قد لا تكون نيودلهي الهندية المدينة الأكثر تلوثا في الجو فحسب، بل أن نهر الـ “يمونا” Yamuna أحد أهم روافد نهر الغانج، ملوث إلى درجة خطرة، خصوصا مع وجود أكثر من 18 مجرور صرف صحي كبير ،ويسمى بالهندية nullahs و20 ألف مصرف أصغر حجما، ويُفَّرَغ في هذا النهر ما نسبته 58 بالمئة من مياه الصرف الصحي لمدينة نيودلهي، فضلا عن أن شوارع هذه المدينة فوضوية ومزدحمة، فإنه من المتوقع أن تزداد الأمور سوءا، مع أكثر من 1400 سيارة تضاف إلى الطرق يوميا، ومع تجاوز التلوث الضوضائي اللوائح التي وضعها المجلس المركزي الهندي لمكافحة التلوث، وفقا للجنة مكافحة التلوث في نيودلهي، وبالفعل فقد سجلت المراجع العلمية أواخر العام المنصرم انخفاضا في نوعية الهواء إلى مستويات “سيئة للغاية“.
Morphogenesis والمخطط المستدام
أعدت الشركة الرائدة في مجال الهندسة المعمارية Morphogenesis، في العام 2009 (تعني كلمة Morphogenesis حرفيا التخلق والتشكل، وفي علم البيولوجيا عملية التشكل الخارجي والشكلي للصيغة الوراثية)، مخططا حضريا مستداما لتنشيط شبكة الممرات المائية الملوثة الـ (nullahs) في نيودلهي، فضلا عن إنعاش وإعادة إحياء المدينة بتخفيف الازدحام المروري والحد من التلوث.
واقترحت الشركة خطة متعددة الخطوات، تمثلت الأولى بتنظيف مجاري الأنهار وإعادة تدوير النفايات، فالمدينة تعاني من نقص المياه، فضلا عن تلوث مصدر المياه الرئيسي فيها وهو نهر الـ “يمونا“، وللقيام بهذه الخطوة، اقترحت الشركة زراعة ضفاف النهر بنبات القصب العضوي وكائنات عضوية تُرشِّح وتُصَّفي المياه، ومعامل تكرير المياه ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي في نقاط حيث تصب المياه المبتذلة ليصار إلى إعادتها إلى النهر بعد ذلك، بهدف تجديد مياه النهر وخصوصا المياه الجوفية الطبيعية تحت نيودلهي، كما اشتملت الخطة على استعمال أجهزة تهوئة لتنقية المجاري والممرات المائية، وهذه الخطوة بكافة جوانبها صديقة للبيئة وغير مكلفة، بالإضافة إلى الاهتمام بضفاف النهر بهدف تأهيلها وزراعتها بنباتات تساهم في تنقية المياه والأجواء المحيطة.
وتدعو الخطة بعد ذلك، لتدخلات صغيرة في كافة أنحاء المدينة، وبهدف ربط هذه التدخلات التغييرية ومختلف الممرات المائية nullahs، والمساحات الفارغة، منها على سبيل المثال الأزقة القديمة ولا سيما البنى الخدماتية التي لم تعد قيد الاستخدام، لذا توجب استصلاحها وإعادة تصميمها لتكون بمثابة ممرات للمشاة وللدراجات، فضلا عن تحديث تصميم هذه الشبكة لتكون متكاملة مع البنية التحتية لوسائل النقل القائمة، وكذلك لتصل إلى المواقع الموجودة على التراث الاجتماعي والثقافي والطبيعي والتاريخي في أنحاء المدينة كافة، ومع زيادة حركة المرور والاهتمام بهذه المواقع سوف تصبح مرشحة لعمليتي الترميم والتجديد بشكل أساسي لمواكبة العصر وزيادة الإقبال عليها.
خطة عمل يمونا
قد يبدو هذا الحل وكأنه حلم بسبب القدرات الاقتصادية المحدودة للمدينة، لكن شركة Morphogenesis تعتقد أنه أقل كلفة من الخطة الحالية لتنظيف النهر، وهي “خطة عمل يمونا” The Yamuna Action Plan (YAP)، وتتكون هذه الخطة من مرحلتين بقيمة 68 مليار روبية (حوالي مليار دولار)، بينما خطة شركة Morphogenesis يمكن تنفيذها بقيمة تتراوح بين 7.5 مليار و 10 مليارات روبية (مليون و150 مليون دولار أميركي)، وقد بدأ دعم خطة شركة Morphogenesis بواسطة مصادر إعلامية هندية، وبالتالي فإن التمويل اللازم قد يمكن التوصل إليه قريبا، وقد ينعم مواطنو نيودلهي من جديد بواجهتهم النهرية بأمان.
أما “خطة عمل يمونا” فهي مشروع ثنائي بين حكومة الهند واليابان، ويعتبر احد أكبر مشاريع إعادة تأهيل نهر في الهند، وقدمت حكومة اليابان، عن طريق البنك الياباني للتعاون الدولي the Japanese Bank for International Cooperation (JBIC)، مساعدات مالية بمقدار 17،7 مليار ين لتنفيذ المشروع، بالتعاون مع مديرية المحافظة على الأنهر الوطنية the National River Conservation Directorate، وزارة البيئة والغابات the Ministry of Environment and Forests، والحكومة الهندية the Government of India.
وقال المهندس في التخطيط الحضري من نيودلهي مانيت راستوجي “تعود معظم قنوات هذه الشبكة الى 700 سنة، حيث تم توجيه مياه “يمونا” من خلالها لأغراض الري لأماكن مختلفة، إلا أنها تحولت إلى قنوات ناقلة للقذارة في أنحاء المدينة نظرا لقلة المعرفة لإمكانات هذه الشبكة“.
وقدمت الشركة الاقتراح لحكومة نيودلهي في العام 2009، وتصدر الاقتراح الأخبار المحلية في المدينة في فترة التحضير لدورة ألعاب الكومنولث في العام 2010 the 2010 Commonwealth Games، ولكن منذ ذلك الحين تم وضعها في الأدراج، وحاليا فإن حملة على مواقع التواصل الإجتماعي تتجه لدفع الخطة قدما وإكسابها زخما ليصار إلى تنفيذها.