تواجه عشرات القرى على مجرى نهر الليطاني كارثة بيئية لا تقتصر تبعاتها على تلوث المياه فحسب، وإنما تطاول لقمة عيش شريحة كبيرة من المواطنين بدءا من أصحاب المنتزهات مرورا بالعاملين في المرافق السياحية وصولا إلى المواطنين الذين يؤمون هذه المنطقة بحثا عن فسحة للتنزه، وتمضية بعض الأوقات في رحاب الطبيعة على ضفاف الليطاني المستباحة حرمته كنهر يمثل بعض أهم معالم لبنان الطبيعية، قفزا فوق القوانين والأعراف من قبل أصحاب ومستثمري مرامل يحظون بدعم بعض النافذين، فيستبيحون المياه المفترض أن تكون في منأى عن أسباب التلوث، لغسل الرمول ورمي المخلفات من أتربة ووحول في مياه هذا النهر العريق.
ما يهمنا في هذا المجال، أن تتحمل الجهات المعنية في الدولة مسؤوليتها إلى جانب القوى السياسية في هذه المنطقة، أولا لإنقاذ ما بقي من موسم سياحي يفترض أن ينتهي أواخر آب (أغسطس) المقبل، وثانيا لإيجاد حلول ناجزة ترفع كل مصادر التلوث عن النهر، وتكريس الاستدامة التي تؤمن مداخيل للمواطنين، مع مراعاة الأثر البيئي المتمثل بحماية الليطاني من التعديات.
أصحاب منتزهات طرفلسيه
تعالت الأصوات وكثرت المناشدات عبر موقعنا greenarea.info لنكون حاضرين في الإطلال على المشكلة القائمة، فتوجهنا أمس إلى المنتزهات القائمة على ضفتي النهر، ولا سيما في بلدة طرفلسيه (قضاء صور)، واستمعنا إلى معاناة المواطنين، وأشار حسين عياد المتحدث باسم أصحاب 40 منتزها في طرفلسيه وحدها، فأشار إلى أن لهذا التلوث أسبابا عديدة، لكن بالنسبة للتلوث الآن والقائم منذ أكثر من سنة، يتمثل في أن مياه النهر تتحول إلى وحل بكل ما للكلمة من معنى”.
وقال: “حاولنا ان نستطلع الامر فتبين أن هناك جبالا فوق (الخردلي) فيها مرامل، ويُــمنع الناس من الاقتراب من قبل القيمين عليها، ولكن تبين أنهم يقومون بغسل الرمل بأساليب حديثة ويرمون المتبقيات في مجرى النهر، فتصبح المياه موحلة”، وأشار إلى أن “هذا الأمر يؤثر على 200 من المنتزهات المنشرة إلى حدود طرفلسيه في مجرى الليطاني”، وأشار إلى أن “لدي منتزها موجودا على بعد أكثر من عشرة كيلومترات والوحل موجود هنا كما ترون رغم هذه المسافة البعيدة”.
2500 فرصة عمل
وقال: “لمعرفة حجم المعاناة التي تطاول أبناء هذه المنطقة، لا بد من أن نذكر أن كل منتزه من هذه المنتزهات المئتين يؤمن كحد أدنى فرص عمل لخمسة أشخاص، أي لـ 2500 شخص، أغلبهم طلاب جامعات ومدارس يستفيدون من الفرصة الصيفية، ونحن كمنتزهات موسمية نستعين بهم، فضلا أن مئات المحال المنتشرة في القرى على ضفاف نهر الليطاني تساهم في خلق حركة تجارية، ونحن نستقبل عادة مئات الآلاف من المتنزهين من أصحاب الطبقة الوسطى وذوي الدخل المحدود والفقراء، لأن منتزهاتنا شعبية، فبعض الناس يأتون ويحضرون معهم الطعام ويدخلون لقاء رسم مالي لحجز طاولة”.
ولفت إلى أن “الحالة مشلولة كليا فأي مواطن يأتي ويرى مشهد المياه الموحلة يعود أدراجه”، وأكد أن “هؤلاء مدعومين من القوى الفاعلة في المنطقة وبعض الأشخاص هم من المستفيدين من الموضوع، حاولنا لقاء مرجعيات عدة في المنطقة ولكن بدا أن البعض عندما يتوجهون إلى موقع المرامل يحصلون على (هدايا وعطايا)، ومن ثم يعودون لاقناعنا بأن هذا الامر فيه افادة لنا ولهم، علما أن هؤلاء لا يتجاوز عددهم العشرة أشخاص، ولا نقبل أن نتوسل من فلان وعلان، وأحد الشركاء مع هؤلاء قال لي أنه يحصل على عشرة ملايين ليرة في الأسبوع!”.
وقال عياد: “قائد الفصية اعطى أمرا بالاعتقال، لا نعرف ان تم توقيفهم لكن ما نعرفه ان المياه ما تزال موحلة”، لافتا إلى أن “الموسم شهران فقط تموز (يوليو) وآب (أغسطس)، فهل يرديون أن نلجأ الى السلبية وقطع طرقات؟ وهذا ما يتسبب بمشاكل كبيرة، لأن الموضوع لا يقتصر على أصحاب المنتزهات فحسب، وإنما هناك حلقة كبيرة من المتضررين بما فيهم المتنزهين غير القادرين على التوجه الى مجمعات ومنتجعات سياحية”.
ورأى عياد أن “على المعنيين بالشأن البيئي أن يكونوا الى جانبنا وكذلك الإعلام”، مشيرا إلى أنه “ثاني يوم العيد كان من المفترض أن يستقبل كل منتزه ما بين 60 و 70 زبونا، الآن الساعة 2 بعد الظهر ليس لدي سوى شخصين فقط، وكذلك الأمر بالنسبة لكل المنتزهات”.
دكتور قديح: حالة كارثية
وفي هذا السياق، وبعد الوقوف على معاناة المواطنين ومستثمري المقاهي والمرافق السياحية الموسمية، أشار الخبير البيئي في greenarea.info الدكتور ناجي قديح إلى أن “نهر الليطاني مكون من جزئين، الجزء الاعلى حيث يلتقي ببحيرة القرعون، وهذا الجزء من النهر درجة التلوث فيه عالية جدا، باعتبار أن كل النفايات السائلة الصناعية والصرف الصحي يصب فيه، بالإضافة إلى وجود مكبات نفايات، فضلا عن المبالغة باستخدام المبيدات الزراعية، ما يعني أن نسبة تلوث عالية جدا جدا في بحيرة القرعون”، وقال: “أما الجزء الثاني من نهر الليطاني فيبدأ من بحيرة القرعون إلى القاسمية عمليا، وهو يتكون من عدد كبير جدا من الينابيع التي تنبع في هذه المنطقة، يعني أن لا علاقة كبيرة لهذا الجزء بالجزء الأعلى من الليطاني، ذلك أن عددا كبيرا من الينابيع تساهم في تكوُّن النهر من القرعون إلى القاسمية”.
وقال قديح: “حتى الأمس القريب كان هذا الجزء من النهر نظيفا، وكان عدد مجاري الصرف الصحي التي تصب فيه محدودا، وعمليا كانت درجة التلوث ضئيلة ومقتصرة على المقاهي في فصل الصيف، وكان الناس يمضون العطلات وأيام الأعياد على ضفتيه، وكان وضعه مقبولا جدا، ولكن منذ فترة بدأنا نسمع أن النهر تلوث كثيرا مع ازدياد مجاري الصرف التي تصب فيه من جهة، والكارثة التي يتعرض لها الآن، والتي نراها نتيجة المرامل وغسل الرمل ورمي النفايات السائلة بالنهر، ما أدى إلى ارتفاع نسبة الوحول والترسبات في المياه، لدرجة باتت تهدد الأسماك في النهر وتعرضه للنفوق، لأن المياه العكرة تقفل خياشيمها، ما يعني القضاء على الثروة السمكية”.
تنظيم تحركات احتجاجية
ولفت قديح إلى أن “المياه العكرة تعرف علميا بـ solide en suspension، وهي عبارة عن مواد صلبة بحالة نصف ذوبان، أي غير ذائبة كليا وتتكون من جزيئات متناهية الصغر، وهي التي تؤدي إلى نفوق الأسماك”، وقال: “عندما تضاف إليها النفايات السائلة الناجمة عن الصرف الصحي وما تخلفه المصانع الموجودة بالمنطقة، فذلك يعني عمليا أن النهر يواجه حالة كارثية في التلوث الحاصل فيه، وفقد قيمته السياحية، وما عاد الناس يقصدونه للترفيه وقضاء فترة الأعطال والأعياد لانه أصبح غير صالح للسباحة”.
وأشار إلى أن “بعض الناس الذين سبحوا في النهر أصيبوا بطفح جلدي، وهذا يؤكد أنه يجب إجراء تحليل للمياه لمعرفة ما إذا كانت صالحة للري”، واعتبر قديح أن “هذه المسألة تتطلب تدخل السلطات المعنية للبحث في تأمين معالجة جذرية لما هو قائم، لأنه إلى الآن ما تزال المعالجات شكلية غير فعالة”، وقال: “تناهي إلينا أن هناك تحضيرات اتنظيم تحركات احتجاجية من قبل المجتمع المدني في القرى والمناطق المعنية القريبة من النهر، وبرأيي يجب مواكبة هذه القضية ونكون إلى جانب أهلنا فهذه القضية قضيتنا، ويجب معالجة التلوث بطريقة جذرية، ففي السابق كنا نمضي اياما رائعة على ضفافه، ولكن مع الاسف ما عاد صالحا لشيء نهائيا، وهذا لا يخدم مصالح اللبنانيين ولا اصحاب المقاهي ولا السياح، واهالي الجنوب بحاجة لاستعادة النهر نظيفا ليعودوا لممارسة حياتهم العادية، وتمضية أوقات جميلة هي من حقهم، وبشكل غير مكلف، وهذا ما يلبي مصالح الناس من ذوي الدخل المحدود”.
من الخردلي الى شحور
وكان رئيس بلدية زوطر الغربية رئيس “لجنة المتابعة لقضية تلوث نهر الليطاني” حسن عز الدين، أشار أول أمس إلى أن “نسبة تلوث مياه الليطاني بلغت 37 بالمئة”، وقال في بيان إثر جولة له مع عدد من الخبراء والمهندسين من مكتب الخدمات المركزي في حركة “أمل” على طول نهر الليطاني من الخردلي الى شحور ان “نتائج فحص مياه نهر الليطاني في مختبرات مؤسسة مياه لبنان الجنوبي أظهرت تلوث مياه الليطاني بنسبة 37 بالمئة”.
وأضاف “تم تحذيرنا من السباحة في مياه النهر او استخدامها لري المزروعات بسبب كثرة الجراثيم التي تحتويها بسبب الصرف الصحي والتي تسبب التسمم والتيفوئيد (اسيرشيياكولي- كولي فورم- سلمونيلا)، بالإضافه الى تلوث ارض النهر بالجراثيم المعروفة باسم سيرومونا. وقد بلغت نسبة التلوث 37 بالمئة في حين انها يجب ان تكون 2 بالمئة”.
حملة سكروا المرامل
وتابع عز الدين: “أمام هذا الواقع المزري والمخزي وبعد سلسلة تحركات قمنا بها مع حملة (سكروا المرامل) ومع البلديات المحيطة بالنهر، ورغم المناشدات الاعلامية، وبعد ان بحّ صوتنا ونحن نطالب بإقفال المرامل التي تقوم بغسل الرمول فوق النهر والتي تسبب التلوث، فضلاً عن مياه الصرف الصحي التي تصب في النهر من عدد من البلديات المجاورة، فإننا متجهون للتصعيد بعد العيد وتنفيذ اعتصامات أمام السرايا الحكومية في النبطية وصيدا وأمام مجلس الوزراء في بيروت، حتى تتخذ الدولة الاجراءات الرادعة وتقوم بإقفال غسل الرمول ووقف مجزرة البلديات التي تصب مياه الصرف الصحي في النهر وهي معروفة وسوف نعلن عنها في الاعلام قريبا”.