بات التلوث البيئي يلامس العديد من مصادر المياه التي تغذي عشرات القرى الحدودية، ما قد يعرض سكانها لأمراض سارية مع حلول فصل الصيف، وليس ثمة في الأفق بوادر لمحاولات جادة لرفع هذا الضرر الذي سيطاول حتما الإنسان كما النبات.
محمية وادي الحجير، حيث النبع الغزير الذي يغذي قرى كثيرة في قضاء مرجعيون، ارتفعت على مسافة قريبة من أطرافها، وضمن نطاقها العقاري، مكبّات نفايات عشوائية، تنبعث منها الروائح، وتكثر فيها الحشرات، ناهيك عن اعمدة الدخان الكثيفة جراء اعتماد القيمين على المكبات إحراقها بمادة المازوت.
المكبّات العشوائية هذه، قريبة جدا من بعض القرى والمناطق السكنية، مما سيؤدي لتسرب الروائح المنبعثة وسموم الدخان، فضلا عن الخطر البيئي الذي يتجاوز السكان الى المياه الجوفية، ومياه الآبار الإرتوازية التي حُفرَت في وادي المحمية، بشكل عشوائي ومخالف للشروط البيئية.
وما يزيد الطين بلة، ان هذه الآبار المحاذية لمكبات النفايات، تعتبر مورد المياه الرئيسي لآلاف المواطنين المقيمين في المنطقة، ومياهها تغذي القرى والبلدات المجاورة، ومنها شقرا وميس الجبل، والعديد من قرى وبلدات بنت جبيل ومرجعيون.
ويشير الناشطون البيئيون في هذه المنطقة إلى ان مكبات النفايات هذه تقع مباشرةً فوق خمسة آبار إرتوازية، حُفرَت خلال السنوات الماضية بهدف توفير حاجة أبناء المنطقة من المياه، ولكن بشكل عشوائي ودون اي دراسة، وكان من النتائج السلبية انخفاض نسبة مياه نبع الحجير الذي كانت مياهه تمتاز بغزارتها طوال فصل الصيف، بحيث كانت مصدر المياه التي تستخدم في تشغيل مطاحن الحجير العاملة بواسطة المياه.
وفي هذا الأطار يبقى اخطر المكبات المحاذية للمحمية، مكب بقايا المستشفيات ونفاياتها الطبية، وعلى الرغم من أن المدعي العام البيئي كان قد اتخذ قراراً بإقفاله بالشمع الأحمر، إلّا أن أي اجراء عملي حتى اليوم لم يحصل لإزالة هذه النفايات الخطرة، وهناك خوف من قيام جهات مستفيدة بمعاودة رمي مثل هذه النفايات عبر مسالك ترابية مؤدية اليه، بعيدا عن انظار الجهات الأمنية.
وفي محيط نبع مرج الخوخ، عند الطرف الشمالي لسهل مرجعيون، لا تزال كميات كبيرة من النفايات قدرت بحمولة 200 شاحنة مطمورة على مسافة بضعة امتار من نبع الخوخ، مصدر المياه الرئيسي الذي يغذي عشرات القرى في مرجعيون، وكان ابناء القرى المحيطة قد نفذوا اعتصاما في المنطقة مطالبين بنقل النفايات، الا ان ذلك لم يحصل حتى الان، خصوصا وان البلديات كانت قد رفضت تحمّل نفقات إزالتها.
هناك مكبات عائدة للنازحين السوريين في مخيم مرجعيون، والبالغ تعدادهم حوالي 2000نازح، يرمون نفاياتهم بمحاذاة نبع الخوخ ،كذلك هناك مجاري المياه المبتذلة العشوائية التي تتسرب من المخيم وعشرات الجور الصحية الى النبع ومحيطه، دون ان تحاول اي جهة رفع الضرر.
ويطاول التلوث مجرى نهر الحاصباني والذي تصب فيه اقنية عدة من المياه المبتذلة، انطلاقا من بلدة حاصبيا والقرى المحيطة، وهي تجعل مياهه غير صالحة للسباحة، وكذلك لري البساتين والمزروعات، وبدأت بلدية حاصبيا خطة لرفع الضرر البيئي عنه، دون ان تعرف النتائج حتى الآن، علما ان ذلك يلزمه الكثير من الجهد والتعب لجهة تشغيل واصلاح محطات التكرير والتزام البلديات المحاذية بوقف تسرب المياه المبتذلة عبر المجاري اليه، علما ان جانبا من مياه الحاصباني تضخ لصالح مياه الشفة في بلدة حاصبيا.
العديد من رؤساء البلديات في هذه المنطقة اشاروا الى ضرورة ان تتحمل الدولة جزءاً كبيراً من المسؤولية، لأنها كانت قد أصدرت قراراً في عام 2003 يقضي بمنح البلديات التي تنشئ معامل فرز للنفايات دعماً مالياً إضافياً يعادل 5 أضعاف الميزانية التي تستحقها، لكنها تراجعت عن ذلك، ما حمّل البلديات كلفة مالية ضخمة لمعالجة نفاياتها، فما وعدت به الدولة حينها هو الذي شجّع البلديات على إنشاء هذه العامل، وتقاعس الدولة عن تنفيذ ما وعدت به هو الذي أدى إلى توقف تشغيل بعض المعامل وهدّد بإقفال البعض الآخر.