استمرت مهزلة الاستدعاءات لناشطين من عين دارة رافضين لمشروع الإسمنت والمجمع الصناعي المزمع إنشاؤه في منطقة ضهر البيدر في أعالي البلدة، في ظاهرة بدت على كثبر من الهزل والسخرية، وكأن بعض القيمين على السلطة السياسية والقضائية يؤثرون تبرئة المجرم ومحاسبة الضحية.
فقد توجه الأخوان الدكتور انطوان والمهندس عبدالله حداد الساعة العاشرة اليوم من ضمن 25 شخصا مدعى عليهم، إلى المفرزة القضائية في بعبدا، علما أن الإدعاءات الموجهة تشبه السابقة الصادرة في 10 حزيران (يونيو) للمهندس عبدالله حداد وآخرين، وبمجملها وفقا لما قاله لـ greenarea.info المهندس حداد في اتصال معه “ادعاءات فارغة منها الابتزاز، وإساءة سمعة، والتعدي على القرارات القضائية، وتزييف الحقيقة وتشويه الواقع وغيرها”، وأشار حداد أنه “خلال التحقيق لم ترد أية واقعة أو دليل لها علاقة بهذه التهم”.
وقد واكب المجموعة أعضاء من المجلس البلدي في عين دارة، ضم رئيس المجلس العميد السابق فؤاد هيدموس والمختار أنطوان بدر مارون بدر، كما حضر مسؤول الحزب التقدمي الإشتراكي في عاليه خضر غضبان، وزياد شيا (الجرد)، نسيب زيتونة (عين دارة) ومسؤول “القوات اللبنانية” شارل يمين (عين دارة) وكمال خير الله (عاليه)، منسق مجموعة اصدقاء عين دارة مارك ضو وعدد من الأهالي من بينهم العميد سليمان يمين المهندس نضال حداد.
وقال حداد أن “الخطوة التالية هي ما ستقوم بها بلدية عين دارة”، أما المهندس حداد فأشار إلى أنه “محتفظ بحقوقي القانونية بالرد”.
وليست المرة الأولى التي يُستدعَى فيها المهندس عبدالله حداد ببلاغ من آل فتوش إلى النيابة العامة، وربما لن تكون الأخيرة، وبعد مخفر المديرج، تم استدعاؤه إلى المفرزة القضائية في بعبدا، إنما هذه المرة مع شقيقه أمين سر حركة التجدد الديموقراطي الدكتور أنطوان حداد اليوم الإثنين في 12 تموز (يوليو)، في أسلوب يتبعه بيار فتوش منذ زمن ليس بقصير، طاول عددا من ناشطي المجتمع المدني في عين دارة، لأهداف عدة، ولكن هذا لم يردع الأهالي عن متابعة خطواتهم بهدف إيقاف المجمع الصناعي المزمع إقامته في أعالي بلدتهم.
عبدالله حداد: ادعاءات فارغة
وقال المهندس عبدالله حداد لموقعنا greenarea.info: “هذه ليست المرة الأولى لعملية الإستدعاء هذه، ففي المرة الأولى، منذ ثلاثة أسابيع استدعيت نتيجة ادعاءات فارغة، ولم أكن في عين دارة حينها، عندما حاول بيار فتوش انتزاع رخصة إنشاءات من موظفة في بلدية عين دارة، وقدم أهالي عين دارة بالمقابل برئاسة المختار انطوان بدر شكوى بحق فتوش، ونفذوا اعتصاما أمام المخفر، فضلا عما تلاها من تحركات، وهنا يهمني أن أشيد بدور المجلس البلدي عين دارة على رأسه العميد فؤاد هيدموس، ومواقفه المشرفة لجهة قضايا جبل عين دارة ومشروع معمل الإسمنت الضخم والمجمع الصناعي الكبير، وهذه الإستدعاءات لا تندرج إلا ضمن حرب العصابات الإجرائية، التي يشنها بيار فتوش على كل الناشطين المدنيين في عين دارة، وفي طليعتهم هيئة المبادرة المدنية ولي الشرف أن أكون من ضمنها، وقد تولينا تنسيق كل الحراك المدني والشعبي والسياسي والقانوني المتعلق بهذه القضية، ونسعى لإلغاء التراخيص المعطاة من وزارتي البيئة والصناعة لمجمع الموت الصناعي في عين دارة، إلا أن هناك نوعا من السرعة في الإستدعاءات نستغربها، حيث بمجرد أن يختار بيار فتوش 15 شخصا ويدعي عليهم، وبمعظم الأحوال ومنها حالتي شخصيا بادعاء كاذب، يتحرك التحقيق ويُسْتدعى الناس بسرعة قصوى، فهذا الموضوع يحتاج للانتباه، فإن ما يتوقعه المواطنون من السلطات العامة ردع المفتري والكاذب قبل كل شيء، ليتم افهامه ان استغلال الإجراءات القضائية ليس أمرا سهلا ومتاحا وممكنا، بدلا من أن يتجه لتكرارها وهذا في الشق الإجرائي في هذا الموضوع”.
وأضاف حداد: “نحن في هيئة المبادرة المدنية مجموعة خبراء وأهالي وضعت إمكانياتها بتصرف قضايا مجتمعها وبلدية عين دارة، ونحن كمهنيين، مهندسين وإداريين وأصحاب شركات، نقوم بهذا النشاط بشكل تطوعي، ويترتب على هذه الإستدعاءات مضيعة وقت وأضرار، كون جزءا من أشغالنا يتعطل خلال هذا الوقت، والقسم الأكبر من هذه الأضرار ناتج عن تشويه سمعتنا، ووجودنا بهذا الشكل المتكرر في المخافر يشكل ضررا معنويا، فضلا عن الضرر المادي علينا، ولن نتردد للحظة بممارسة حقوقنا القضائية، بالإدعاء وبتعويض الأضرار الناجمة عن الإستغلال المسرف للإجراءات القانونية، والإدعاءات الكاذبة والإفتراء الذي يمارسه السيد بيار فتوش”.
وأردف حداد: “كل أهلنا والمجلس البلدي في عين دارة وفي طليعتهم رئيس البلدية العميد هيدموس متضامنين معنا ومع أنفسهم، نحن لسنا الوحيدين الذين تم استدعاؤهم، ولم نتفاجأ بالمحبة والتضامن الشخصي من الجميع من الأهل والقوى السياسية والبلدية، ولكننا في النهاية أصحاب قضية واحدة وقضيتنا إعادة سيادة القانون على جبل عين دارة، وإعادة هذه المنطقة إلى كنف الدولة، وإبعاد شبح الموت عن جبل عين دارة، وتفادي التوصل في النهاية إلى الهجرة من بلدتنا، وأن تتحول البلدة إلى رماد تحت البركان الإسمنتي الذي يحاول بيار فتوش خلقه في عين دارة، واستمراره بتدمير الطبيعة عبر المقالع والكسارات التي تمارس نشاطها بشكل غير قانوني كونها مخالفة لمرسوم تنظيم المقالع والكسارات، ولأنها مخالفة لشروط الترخيص، ولأنها متمددة عموديا وأفقيا بشكل لامتناهٍ ومخالفة لأية قواعد تجليل وإعادة تأهيل للمواقع، واحترام للطبيعة وللمواقع الطبيعية، وهي مخالفات تحدث تحت أنظار الدولة اللبنانية، من بداية الحرب الأهلية وحتى اليوم، واستمرت للأسف بعد العام 2005، وهدفنا هو المباشرة بإلغاء كافة التراخيص، أما قضيتنا فهي جبل عين دارة بأكمله، وإعادة هذا الجبل إلى كنف السيادة والقانون والدولة اللبنانية، وضمن هذه الأهداف فمن الطبيعي أن أهلنا والمجلس البلدي ومحمية أرز الشوف وقوى سياسية ومدنية أن تتضامن معنا، فإن الشعب اللبناني يتضامن مع نفسه بهذا الموضوع”.
مظلة تلوث
ونظمت بلدية عين دارة ندوة علمية بعنوان “مخاطر الصناعات الملوثة” في قاعة كنيسة مار الياس في البلدة، بحضور جمع من أهالي القرية وفاعليات لتسليط الضوء على مخاطر وسلبيات “معمل الموت” المزمع إنشاؤه في أعالي عين دارة، وقدم الندوة العضو البلدي ميشال بدر.
وتحدث رئيس بلدية عين دارة العميد المتقاعد فؤاد هيدموس، مؤكدا “وقوف البلدية مع أبنائها في ما يواجههم”، وعلى المتابعة بالوقوف بمواجهة هذا المشروع، وقال: “يحاول فتوش تهجيرنا من عين دارة، ولكن بوقوفكم ودعمكم وثباتكم وثباتنا نحن، لنقول له أهالي عين دارة أكبر منك، ولن تقدر، وهذا ما قلناه له وجها لوجه”.
ثم قدم بعدها المهندس جان بدر مقاربة علمية، وشرحا مفصلا عن مخاطر إنتاج الإسمنت، خصوصا بالكميات الهائلة المزمع إنتاجها، وقال: “معامل الإسمنت تساهم بـ 5 بالمئة من غازات الإحتباس الحراري عالميا، وفي المعمل المزمع إنشاؤه، فالتلوث يحصل على مراحل سبع، ولكن التلوث لا حدود له، وخصوصا بعملية الإنتاج المقدرة بحوالي مليوني متر مكعب سنويا، ينتج منها 6،300 ألف طن سنويا، أي 210 آلاف شاحنة تحمل كل منها 30 طنا سنويا، أي بمعدل بين 600 إلى 700 شاحنة تخرج يوميا من هذا المعمل إلى التوزيع، ويمكننا أن نتخيل خروج 600 شاحنة على طرقاتنا وعبر قرانا، وماذا سيحصل بها”، وأكد بدر على “خطر إقامة هذا المجمع بشكل مضاعف في عين دارة بسبب ارتفاع موقعها ما يهدد بإنشاء ما وصفه بـ “مظلة تلوث” تهدد عين دارة والمناطق المحيطة وقد يصل إلى أقاصي لبنان وحتى إلى سوريا، “بسبب كمية التلوث الناتجة وموقع عين دارة المرتفع وفي وسط البلاد”.
الأمطار الحامضية أيضا
وقال الخبير البيئي من “هيئة حماية البيئة في شكا” بيار أبي شاهين: “اننا نناضل منذ العام 1991 في شكا، فلا تستسلموا لإغراءات فرص العمل، والوظائف والوعود بالكهرباء والماء المجانيين، فمعامل شكا لا يعمل فيها سوى 120 عاملا من أصل 1000 وعدوا بالعمل في بداياته، ويسرقون الكهرباء، وأما الماء فشكا تحتوي أكبر بحيرة جوفية في لبنان وبركا للمياه يمكنها أن تروي كل لبنان الشمالي وأجزاء من بيروت، وتسرق المياه أيضا بقساطل قطرها 60 سنتمترا من أمام أهل الشمال وشكا، وتتلوث بما تنتجه هذه المعامل، وليس ذلك فحسب، بل ان الغاز المنبعث يمتزج مع الرطوبة بالجو والأمطار، مؤديا إلى أمطار حامضية تحرق كافة المزروعات، فلا مواسم، وللأسف فهذه المشاريع تستحصل على مهل إدارية من المحافظة، لا يمكن الشكوى عليها، بالإضافة إلى معمل الإترنيت ونحن نعاني منه منذ أكثر من رواسبه وتداعياته وحالات السرطان الناتجة منه منذ خمسين سنة، وكما فهمت، فإن هذا المجمع الصناعي سيشمل معامل عدة منها معمل الإترنيت المقفل والذي يموت بسببه العديد من الأشخاص سنويا، وهناك مادة الكلينكر السامة، على شكل تلة على شاطئ البحر، والتي هي معروفة بكونها مادة مسرطنة، فالخطورة منذ بدء المشروع فعليكم إيقافه بكافة الوسائل، وإلا لن تستطيعوا التخلص منه بعد ذلك”.
ومن ثم كانت مداخلات من المهندس عبدالله حداد، ومن مسؤول الجرد في الحزب التقدمي الإشتراكي زياد شيا، وممثل التيار الوطني الحر سيزار أبي خليل.
كشف السرية المصرفية
وقال أنطوان حداد: “انه امتحان مصيري يقدمه اهالي عين دارة، وجواب أهل عيندارة يعتبر تاريخيا، ويعلن عن رفضهم بالمخطط لتدمير بلدتهم، المتجسد بمصنع الموت الذي يحاول بيار فتوش إقامته، وبالنسبة للإستدعاء فعين دارة تستحق منا التفاني والتضحية، والحمدلله فإن اجتماع أهالي عين دارة كلمة واحدة، ووعي عام، ولدينا بلدية ممتازة، ولم نستغرب أيضا أن القوى السياسية والمدنية تدعمنا”.
وأضاف: “نتجه إلى أصحاب المشروع والتراجع عنه ونقله إلى سوريا كما أشار البعض، وخصوصا أن لدى بيار فتوش مصالح هناك، وسينقل الأنقاض من هناك لطحنها، فبدلا من ذلك يمكنه التوفير في المواصلات في هذا المجال، وهناك مساحات ومناطق شاسعة في سوريا مع توفر المواد الأولية واليد العاملة رخيصة، كما أن أنقاض الأبنية المتبقية من الحرب العالمية الثالثة هناك لا نعلم ما تحتويه من مواد، فالأفضل إبقاؤها هناك بدلا من توسيع نطاق تلوثها إلى لبنان”.
وتابع حداد: “بما أنه يتهمنا بقبض الأموال، فنحن مستعدون لكشف سريتنا المصرفية مقابل كشفهم عن مصادر أموالهم، وبالنسبة للمقاربة العلمية في المحاضرة، فأنا مختص بالكيمياء، وتفاجأت بالمعلومات العلمية الخطيرة التي أوردها الخبراء، لذا أتوجه لأصحاب هذا المعمل بإبعاد خطر هذا المعمل الذي يتجاوز حدود عين دارة ويصل إلى المناطق المجاورة، وبالنسبة للإستدعاءات القضائية التي تحاول ترهيب أهالي عين دارة، فهي لن ترهب أحدا، وأصبحت ممجوجة وأولاد عين دارة سيبقون صامدون”.
وشدد المجتمعون في الختام على أن أهالي عين دارة مدعومون من قرى الجوار والقوى السياسية والمدنية الفاعلة على الأرض، لن يتنازلوا عن حقهم في حماية بلدتهم، أسوة ببلدة بيار فتوش زحلة التي بادرت ورفضت معمل الموت.