الى ان الفحوص التي أجريت اظهرت معدلات ضمن المعايير المتعارف عليها دولياً.
كلام الزين استدعى رداً قاسياً من قبل مدير عام وزارة البيئة بيرج هاتجيان الذي لفت الى انه من غير المقبول اعتبار اي فحص انه ضمن معدلات مقبولة، فما يصح في حالة الرجل البالغ لا يصح في حالة الطفل أو المراة الحامل. واعتبر هاتجيان ان هذه المحرقة ليست معملا للنفايات لان المعمل يقدم منتجا في نهاية عملية التصنيع، في حين ان المحرقة هي للتخلص النهائي من النفايات وينتج عنها ديوكسين، ومعلوم ان الاتفاقيات الدولية تضع معايير صارمة على اي عملية حرق او تصنيع ينتج عنها ديوكسين، خصوصاً اذا كانت هناك بدائل تصنيع او معالجة لا تتنتج ديوكسين. واعتبر هاتجيان ان بين خيار تلوث المياه بعصارة النفايات وتلوث الهواء بدخان المحارق، فالاكيد ان الاولوية لمنع تلوث الهواء، لان مصدر المياه الملوثة يمكن ان يكون هناك بديل عنه، اما الهواء الملوث فهو يصيب السكان بشكل مباشر ويؤدي الى مضاعفات خطيرة، لا بل مميتة على الصحة العامة.
ولفت هاتجيان الى ان قانون البيئة اللبناني يعتمد ثلاثة مبادئ اساسية، هي الوقاية والاحتراز والاثر البيئي، وفي حالة محرقة ضهور الشوير، فإن الوقاية والاحتراز يدفعان الى عدم الموافقة على تشغيلها. واضاف: “بدل ان تتمثل البلدية في ضهور الشوير بجارتها بكفيا وتبدأ مشروعا غير مكلف للفرز من المصدر وللتدوير ومعالجة النفايات العضوية بطرق سليمة، اختارت القفز فوراً نحو الحرق، وهذا خيار غير مدروس من مختلف النواحي الاقتصادية والبيئية والصحية”.
بدوره أكد الناشط البيئي رجا نجيم انه من غير المقبول ان تضع بلدية ضهور الشوير السكان بين خيار السيئ والاسوأ، فالحرق مرفوض، وهذه المحرقة بالتحديد، ومهما ادخل عليها من تحسينات فهي غير قابلة للتشغيل وفيها من العيوب ما يكفي للتوصية بتفكيكها فوراً. وطالب نجيم ببرنامج لرصد ومراقبة ومتابعة الإنبعاثات، وعدم الإكتفاء بدرس المؤشرات التقليدية الأولية، بل التوسع بدرس كل المؤشرات التي تتعلق بالجزيئات والمعادن والمركبات الكيميائية عالية الخطورة على البيئة والصحة العامة.
ولفت نجيم الى ان المحرقة لم تلحظ التخلص الآمن من مياه غسل الغازات، إذ أن هذه المياه تحتوي على كميات كبيرة جدا من جزيئات الرماد المتطاير متناهية الصغر، وعلى تراكيز عالية من معادن ثقيلة وملوِّثات كيميائية سامة وخطيرة على البيئة والصحة، يؤدي رميها العشوائي إلى تلويث التربة الزراعية، مع ما يترتب عن ذلك من مخاطر على تلويث المنتوجات الزراعية في تلك الأراضي، أضف إلى ذلك احتمال تلويث مصادر المياه العذبة السطحية منها والجوفية في تلك المنطقة. ولقد وافق خليل الزين كلام نجيم مؤكداً ان دراسة الاثر البيئي ستوصي بضرورة معالجة مياه الغسيل قبل التخلص منها في الطبيعة.
بدورها أكدت سمر خليل الأخصائية في تقييم الأثر البيئي وأنظمة الإدارة البيئية، أن عملية إدارة النفايات الصلبة لا تنجح إلا إذا اعتمدنا إدارة متكاملة للنفايات التي تعتمد برنامجاً شاملاً يتضمن التخفيف من إنتاج النفايات وإعادة استعمالها وتدويرها وتسبيخها ومعالجتها والتخلص من منها. وجددت خليل خلال الجلسة موقفها الذي نشرته ضمن دراسة أولية اعدتها لتقييم خيار بلدية ضهور الشوير في استيراد المحرقة، خصوصاً لجهة التأكيد ان أن تقنية الحرق المعتمدة لا تكفي لتخفيف الآثار البيئية للمحرقة، وإن حرق هذا النوع من النفايات ينتج عنه انبعاث مواد عضوية ثابتة مثل الديوكسين والفيوران ومعادن ثقيلة مثل الزئبق والكادميوم وغيرها.
موقف لافت ايضاً ادلى به ابن البلدة عصام صوايا، الذي اكد انه لا يمكن القبول بالمحرقة في ظل هذه الضبابية في الدراسات، وعدم الوصول الى يقين اكيد انها لا تؤثر على الصحة. واضاف: “إذا كان هناك خمسة بالمئة خطر، فلن نقبل ان نخاطر بحياتنا وحياة اولادنا”.
مواقف عديدة أخرى عبر عنها سكان البلدة بين مطالب ببدء الفرز من المصدر، وصرف ميزانية المحرقة على اعتماد هذا الخيار والسير به. كذلك قدم اقتراح لنقل المواد العضوية الى مشروع زراعي مجاور للبلدة للاستفادة منها في تحسين التربة بدل حرقها.
وكان لافتاً للانتباه ان جميع المداخلات لم تؤيد المحرقة بشكل مطلق، بل ان المؤيدين كانوا يؤكدون انهم على ثقة ان البلدية لن تشغل المحرقة اذا تأكدت انها مضرة البيئة، وهذا ما دفع نائب رئيس البلدية حبيب مجاعص الى الخروج بنفس الاستنتاج في نهاية الجلسة، مشيرا الى انه في حال اكدت دراسة الاثر البيئي ان المحرقة مضرة “فسوف نرميها في البحر”!
وزير التربية الياس بو صعب، رفض في اتصال مع greenarea.info اعتبار جلسة الاستماع حول المحرقة بانها تمثل سكان البلدة، فالمعارضون “قلة حزبية” تعارض لاغراض سياسية بحسب رأيه. وكشف ان الانتخابات البلدية في البلدة افضت إلى استفتاء على خيار اعتماد المحرقة وتشغيلها من قبل المجلس البلدي المنتخب. واردف بو صعب: “كان يمكن لنا ان نفرض التشغيل كأمر واقع، ولا نسأل لا عن شمع احمر ولا عن اي محاولة للعرقلة، لكننا آثرنا انتظار اجراء جميع الاختبارات وادخلنا تحسينات جوهرية في نظام الفلاتر، والنتائج كلها ايجاية والتشغيل سيكون قريبا جداً، وفي ابعد تقدير بعد اربعة اشهر.
وكشف بو صعب ان حضور مدير عام وزارة البيئة لجلسة الاستماع العامة، سيؤدي الى الغاء نتائج هذه الجلسة لانه اخل بمدأ حيادية وزارة البيئة في عملية تقييم الاثر البيئي، والوزارة كان لها ممثلون في الجلسة استمعوا الى الملاحظات، ودونوا المحضر بصمت ودون تدخل، اما هاتجيان فكان لديه موقف منحاز منذ البداية ضد المحرقة.
امتعاض بو صعب من حضور هاتجيان، يتقاطع مع امتعاض مشابه من قبل وزير البيئة محمد المشنوق، الذي يقاطع هاتجيان منذ توليه الوزارة ويطالب بوضعه في التصرف أو نقله الى ادارة اخرى، وعلم موقع greenarea.info ان المشنوق سيوصي بالفعل بإلغاء نتائج جلسة الاستماع، وهو بصدد توجيه كتاب خطي بهذا الشان الى شركة Geoflint وبلدية ضهور الشوير.
ومعلوم ان مدير عام البيئة بيرج هاتجيان، لم يكن على علاقة جيدة مع جميع وزراء البيئة المتعاقبين خلال الحكومات الثلاث الاخيرة، وكان هناك اكثر من محاولة لاقالته او نقله بمرسوم يصدر عن مجلس الوزراء، وحين فشلت هذه المحاولات جرى مصادرة صلاحياته وعزله، وصولاً الى اجباره على الحصول على اجازات قسرية، وهناك سلسلة شكاوى بينه وبين الوزراء المتعاقبين رفعت الى التفتيش المركزي. وتعتبر هذه القضية من اكثر القضايا المسكوت عنها في الادارة اللبنانية، وهي تعكس السبب الرئيسي الذي ادى الى وصول وزارة البيئة الى الحال الذي وصلت اليه، خصوصاً عزلها بالكامل عن ادارة ملف النفايات المنزلية الصلبة.
ولقد حاول موقع greenarea.info الاتصال اكثر من مرة بهاتجيان للحصول على تعليقه حول موقف الوزيرين بو صعب والمشنوق من حضوره جلسة الاستماع العامة في ضهور الشوير، لكنه امتنع عن الاجابة على اتصالنا.
وبحسب مصادر متابعة للجلسة، فإن حضور هاتجيان كان بصفة شخصية، وان ليس من حق اي وزير ان يطالب بالغاء نتائجها، تحت هذه الذريعة، فالحقيقة ان من يريد الغاء نتائج هذه الجلسة هو ممتعض من شبه الاجماع الذي خرجت به ضد تشغيل المحرقة.