حيال مشروع المجمع الصناعي المزمع إقامته في عين دارة، إلى جانب “جبالات الاسمنت” لا يمكن لموقع greenarea.info إلا الإنحياز للحقيقة، للمواطن، للقانون، ولسائر المسلمات البيئية البديهية، خصوصا لجهة ما نراه بأم العين من تشويه لتلال ووديان وقضمٍ لجبال، أو ما تبقى في واحدة من المواقع المصنفة تاريخيا “مراكز تزلج”، أما بالنسبة للمواطن الذي يغزو الغبار الملوّث بيته، ويملأ رئتيه ويغطي حقوله، فضلا عن المياه الملوثة نتيجة أعمال تفجير الصخور وغيرها، وبحسب خبراء التقيناهم على هامش الندوة العلمية التي نظمت نهاية الأسبوع الماضي، فإن هذا التلوث سيكون على سبع مراحل، تتبع مراحل تصنيع الإسمنت، وسيكون نتاجها – عدا الغبار والدخان والجزيئات الدقيقة الخطرة على الجهاز التنفسي والجسد بأكمله – اتساع “مظلة التلوث” لتطاول مساحات شاسعة قد تضر المناطق المحيطة بعين دارة.
بيان المكتب الاعلامي لبيار فتوش
في هذا السياق، جاء بيان السيد بيار فتوش بعد استكمال مهزلة الاستدعاءات بحق ناشطين في البلدة رافضين لما أسموها “مصانع الموت”، منتقدا “منطق تسيب عين دارة عن سلطة القانون، وأنها تحت سلطة رئيس بلدية ومختار”، ومتهكما “انها ليست جمهورية مستقلة تحكم بقوانين رئيس بلدية ومختار” لتستحضر مقاربة فاضحة لتسيب جبال عين دارة وإبقائها بعيدة عن أية سلطة، في ما عدا سلطة المقالع والكسارات.
والحقيقة أن جبال عين دارة ومنذ الحرب (1975-1989) وحتى الآن، لم تكن خاضعة إلا لسلطة أمن المقالع والكسارات، التي تمنع أي شخص من التواجد بالقرب منها، أو حتى تصوير المنطقة، حتى أن الندوة العلمية التي نظمتها “هيئة المبادرة المدنية في عين دارة” بالتعاون مع مجلسها البلدي، لم تسلم من بيان مكتبه الإعلامي، الذي اعتبر أن “رئيس بلدية عين دارة يستمر في تنظيم حملات التحريض والإفتراء والتعدي على الكرامات من خلال إطلاق سهامه على رجل الأعمال، السيد بيار فتوش ومشاريعه الإستثمارية في النطاق العقاري للبلدة.
وكانت آخر حملات التحريض هذه تلك التي نظمها مساء السبت الواقع فيه 9 تموز (يوليو) 2016 حيث جمع عدداً من الناشطين البيئين الذين جاءوا من بيروت مدعومين بمناصرين لأحد الأحزاب السياسية، إضافة الى بعض أبناء البلدة.
وفي هذا اللقاء أعاد رئيس البلدية إطلاق الشائعات والإتهامات بحق السيد بيار فتوش ومعمل الإسمنت الذي ينوي إقامته على أراضي في منطقة ضهر البيدر”، وأوردنا مقدمة البيان حرفيا، كون الندوة مبنية على دراسات واحصاءات علمية دولية، فهل سيدّعي فتوش على أولئك أيضا بالقدح والذم؟
تسييس الملف
ويذهب فتوش أبعد من ذلك، عندما حاول التوظيف في السياسة، وإثارة النعرات الطائفية، إذ أشار إلى أنه “سمح (رئيس البلدية) للمشاركين بالإضاءة على مخاطر التلوّث الناتجة عن تشغيل معمل الإسمنت في شكا، والذي تملك إحدى المؤسسات الدينية المسيحية قسماً من أسهمه، ولكنه بالمقابل بذل كل جهده لمنع الحديث أو الإشارة الى معمل سبلين للإسمنت في إقليم الخروّب والمعروفة ملكيته”، في إشارة إلى النائب وليد جنبلاط الذي يعارض إقامة مصنع الإسمنت في أعالي عين دارة، وهنا نود الإشارة إلى أن معمل سبلين، قريب من الشاطئ البحري، وبالتالي فإن إحدى محطات التلوث الهامة، والمتمثلة بالشاحنات ونقل مادة الكلينكر، فضلا عن مواد الصناعات المستخدمة في الإسمنت من وإلى الشاطئ، لا تتطلب المرور بين قرى جبلية عديدة، فضلا عن طريق الشام الدولية المكتظة ذهابا وإيابا لتحميل وتفريغ المواد المتعلقة بمعمل الإسمنت المزمع إنشاؤه، وهنا لا نلغي أو ننفي أن معمل سبلين، هو قضية بيئية كبيرة بحد ذاتها، وتستوجب الإهتمام من قبل الوزارات المعنية ودراسة أثره البيئي وصولا إلى حلول جذرية لمسائل التلوث المتعلقة به.
دور الوزارات
يصر السيد فتوش في بيانه على “كتاب وزارة البيئة الى رئيس هيئة القضايا في وزارة العدل رقم 643/ب بتاريخ 16/2/2015 الذي يصف بأنه “يشكل مثالاً للصناعة الحديثة النظيفة والسليمة بيئياً وفقاً للمواصفات الحديثة المطلوبة عالمياً والمعتمدة في أفضل المصانع المشابهة في الدول المتقدمة”، وهنا أيضا علينا التذكير، بأن مصانع الإسمنت في العالم رغم كل تقنياتها وسلامة المعايير المستعملة فيها تساهم بما يقدر بـ 5 بالمئة من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون عالميا، فضلا عن غازات ومواد ملوثة أخرى، ولا شك أن هذا المعمل سيساهم في زيادة هذه النسبة على المستوى المناطقي، خصوصا أن خطط الإنتاج الموضوعة تؤكد أنه سيكون من المعامل الكبرى على مستوى لبنان والشرق الأوسط كما أوردنا في مقالة سابقة.
وهنا، على وزارة البيئة إعادة النظر في كتابها وتحديثه طبقا للوقائع الجديدة، فضلا عن وزارة الصناعة، فعلى الرغم أن المشروع لا يزال على الورق، بانتظار موافقة وزارة الصحة التي بادر الوزير أبو فاعور إلى إصدار بيان مفاده أن “وزارة الصحة لم تعط موافقة على إنشاء معمل الاسمنت في البلدة، وتقدمت بمراجعة الى مجلس شورى الدولة للمطالبة بإبطال قرار إنشاء المصنع، وارسلت كتابا الى وزارة الصناعة للاعتراض على الرخصة الممنوحة”.
مختار عين دارة: مشروع تهجير
وقال مختار عين دارة أنطوان بدر لـ greenarea.info اليوم: “استدعيت مع الناشط روجيه حداد في 12 تموز (يوليو) إلى المفرزة القضائية في بعبدا، فضلا عن 26 شابا سيتم استدعاؤهم أيضا، وهذه الإستدعاءات القصد منها الضغط علينا، بهدف النيل من عزيمتنا على مقاومة المشروع، والذي نعتبره مشروع تهجير، وهو مشروع سيبنى على مساحة مليون ومئتي ألف م2، ومثلما نعرف، فإن هذا المشروع حاول فتوش أن يشيده في زحلة وعدد من القرى في البقاع، وأستغرب معاملتنا في عين دارة وكأننا جنسية قيد الدرس، بينما حين رفض أهالي زحلة المشروع تم نقله، أما معنا، فإنهم استدعونا إلى القضاء، وشخصيا فهذه هي المرة الخامسة، بتهم القدح والذم وغيرها”، وأكد بدر أن “محاولاتهم فاشلة، ولن يصلوا معنا لنتيجة، فهذا المشروع بالنسبة لأهلنا هو بمثابة حياة أو موت، ثم لا ننسى أن عين دارة هي من أكبر البلدات في جرد عاليه، بعدد سكانها 8500 نسمة، وقد بقيت بلدتنا مثالا للتعايش المشترك، فلم تهجّر عين دارة طوال فترة الحرب، وعين دارة باب منطقة الشوف، ومعظم الفاعليات تدعمنا، ولكن بصفتي كمختار عين دارة أطالب غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، وأتوجه إليه أننا لم نسمع صوته، ونحن أولادك وفي مأزق كبير، و(عم نتبهدل، كل يوم يطلبوا منا 3 أو 4 شباب)، إلى التحقيق في تهم قدح وذم واشتراك في مسيرات ضد المشروع، ما شكل ضائقة كبيرة تشملنا جميعا، ولا نسمع من غبطة البطريرك أي ردة فعل، ونذكره أن عين دارة هي من أكبر البلدات المسيحية في الشوف وعاليه، وسكانها متواجدون هنا صيفا شتاء، فإذا أرادوا تهجيرنا، فلا نعرف إلى أين سنصل، ورغم خطواتنا المقبلة فهذا الأمر من المستحيل أن نتخلى عنه، فأنا كإنسان وكمختار لعين دارة، ماذا سأقول لأحفادي؟ ولا سمح الله إن بني المعمل، هذا كابوس مزعج لنا، ماذا سأقول لهم إن ولدوا مشوهين أو صحتهم سيئة، وما هو موقفي؟ أني كنت مختارا، ولم أتصرف ولم أقل شيئا ولم أرفع الصوت عاليا؟ فهذا الأمر لن يمر، ولهذا فخطواتنا ستتصاعد، ولدينا خطة عمل، ومفاجآت قد تنهي الموضوع خلال 24 ساعة، لكن ننتظر مفاوضات، وهذه المفاوضات لا تعني إمكانية بناء المعمل بل إلغاء الرخص بشكل كامل، ونقل هذا المشروع إلى أي مكان آخر”.
أما الناشط البيئي روجيه حداد، فقال “بادر السيد فتوش باستدعائي أيضا، كما حصل في مرات سابقة وأسوة بالآخرين في ادعاءات باطلة، ولا شيء لدي لأضيفه إلا أننا مستمرون في مواجهة هذا المشروع”.
وإذ يتابع آل فتوش مواقع التواصل الإجتماعي، وآراء الناشطين عليها، في نية للمتابعة في مسلسل الإستدعاءات الطويل، وبالمقابل، يتابع ناشطو عين دارة وفاعليات من القرى المحيطة في قضاء عاليه والشوف والبقاع، وقوفهم موقفا واحدا، في مواجهة مشروع لا يبغي نفعا إلا لأصحابه، وعددا من التابعين، أمام خطر إبادة بيئية لبلدات راسخة في التاريخ والتقاليد والبيئة الفريدة والوطن، خصوصا عين دارة التي تمثل لبنان الماضي والحاضر والمستقبل، بتعايشها الفريد الذي لم تستطع الحرب الأهلية المس بها، فيما يهجم الرأسمال الصناعي ليدك مواطن المياه والتنوع الحيوي والمحميات المنشأة، مستخدما الوسائل المتاحة، ومستنبطا وسائل جديدة، لمنافع خاصة وأغراض خاصة.