ارتفع صوت بعض الناشطين البيئيين خلال الانتخابات البلدية الأخيرة، مطالبين بأن يكون إقفال المرامل أولوية في المرحلة المقبلة، لكن من المؤكد أنه لا يمكننا حصر سبب تلوّث نهر الليطاني بالمرامل فقط، ولا بالوحول الناتجة عن الحفريات، بل يجب تسليط الضوء على ملوثات أخرى أيضاً كمقدمة لإيجاد حلول لها، وأهمها: مياه الصرف الصحي من بعض قرى مرجعيون والبقاعين الغربي والأوسط، مخلفات معامل تصنيع المنتجات الزراعية والحيوانية (معامل اجبان وكونسروة ومصانع المحارم الصحية، معامل السكر، مزارع الدواجن والمسالخ وغيرها)، وأيضا هناك دباغات، مستشفيات وخصوصا في منطقتي البقاعين الغربي والأوسط، إضافة إلى الإستعمال غير المدروس للمبيدات والأدوية الزراعية، المياه الملوثة المتبقية في برك الري بجوار النهر، ويجب التأكيد من حجم الضرر الذي يسببه صيد الأسماك بالديناميت أو بالسم أو بالصعق الكهربائي!

وبالتوازي، لا بد من التنبه الى خطأ قديم كانت الدولة اللبنانية أول من ارتكبه، وذلك إعتباراً من عام 1986، وتمثّل في حفر شبكات صرف صحي وعدم توفير محطات تكرير وربطها بها، فتحوّلت مياه الصرف الصحي الى النهر، وهذا الأمر لا زال قائماً في عشرات البلدات البقاعية، مع الحديث عن أن ثمة عوائق مالية تحول دون تنفيذ مشاريع محطات تكرير مياه الصرف الصحي.

وهنا نسأل، هل الدولة عاجزة عن صرف مبالغ مالية بالتدريج أم أن المناطق الزراعية ليست من أولوياتها؟ هل تواصلت مع مانحين أوروبيين؟ الجواب طبعاً لا. فهل يظن أهل الحكم أنّ أضرار التلوّث يصيب منطقة معينة أو شريحة محددة؟ إن كانوا يعتقدون ذلك فهم بالتأكيد واهمون.

انتهت الإنتخابات البلدية منذ أسابيع عدة وفاز من فاز وخسر من خسر، ومع ما وصلت إليه كارثة التلوث، على البلديات المحاذية لنهر الليطاني أن تسارع إلى توحيد مطالبها في إيجاد حل لتلوّث هذا النهر الفائق الأهمية، وذلك عبر الإتحادات البلدية، ووضع الوزراء والنواب ورئيس المجلس تحديداً أمام مسؤولياتهم، لأن الإستمرار في إدارة الظهر لوجع الناس وإهمال مصالحهم وبيئتهم وصحتهم ومصادر عيشهم، سيؤدّي حتماً إلى ظهور حالات إعتراضية لا يمكن ضبطها.

لا يظننّ أي لبناني وبالأخص الجنوبي، أنّه بمنأى عن التأثر بتلوّث نهر الليطاني، لأنّ الري بمياه النهر الملوّثة بجراثيم ومواد كيماوية، يؤدي إلى انتقال تلك الملوّثات والبكتيريا إلى التربة والمحاصيل الزراعية من فاكهة وخضار، وبالتالي إلى وصولها إلى أجساد المواطنين. ولا يظنن من لديه بئراً ارتوازية أنّه سيبقى بمنأى عن آفة تلوث النهر، التي هي في طريقها الى المياه الجوفيّة وذلك بحسب خبراء بيئيين.

لماذا استحالت المروج الخضراء والمياه العذبة الى مياه حمراء أو سوداء مثيرة للاشمئزاز ومسببة للأمراض؟ فهذا النهر يسبح فيه أطفالنا، وتشرب منه المواشي، وتُسقى من مياهه أراضينا المزروعة من سهل البقاع الى القاسمية، فلا يظنن أحد أنه بمعزل أو بمأمن عن تأثيرات تلوثه على صحته وصحة أسرته.

من المسؤول عن تلويثه؟ من المسؤول عن تنظيفه واعادته خالياً من التلوث؟ هل يمكن انقاذ النهر؟ بالتأكيد، ولكن شرط توفر إرادة جماعية حقيقية، علينا أن نطالب بلديات حوض النهر تحديداً أو القريبة منه (برج رحال، بدياس، أرزاي، الخرايب، دير قانون النهر، الحلوسية، طرفلسيه، زرارية، شحور، صير الغربية والشرقية، كفرصير، صريفا، الغندورية، قعقعية الجسر، فرون، زوطر الغربية والشرقية، الطيبة، القنطرة، دبين، دير ميماس، بلاط، مروراً بالبقاع الغربي، سحمر، يحمر، مشغرة، القرعون، وصولا الى بلدات غربي بعلبك، من بر الياس الى تمنين، بدنايل، حوش الرافقة، وصولا الى بريتال بالقيام بواجباتها، كل واحدة حسب قدراتها، ولنضع نواب المنطقة والوزراء أمام واجباتهم تجاه هذه الكارثة البيئية، ألم يحن الوقت ليتخذوا قرارات واضحة في هذت المجال؟ فأية جريمة ارتكبناها بحق نهر الليطاني الذي لطالما طمع الكيان الصهيوني بمياهه وشن حروباً مطلقاً عليها اسمه؟

أخيراً، إنّ الحماية من الفساد هي صنو الحماية من الإرهاب والصهيونية، فالفاسد يقيدك ويحتلك ويقتلك أيضاً، يلوّث أنهارك وشواطئك فيمنعك عنها، ويحتل بيئتك وهواءك الذي تتنفسه، وتسبب مخالفاته أمراضاً يقتلك بها، فإلى متى سنبقى صامتين كالمياه الراكدة، حتى نأسن ونموت ببطء!

 

*دكتور بالعلوم السياسية – جامعة ليون الفرنسية

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This