لا يمكن لأي شخص تابع التحركات المطالبة بحماية الأملاك العمومية في الأيام الأخيرة، إلاّ وأن يفرح لتصاعد الحملة المطالبة بعدم المس بشاطئ الرملة البيضاء، والحفاظ عليه كحيّز عام ومجاني. وربّما هي تلك “الصرخة المدويّة” التي دفعت بمحافظ مدينة بيروت القاضي زياد شبيب الى اصدار تعميم على كافة مصالح بلدية بيروت يطلب منها، “تجميد ووقف كافة المعاملات من اي نوع كانت (رخص بناء، رخص اشغال، وصل تصريح، براءات ذمة وغيره) العائدة للعقارات في منطقة الرملة البيضاء من منطقة المصيطبة العقارية لحين الانتهاء من دراسة وضعها بشكل كامل. كذلك وجه المحافظ كتاباً الى امين السجل العقاري في بيروت يطلب منه وقف كافة المعاملات العائدة لهذه العقارات، والافادة عن كيفية نشوء هذه العقارات في العام 1932 وما قبله. اضافة الى تجميد العمل بهذه العقارات الى حين الانتهاء من درساة وضعها القانوني.


ووجه المحافظ شبيب أيضاً كتاباً الى قيادة شرطة بيروت يطلب “توقيف كافة الأعمال من أي نوع كانت والتي تجري على هذه العقارات من منطقة المصيطبة العقارية المحاذية لشاطئ الرملة البيضاء ودوام المراقبة والافادة بأي جديد”.

تحرّكات عدة شهدتها بيروت نهاية الاسبوع الماضي، أوّلها لـ”اتحاد الشباب الديموقراطي”، بمشاركة ممثلين عن “اتحاد المقعدين اللبنانيين” في الرملة البيضاء يوم الجمعة، ومن ثم تحرّك “بدنا نحاسب” أمام بلدية بيروت يوم السبت، وكذلك الإفطار الذي نظمته مجموعة “من أجل الجمهورية” أمس الأحد… مواقف رافضة، واحتجاجات مستمرة من أجل مواجهة “المافيات” التي تضع يدها على آخر شاطئ عام متبقّ في لبنان.

“الشباب الديموقراطي”: نواجه مهما كلفنا الثمن

IMG_6107

وأعلن “اتحاد الشباب الديموقراطي”، في بيان تلاه رئيس اللجنة الإعلامية في الإتحاد حسن يونس “رفضاً مطلقاً الاستمرار في قضم الاملاك العامة وابتلاع بحر الفقراء”، وقال: “إذا كانت ذريعة بأن تقوم الجرافات بجرف الشاطىء بهدف تحسين صورته فلينظروا الى نهر المجارير الذي يذهب مباشرة الى البحر ويلوّث مياهه، ويكفي تدميرا لواجهة بيروت البحرية”.
وأكّد “سنواجه هذا المشروع مهما كلّفنا الثمن، وندعو إلى المشاركة في التحركات المقبلة كافة”.
من جهته، دان ممثل “اتحاد المقعدين اللبنانيين” جهاد اسماعيل “حرمان الشعب اللبناني، لا سيما الطبقة الفقيرة منه وذوي الدخل المحدود من آخر متنفس له، الا وهو شاطىء الرملة البيضاء”، مستنكرا “هدم الدرج الذي كان يسهّل عملية نزول المواطنين عموماً وذوي الحاجات الخاصة خصوصاً إلى الشاطىء”.

“بدنا نحاسب”: لتحالف شعبي

IMG_6225

أما حملة “بدنا نحاسب”، فاعتبرت في بيان لها ان “ما يحصل في الرملة البيضاء هو واحد من مئات التعديات على الاملاك العامة، التي يتم تملّكها او استخدامها بشكل مخالف ليس فقط للقانون بل للدستور ايضاً، حيث أن مبدأ حماية الاملاك العامة يرتقي الى المبادئ الدستورية،” مضيفة ان “هذا ما أقرّه آخر اجتهاد لمجلس شورى الدولة اللبناني بقراره رقم 242/2014-2015 تاريخ 18/12/2014 الذي أقر أن مبدأ حماية الملك العام هو المبدأ الاساسي الذي يسود جميع الاحكام القانونية المتعلقة بالملك العام وإشغاله، وأن موجب حماية الملك العام إلزامي وله طابع دستوري، وأن المشترع لا يستطيع إضافة الصفة القانونية لهذه السرقات حتى ولو عبر قانون”.
واعتبرت الحملة أن “تملك العقارات العمومية على شاطئ الرملة البيضاء باطل ويخالف الدستور، ويجب الرجوع عنه لتستعيد هذه العقارات صفتها العامة”، مضيفة ان “بدنا نحاسب تسعى لبناء تحالف شعبي عريض يدافع عن كل الاملاك العمومية في لبنان من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب، في اطار مواجهتها لمافيا السلطة”.

هدف اجتماعي، اقتصادي… وبيئي!

IMG_6240

وأجرى greenarea.info عددا من المقابلات مع أشخاص لا يزالون يؤمنون بالتغيير في لبنان. أيمن مروة، من “اتحاد الشباب الديموقراطي” شارك في تحرّك “بدنا نحاسب” أمام بلدية بيروت، وقال: “ننسّق مع بعضنا لأن ما نقوم به هو خطوة محقة من أجل الدفاع عن آخر متنفس للفقراء في بيروت وضواحيها”، محذراً “أي جهة من إغلاق الشاطئ الذي نعتبره المساحة الوحيدة للأولاد للترفيه عن أنفسهم، خصوصا في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية”.
محاربة الاستيلاء على الأملاك العمومية ليس من أجل هدف اجتماعي واقتصادي يأتي للدولة بحوالى الـ700 مليار ليرة سنوياً فقط، بل من أجل هدف بيئي أيضاً، بحسب مروّة “نريد الحفاظ على البيئة كذلك، فالإسمنت يضرّ بيئتنا من خلال إزالة المساحات الخضراء، وازدياد نسبة الضجيج الذي يسبب التلوّث كذلك”.
وتعليقاً على الافطار الذي نظمته مجموعة “من أجل الجمهورية”، صرّح أحد الأشخاص للموقع بالقول ان “الهدف من الإفطار هو رمزيته، خصوصاً انه أقيم على شاطئ الرملة البيضاء، مع كل المشاكل التي تشوب موضوع الشاطئ اليوم”.
ما “بُنِيَ على باطل فهو باطل” هذا في القانون… لكن كيف ستواجه الحملات من لا يهمّه لا قانون ولا دستور؟
في مقابلة مع موقعنا، قال المحامي في حملة “بدنا نحاسب” واصف الحركة ان “كل التعديات ليست كما يحاول بعض الأشخاص في السلطة توصيفها عبر قانون تشريع التعدي على الأملاك العمومية تحت عنوان تعويضات أو غير ذلك”، مضيفاً ان “حتى هذا القانون هو باطل لأنه يخالف الدستور بعد ان تمّ الارتقاء بالحق في هذا الموضوع إلى الحق الدستوري”، وأكّد “هذا مكتسب دستورياً ولا يمكن مخالفته”.
واعتبر عواضة ان “بلدية بيروت تقوم بإجراء خطِر، لأنها سكتت على المخالفة التي تمّت أولاً من خلال بيع الأملاك العمومية وجعلها أملاكاً خاصة، خصوصاً حين تمّ نزع الشارع الذي يفصل بين العقارات وشاطئ البحر”.
وقال ان “من خلال هذه المخالفة، أصبحت العقارات متلاصقة مع البحر”، مستنكراً “ما قامت به بلدية بيروت في المرّة الأولى، حين تمّت عملية بيع، والمتمثل بعدم اعتراضها. أما الآن، فتريد بلدية بيروت ان تقوم بإجراء أخطر من ذلك، عن طريق الشراء”، مضيفاً ان “هذا الأمر يُظهر ان هناك سمسرات عقارية في الموضوع. إلاّ ان الدولة لا تلجأ لعملية مفاوضة عقارية، بل تلجأ للإستملاكات”. وتساءل: “هل يمكن للدولة ان تستملك ملكها العام وان تدفع ثمنه؟”.
وتظهر التصريحات الإعلامية ان جميع من في السلطة ضدّ إقفال الشاطئ العام، في حين لا نرى أي موقف رافض بالفعل لا بالقول، فماذا يمكننا ان ننتظر؟ وعلامَ الأمل؟
بالنسبة لإلهام مبارك من “بدنا نحاسب”، فإنّ “النزول إلى الشارع هو للإعتراض على الاستيلاء على الاملاك العامة”، مضيفة ان “هناك فئات أخرى متضرّرة سترفع الصوت إلى بلدية بيروت وإلى محافظة بيروت من أجل وقف هذه الأعمال المخالفة للقانون”.
وأضافت ان “أي قوانين مرّرت للحكومات المتعاقبة لا تلغي الدستور”، مؤكدة ان “الحقّ معنا قانونياً”.
أما طارق تميم، من حملة “بدنا نحاسب”، فقال بغضب: “لا يحق لهم ان يضعوا يدهم على شاطئ الرملة البيضاء، فهو شاطئ للعموم”، مضيفاً ان “المهم ان نستمر ونتمنى ان تتجاوب معنا الدولة”.
وأكّد تميم “لن نتوقّف عن المطالبة بحقوقنا”، ساخراً من ان “الشعب البريطاني استطاع ان يصوّت من أجل خروج بلاده من الاتحاد الأوروبي، بينما اللبنانيون لا يستطيعون التصويت من أجل إخراج حكومتهم، فليرحلوا ويتركوا الشعب لوحده، نحن أجمل من دونهم”.
قد يظنّ البعض ان قرار شبيب، الذي نشرت الوثائق حوله جمعية “نحن” المتابعة لموضوع الأملاك العامة، هو الحل لمسألة عدم إغلاق شاطئ الرملة البيضاء في وجه الشعب. إلاّ ان الحقيقة غير ذلك تماماً، بناء على تجارب سابقة كثيرة في ظلّ هكذا مشاريع “تزوير” و”سلب حقوق”.
قرار شبيب يعتبر موقفا مهما، لكن… هل هذا يعني ان السند الخاص على الملك العام سيزول؟ وانّ ورثة الحريري سيتنازلون عن “حصصهم”، التي هي أصلاً “عمومية”؟
بالنسبة لمحمد أيوب من جمعية “نحن”، “هذا القرار مهم جدا لبيروت”، شارحاً ان “المهم في القرار هو ان شبيب طلب من دائرة المساحة القيام بتحقيق، ومن المعلوم ان دائرة المساحة لا يمكنها ان تتصرّف من دون إذن المحافظ”. إلتزام أو لا التزام؟… سننتظر ما ستؤول إليه التطورات في الأيام المقبلة.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This