يشهد التحول العالمي إلى الطاقة المتجددة زخما كبيرا، يسجل للمرة الأولى في التاريخ، مع وعي الإنسان لمخاطر الاستمرار في استخدام الطاقة الأحفورية لتوليد الطاقة على البيئة، وما نجم عنه من تغيرات مناخية، ولا نستغرب أن تشهد التقنيات المرتبطة بالطاقة المتجددة كفاءة وفعالية واستخدامات، فضلا عن الناحية اللوجستية، وقدرة الطاقة المتجددة وخصوصا الشمسية منها بالوصول إلى أماكن قصية من الأرض، وفي أمكنة يتعذر وصول الشبكة الكهربائية إليها، حتى وإن استعيض عنها بالمولدات الكهربائية، فإن كلفة تلك المولدات فضلا عن الوقود اللازم لها، يشكلان تحديا للفئات الإجتماعية الأقل مدخولا، لإيصال أبسط الخدمات الأساسية للتنمية والرفاه الإنساني.
ويمكن تشبيه هذا التطور بتطور الحاسوب، فقد كان الحاسوب يشغل غرفا بأكملها، ليقوم بعملية حسابية صغيرة لفترة قد تمتد إلى أيام، بينما أصبح هاتفك النقال اليوم، يقوم بها بجزء من الثانية وبقدرات متفوقة لم تخطر ببال أرباب الخيال العلمي في العقود السابقة، وليس هذا فحسب، فوفقا لأحدث “تقارير بلومبيرغ” Bloomberg reports، والصادر تحت عنوان “الطاقة المتجددة وتوقعات العام 2016″، فإنه على الرغم من أن أسعار الفحم والغاز قد تراجعت إلى حد قياسي، فإن هذا الأمر لن يعرقل عملية إزالة الكربون من الطاقة العالمية، وأكد التقرير أنه بحلول العام 2040، ستشكل مصادر الطاقة “عديمة الانبعاثات” أو صفر إنبعاثات zero-emission 60 بالمئة من القدرة المستعملة، وأن الطاقة من الرياح والطاقة الشمسية سوف تمثل 64 بالمئة من أصل 8.6 تريليون واط من قدرة توليد الكهرباء الجديدة المضافة على مدى السنوات الـ 25 المقبلة، ولما يقرب من 60 بالمئة من الإستثمارات في مجال الطاقة المقدرة بـ 11،6 تريليون دولار.
رؤى وتوقعات
ومن المرجح استمرار انخفاض أسعار الغاز والفحم، إلا أنه من غير المحتمل تحول الطاقة بشكل كامل نحو مصادر الطاقة المتجددة، وخصوصا طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وإن كانت ثمة خيارات تؤمن توازنا في هذه المعدلات والمتمثلة بالبطاريات.
وأظهرت أحدث التوقعات طويلة الأجل في التقرير الصادر عن “بلومبرغ” لجهة “النواحي المالية للطاقة المتجددة من بلومبرغ” Bloomberg New Energy Finance (BNEF) حول تمويل الطاقة المتجددة مؤشرا أقل بكثير للفحم والغاز وأسعار النفط في العالم من توقعات العام الماضي، كما بينت انخفاضا حادا وحاسما لتكاليف إنتاج الطاقة من الرياح والطاقة الشمسية.
ويؤخذ على التقرير السابق الذي يغطي الفترة بين الأعوام 2016 و 2040، وجود توقعات متضاربة بشأن انبعاثات الكربون، فضلا عن أن نمو الناتج المحلي الإجمالي الأضعف في الصين وإعادة التوازن لاقتصادها، قد يعني أن الانبعاثات هناك ستصل إلى الذروة في وقت مبكر من العام 2025، فضلا عن أن ارتفاع توليد الطاقة التي تعمل على الفحم في الهند وغيرها من الأسواق الآسيوية الناشئة يشير إلى أن كمية الانبعاثات العالمية في العام 2040 ستصل إلى نحو 700 ميغاطن، أو 5 بالمئة أعلى من مستويات العام 2015.
وعلق رئيس أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا لـ BNEF سيب هنبستSeb Henbest، والمؤلف الرئيسي للتقرير: “سيتم استثمار حوالي 7،8 تريليون دولار عالميا في مجال الطاقة المتجددة بين الأعوام 2016 و2040، ويقدر التقرير أن ثلثي هذا الاستثمار سيكون في قدرة توليد الكهرباء، ولكن الأمر سيتطلب المزيد من الجهود، فضلا عن استثمار تريليونات من الدولارات في مسار يتوافق مع تحقيق هدف الأمم المتحدة، لجهة خفض انبعاثات العالم، للوصول بالإحترار المناخي دون 2 درجة مئوية”.
وثمة عشر نتائج لافتة للنظر في هذا التقرير:
1-أسعار الفحم والغاز ستظل منخفضة، وقد خفض تقرير “بلومبرغ” المالي التوقعات على المدى الطويل للفحم والغاز بنسبة 33 و30 بالمئة على التوالي، ما يعكس زيادة في العرض المتوقع لكلتي السلعتين، وهذا ما يخفض تكلفة توليد الطاقة منها، وعلى الرغم من هذا الإنخفاض فإنه لن يؤثر على التحول نحو الطاقة المتجددة.
2-ستشهد تكاليف توليد الطاقة من الرياح والطاقة الشمسية هبوطا حادا، ومن المتوقع انخفاض تكاليف توليد الطاقة من الرياح لكل ميغاوات بنسبة 41 بالمئة بحلول العام 2040، ومن الخلايا الكهروضوئية الشمسية بنسبة 60 بالمئة، ما سيجعل هاتين التقنيتين من أقل الطرق كلفة لإنتاج الكهرباء في كثير من الدول خلال العشرينيات من هذا القرن، وفي معظم دول العالم في الثلاثينيات من القرن الحادي والعشرين.
3-سوف تجذب الطاقة الأحفورية حوالي 2.1 تريليون دولار من الاستثمارات، أما الاستثمار في توليد الطاقة من الفحم والغاز فسيستمر في الغالب في الاقتصادات الناشئة، وقد تصل قيمة الاستثمار في الفحم إلى 1.2 تريليون دولار، بالمقابل فستصل قيمة الاستثمار في محطات جديدة تعمل باستخدام الغاز إلى 892 مليار دولار.
4-ستأخذ الطاقة المتجددة بالمقابل حصة الأسد من الاستثمارات، وسيتم استثمار حوالي 7،8 تريليون دولار في الطاقة الخضراء، وستجتذب طاقة الرياح في البحر وعلى الشواطئ 3،1 تريليون دولار، والطاقة الشمسية على الأسطح وغيرها وتلك المستعملة لتوليد الطاقة من الشمس على نطاق صغير 3.4 تريليون، أما الطاقة الكهرومائية فتقدر بـ 911 مليار دولار.
5- ان الوصول إلى السيناريو ما دون درجتين مئويتين تتطلب استثمار المزيد من الأموال، فبالإضافة إلى 7،8 تريليون دولار في الطاقة المتجددة، يحتاج العالم لاستثمار 5،3 تريليون دولار في الطاقة خالية من الكربون بحلول العام 2040، للحد من كمية ثاني أوكسيد الكربون CO2 في الغلاف الجوي، ومنعه من الإرتفاع فوق الحد الآمن المحدد من قبل الفريق الحكومي الدولي المعني بالحد من تغير المناخ والمقدر بـ 450 جزءا من المليون.
6-سوف يزداد الطلب على الكهرباء بسبب ازدهار السيارات الكهربائية، وستضيف المركبات الكهربائية استهلاكا يقدر بـ 2،701 تريليون واط، أو 8 بالمئة إلى الطلب العالمي على الكهرباء في العام 2040، وتعكس هذه الأرقام توقعات BNEF بأن مبيعات المركبات والسيارات الخفيفة سوف تمثل 35 بالمئة من مبيعات السيارات في كافة أنحاء العالم في تلك السنة، أي ما يعادل 41 مليون سيارة ونحو 90 ضعف العدد في العام 2015.
7-سوف يصل سوق بطاريات التخزين صغيرة الحجم إلى 250 مليار دولار، وبالمقابل فإن ازدياد مبيعات المركبات الكهربائية سينعكس انخفاضا في كلفة البطاريات العاملة على الليثيوم، ما يجعلها أكثر جاذبية لاستخدامها إلى جانب أنظمة الطاقة الشمسية السكنية والتجارية، كما يتوقع التقرير أن تزداد عملية تخزين الطاقة خارج العداد إلى حد كبير في كافة أنحاء العالم من 400 ميغاواط حاليا، إلى ما يقرب من 760 جيغاواط في العام 2040.
8-من المتوقع انخفاض توليد الكهرباء من الفحم في الصين والانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة، ما يعني أن توليد الكهرباء من الفحم خلال 10 أعوام سيكون 1،000 تيراواط، أو 21 بالمئة أقل من توقعات تقرير “بلومبيرغ” العام الماضي.
9-كما توقع التقرير أن توليد الكهرباء من الفحم سيجعل الهند الأولى لجهة الانبعاثات العالمية في المستقبل، وأن الطلب على الكهرباء سوف ينمو 3.8 مرة في الأعوام بين 2016 و2040، وعلى الرغم من الاستثمار بمبلغ يصل إلى 611 مليار دولار في مصادر الطاقة المتجددة و115 مليار دولار في الطاقة النووية في السنوات الـ 24 المقبلة، فإن الهند ستستمر في الاعتماد بشكل كبير على محطات الكهرباء التي تعمل على الفحم الحجري لتلبية الطلب المتزايد، وبالنتيجة فمن المتوقع أن يؤدي هذا الامر إلى زيادة انبعاثات الهند السنوية الناتجة عن قطاع الطاقة بمقدار ثلاثة أضعاف بحلول العام 2040.
10-توقع التقرير أن تهيمن مصادر الطاقة المتجددة في أوروبا، وان تتجاوز الطاقة المولدة منها تلك المولدة من الغاز في الولايات المتحدة، وستتمكن طاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة المائية وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة من توليد 70 بالمئة من الكهرباء في أوروبا في العام 2040، بارتفاع يصل إلى 32 بالمئة من العام 2015، أما في الولايات المتحدة، فإن النسبة سترتفع من 14 بالمئة في العام 2015 إلى 44 بالمئة في العام 2040، كما أنه من المتوقع أن ينخفض الغاز من 33 إلى 31 بالمئة.
وقال الرئيس التنفيذي لتمويل الطاقة الجديدة لـ “بلومبرغ” جون مور أن “التقرير تضمن اتجاه تكلفة أقل بكثير لأسعار الفحم والغاز في الطبعة 2015 منه، ولكن اللافت للنظر، أنه على الرغم من ذلك فإنه يظهر أيضا التحول السريع نحو الطاقة النظيفة خلال فترة الـ 25 سنة القادمة”.