بينما قد تُلام مستشارة ألمانيا أنجيلا ميركل بشكل رئيسي في التسبب بخروج بريطانيا Brexit من الإتحاد الأوروبي، خصوصا لجهة القرار المنفرد والمتسرع في صيف العام 2015 بفتح حدود ألمانيا، ووصول ما يزيد عن 1.1 مليون مهاجر من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى أوروبا، مع توقعات بقدوم ملايين إضافية في المستقبل، وهذا القرار هو ما أثار نوعا من “العصبية الوطنية” في معظم دول أوروبا لا سيما لدى الطبقة المتوسطة البريطانية، مدعومة بقرار سياسيين محافظين، وفي حين لا تزال الآثار الكاملة لقرار بريطانيا غير واضحة المعالم تماما، يخشى كثيرون ان موجة القومية قد تضر وإلى حد بعيد الجهود الدولية لوقف ظاهرة الاحتباس الحراري.
ونقتبس هنا ما قاله الكاتب الإنجليزي الكبير جورج أورويل (1903-1950) في مدونته “انكلترا، انكلترا الخاصة بك” England Your England، حيث أشار إلى أن الإنكليز مكثوا سنوات خلال فترة الحرب العالمية الأولى في فرنسا ولم يتغيروا أو يتأثروا، وقال: “لأربع سنوات، لم يستسغ الإنكليز النبيذ”، وأضاف: “التقوقع لدى الشعب الإنكليزي، ورفضهم أخذ الأجانب على محمل الجد، هي حماقة يجب أن يدفعوا ثمنها بشكل كبير جدا من وقت لآخر”.
صدمة اقتصادية
وأتى التصويت بـ 17,410,742 صوتا، وبنسبة 52 بالمئة لصالح الخروج من الإتحاد الأوروبي مساء الخميس 23 حزيران (يونيو) مفاجئا، ما أحدث صدمة في أسواق الأسهم وانخفاضا حادا بنسبة 8 بالمئة عند افتتاح التداول صباحا.
وكانت نتائج هذا الأمر وخيمة، ومنها، تبخر 122 مليار جنيه استرليني بين ليلة وضحاها، وعلى الرغم من تعافي السوق قليلا بعد ذلك، إلا أن ذلك انعكس على السوق العالمية للأسهم فقد سجلت خسارة ما يقارب 1،4 تريليون دولار وانخفاض مؤشر “داو جونز” 655 نقطة، واتجه محافظ بنك انكلترا Mark Carney لضخ الأسواق المالية بالسيولة وبمبلغ 250 مليار جنيه، على أن يتم خفض الفائدة لاحقا، بالرغم من أن ذلك يتطلب قرارا جماعيا من لجنة خاصة.
كما ارتفع سعر الذهب بمعدل 8،1 بالمئة وهو أعلى سعر سجله منذ العام 2014،
This is how London traders are reacting to #Brexit right nowhttps://t.co/JDulklIsh3 pic.twitter.com/85kkwYI62b
— Tahira Mirza (@tahiramirza1) June 24, 2016
وكان الإنخفاض الأبرز في هذا المجال المتمثل في سعر صرف الجنيه الاسترليني مقابل الدولار الأميركي حيث وصل فجرا إلى أقل قيمة صرف له من ثلاثين عاما، أي منذ العام 1985 وهو 1،33، ويتوقع محللون ماليون أن يصل إلى 1،25، ومن الممكن أن يصل إلى 1،2 في أيلول (سبتمبر) من هذا العام، أما اليورو فيصرف اليوم بـ 75 بنسا، ومن المتوقع أن يصل إلى 95 بنسا مع نهاية العام، وتزامن كل هذا مع انخفاض في سعر نفط البرنت الخام بنسبة 5 بالمئة إلى سعر 38، 48 دولارا للبرميل، وسجل هذا التصويت سابقة أيضا، بتراجع بريطانيا خلف فرنسا كخامس اقتصاد في العالم.
The UK is no longer the world’s 5th largest economy. The £ has fallen so far that France has overtaken us. #EUref
— The London Economic (@LondonEconomic) June 24, 2016
… البيئة والمناخ أيضا!
وعلى الرغم من كون البيئة قضية لا تعرف حدودا، وتؤثر على الجميع وخصوصا أهميتها الحيوية للأجيال القادمة، إلا أنها ولا سيما الاستثمارات في مجال الطاقة النظيفة وأسواق الكربون واتفاق المناخ باريس لم تكن جزءا رئيسيا من الحسابات عندما ذهب البريطانيون إلى صناديق الاقتراع، ولكن يُخشى الآن من تأثر العمل البيئي العالمي، ومن تعرض مساهمة بريطانيا في عمل المناخ العالمي للخطر، مع انعكاسات سلبية على ظاهرة الاحتباس الحراري.
وكانت المملكة المتحدة تقليديا، رائدة في سياسة المناخ، بما في ذلك في العام 2008، عندما أصبحت أول دولة تحدد على المدى الطويل قانونا ينص على خفض الانبعاثات بنسبة 80 بالمئة ملزمة بحلول العام 2050، وخلق سوق انبعاثات طوعي قبل بدء الاتحاد الأوروبي بالتفكير بسوق الكربون الخاصة به.
انطباعات سياسية وبيئية
ذهب وزير الطاقة والمناخ السابق في المملكة المتحدة إدوارد ديفي في هذا القرار إلى اتجاه آخر، ونقلا عن الكتاب المقدس على التويتر قال “اغفر لهم يا أبتي، لأنهم لا يعلمون ما يفعلون”.
“Father, forgive them for they do not know what they are doing”
— Edward Davey (@EdwardJDavey) June 24, 2016
بالمقابل قال وزير الدولة السابق للطاقة وتغير المناخ البريطاني كريس هوهن Chris Huhne “مع تأثر الإقتصاد العالمي بخروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي، فقد ينعكس هذا الأمر انخفاضا في انبعاث غازات الاحتباس الحراري على المدى القصير”، بالمقابل فالكاتب داميان كارينغتون Damian Carrington في صحيفة “الغارديان” أشار إلى أنه “على المدى الطويل، فإن الانكماش الاقتصادي من شأنه أن يهدد الاستثمارات الضخمة المطلوبة للانتقال إلى اقتصاد قائم على الطاقة النظيفة”.
وكانت آراء بعض المساهمين في قرار الخروج من الإتحاد الأوروبي مثيرة للقلق، وأهمها لواحد من هؤلاء الساسة الصاعدين، نايجل فاراج Nigel Farage، الذي قاد حملة الاستفتاء هذا الاسبوع، وقال “ليس لدي أدنى فكرة عما إذا كان تغير المناخ يجري مدفوعا بانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون”، وأعرب عن اهتمامه بإلغاء أنظمة التلوث في محطات توليد الطاقة.
وقال بوريس جونسون، وهو من أبرز المنافسين ليكون رئيس الوزراء في المملكة المتحدة بعد استقالة كاميرون، أن الطقس الحار الناجم عن العامل الإنساني “لا أساس له”، وستدفع تلك الآراء البعض إلى التساؤل عما إذا كانت المملكة المتحدة ستواصل خططها للتخلص التدريجي من محطات الكهرباء التي تعمل بالفحم بحلول العام 2025 كما كان مخططا له.
منظمات بيئية
وفي هذا السياق، قال الرئيس التنفيذي لـ ClientEarth (وهي منظمة قانونية بيئية لا تبغي الربح ولها مكاتب في لندن وبروكسل ووارسو) جيمس ثورنتون James Thornton، في بيان أن “هذا الأمر يتركني في حالة صدمة وخيبة أمل، وأشعر بالقلق للغاية بشأن مستقبل الحماية البيئية في المملكة المتحدة”، وأضاف: “تستخدم منظمتي العديد من القوانين لحماية الطبيعة والصحة الموضوعة والمحمية من الأنظمة والقوانين في المملكة المتحدة في بروكسل، الآن وإذ تستعد فيه بريطانيا لتذهب وحيدة، ليس لدينا أي فكرة أي قوانين سنحافظ عليها”.
وقال المتحدث باسم أصدقاء الأرض البريطانية Friends of the UK earth جيمس غود James Goode “أنا قلق من أن الجناح الخاص بمعاداة البيئة، والعمل ضد مكافحة تغير المناخ anti-environment, anti-climate action سيتخذ موقع السيادة بعد اتخاذ قرار الخروج Brexit، كتفويض لطريقتهم المفضلة للعمل”.
… واتفاق المناخ في باريس أيضا!
ويمكن أن يؤثر تغير المشهد السياسي المتحول في المملكة المتحدة بشكل كبير على اتفاق المناخ في باريس، وقال المحلل البيئي حول تغير المناخ لشركة استشارات المخاطر فيرسك مابلكروفت Verisk Maplecroft ويل نيكولز Will Nichols “إنه من المحتمل أن هذه الخطوة قد تقدم مساهمات وطنية طموحة للغاية للأمم المتحدة، ويمكن أن تكون الطريق المنحدر إلى أسفل الطموح، أو أنها يمكن أن تتجاهل اتفاق باريس برمته، ما سيشكل ضربة كبيرة لعملية العمل للحد من تغير المناخ”.
وقالت رئيسة الأمم المتحدة للمناخ المنتهية ولايتها كريستيانا فيغيريس Christiana Figueres، في وقت سابق من الأسبوع أن التصويت على Brexit من شأنه فرض إعادة النظر في الخطط التي قدمتها دول الاتحاد الأوروبي في اتفاق المناخ في باريس”.
وفي استفتاء شمل أكثر من 4000 باحث بيئي لـ “معهد الإدارة والتقييم البيئي” The Institute of Environmental Management & Assessment وهي منظمة للبيئيين المحترفين، حول المخاطر والفرص المرتبطة بخروج بريطانيا في الفترة التي سبقت الاستفتاء، قال 80 بالمئة منهم تقريبا أن “دور المملكة المتحدة مؤثر في تطور البيئة في الاتحاد الأوروبي وفي سياسة المناخ، ما يعني أن المملكة المتحدة مارست تأثيرا دوليا أكبر داخل الاتحاد الأوروبي أكثر مما لو كانت خارجه”.
وقال محلل السياسة المناخية في “جامعة إيست أنغليا” البريطانية تيم راينر Tim Rayner، أن “خروج المملكة المتحدة سينعكس تحولا في ميزان القوى حول سياسة الطاقة في الاتحاد الأوروبي”، وأضاف “في العام 2016 سوف نرى بعض المفاوضات الصعبة بدلا من تقاسم الجهود نحو هدف الاتحاد الأوروبي بالحد من الانبعاثات بنسبة 40 بالمئة، خصوصا إن مارست بولندا ضغوطها”، مشيرا إلى دور الحكومة الجديدة في بولندا والإتجاه بالتعاون مع هنغاريا، نحو ممارسات بعيدة عن الديموقراطية في شرق أوروبا، فضلا عن موقفها المتشنج تجاه تغير المناخ قبل اتفاق باريس وهجومها على الإتحاد الأوروبي وأنه السبب في خروج بريطانيا، وقيام الإتحاد الأوروبي مؤخرا بتحويلها للقضاء في عملية قطع الأشجار في إحدى أهم الغابات التاريخية فيها. وأشار راينر إلى أنه “كان الهدف في المملكة المتحدة تخفيض الإنبعاثات بنسبة 80 بالمئة وهو جزء كبير من هذا الهدف الجماعي للإتحاد الأوروبي”.
تعليقات على التويتر
وفي تندر على موقع التويتر على تأثير الـ Brexit ما نشرته مساعدة محرر الصور لهافينغتون بوست المملكة المتحدة وأميركا أون لاين المملكة المتحدة Assistant Picture Editor for Huffington Post UK & AOL UK طاهرة ميرزا Tahira Mirza حول خروج بريطانيا في كرة القدم من Euro 2016 أمام إيسلاندا التي تلعب للمرة الأولى في هذه الدورة العالمية
England make swift #Brexit from #euros 🙁#EURO2016#ENGICE pic.twitter.com/jYE5B1UOWT
— Tahira Mirza (@tahiramirza1) June 27, 2016
ومن جهة ثانية قالت ميرزا أيضا “كأن الـ Brexit لم يكن كافيا، ها هو ترامب يهبط في بريطانيا”.
As if #Brexit wasn’t enough! Donald Trump has now touched down in the UK pic.twitter.com/4u53vYlaA6
— Tahira Mirza (@tahiramirza1) June 24, 2016