أثبت مشجعو فريق كرة القدم الإيرلندي، أو “الجيش الأخضر” The Green Army كما أسمته الصحافة العالمية تحببا وتقديرا، أنه حين تتكامل الحياة العصرية وخصوصا الرياضية منها مع أهداف بيئية سامية، فلا نتوصل إلى استدامة فحسب، بل أنها تكون عنوانا للحياة والاستمرارية، ومثالا يحتذى به في الساحات الرياضية وكافة جوانب الحياة.
وليس مستغربا، أن تعلن عمدة باريس آن هيدالغو Anne Hidalgo، أنها ستقدم ميدالية الشرف “غراند فيرماي” the Grand Vermeil الفرنسية
إلى مشجعي فريق إيرلندا لكرة القدم، بسبب “الروح الرياضية”
The Mayor of Paris will award the Grand Vermeil Medal to the Rep of Ireland soccer fans for their sportsmanship! pic.twitter.com/QKloarTaE2
— Morning Ireland (@morningireland) June 29, 2016
التي أظهروها في بطولة كأس أوروبا في كرة القدم Euro 2016 ، وهي الجائزة التي تمنح عادة لمن يقدم “عملا رائعا للعاصمة”، وقد أثبت المشجعون الإيرلنديون بتصرفاتهم في مباريات الفريق العديدة، وعلى الأرض الفرنسية، وتعاملهم مع مواطني فرنسا والأجانب، أنهم مثال في الرقي والتحضر، خصوصا، أن هذا الإجلال والتكريم وكلمات الثناء أتت من الجميع ومن كافة الجنسيات.
لمحة عامة
لعبت إيرلندا في المجموعة Group C، وكانت أولى مبارياتها في 13 حزيران (يونيو) مع السويد وخرجت منها بتعادل بهدف لكل منهما، وخسرت أمام بلجيكا في 18 حزيران (يونيو) بثلاثة أهداف نظيفة، وفي 22 حزيران (يونيو) فازت للمرة الوحيدة بهدف أمام إيطاليا، لتتأهل للدور الـ 16 وتصل في مسيرتها الأخيرة في Euro 2016 أمام فرنسا بهدفين لهدف، ولم يقم المشجعون الإيرلنديون بتكسير المقاعد على رؤوس المشجعين الإيطاليين، أسوة بما قام به المشجعون الروس والإنكليز، بل أطلقوا ورددوا هتافات تهنئة، ولم يكتف المشجعون الإيرلنديون بالتعامل برقي أخلاقي فحسب، بل ساهموا بتنظيف أرض الإستاد من الزجاجات الفارغة، وقد أحضروا لهذه الغاية الأكياس التي وضعوا فيها الزجاجات والقمامة.
وما احتاجت هذه الأمثلة البيئية الرياضية للصراخ والأصوات التي يطلقها المشجعون عادة، ليحتل هذا المثل الرائع في التكامل الإخلاقي الرياضي البيئي صفحات التواصل الإجتماعي والصحافة العالمية، ومدعاة فخر للإيرلنديين، وإعلانا مجانيا في المجالات السياحية والتنموية لبلد مغمور نوعا ما، بدأ يستقطب اهتماما غير مسبوق.
والأغرب في الأمر ما ساقته صحيفة Derry journal الإيرلندية، وأشارت في مقال عن عودة المشجعين بعد خسارة الفريق أمام فرنسا في ليون يوم الأحد 26 حزيران (يونيو)، أن أحدهم وهو عمدة مدينة ديري الإيرلندية مارتين مولان Martin Mullan كان فخورا بحضور مباراة بلاده مع فرنسا مع ابنه بيري Barry، وكان متفاجئا، إذ لم يسمع بين المدرجات إلا التهليلات الإيرلندية من المشجعين الإيرلنديين والفرنسيين على حد سواء، وقال: “لقد خسرنا المباراة، لكننا كسبنا قلوب الملايين”، وأضاف: “ونحن نسير إلى الملعب كان الصوت الوحيد المسموع الهتافات الايرلندية، وهذا لأن الفرنسيين كانوا يغنون معنا، وكان الأروع سماع المجاملات والكلام الجميل، عن أننا الإيرلنديون من أنقذ اليورو 2016”.
ممارسات بيئية واخلاقية
لم يكتفِ المشجعون بتنظيف أرض الملعب،
The Irish cleaning up after themselves in France. Touch of class. #EURO2016 #IRL pic.twitter.com/Jg1XGe1tjG
— Football__Tweet (@Football__Tweet) June 16, 2016
بل أنهم عندما ألحقوا ضررا بسيارة، بدأ الجمهور بوضع المال من خلال نوافذ السيارة لإصلاحها، وقاموا بمساعدة زوج من الكهلة الفرنسيين بتغيير إطار سيارتهم، كما تقبلوا الخسارة أمام الفرنسيين بروح رياضية
The Irish shake hands with the French supporters at the full whistle. #COYBIG #IRLFRA #EURO2016 pic.twitter.com/arINY1tdXJ
— Today FM (@todayfm) June 26, 2016
أمل ورقي
الحضارة لا تقاس بالمباني المشيدة والترف والغنى في الثروات والمناظر الطبيعية والتغني بآثار الأجداد والتراث، بل بما يرافق ذلك كله من أخلاق وقيم وممارسات بيئية وتنموية، لا سيما المحافظة على ما مُنِحنا من نعم في هذا العالم، وليس في بيوتنا، وقرانا ومدننا وبلادنا فحسب، بل في كل مكان في هذا الكون الشاسع قد نصل إليه، ونسوق المثل الإيرلندي ونوليه الإهتمام ليكون مثالا يحتذى به، في كل وقت وموقف ومقاربة لمشاكلنا الخاصة والعامة، وليس درسا تلقينيا للأجيال الناشئة بل ليكون ممارسة عملية، ونقل رسالة وصورة راقية ونفحة من الأمل والرقي والأخلاق للأجيال القادمة.