“زوَّدونا بإبرة مورفين”… بهذه العبارة علّق بعض القاطنين في برج البراجنة، من أهالي وسكّان، التقيناهم مساء أمس الخميس 15 تموز (يوليو) 2016 في شوارع المدينة “المظلمة”. ما الرابط بين أزمة المياه المستمرة منذ حوالى الشهرين ونصف الشهر بإبرة المورفين؟… اسألوا الحاجة سهيلة ومعظم القاطنين في تلك المنطقة، الذين “تنعّموا” بالمياه لمدّة 15 دقيقة البارحة ظهراً، ثمّ عادت المياه للانقطاع.
ماذا يريد الأهالي؟ كيف يتدبّرون أمورهم في هذه الظروف “العصيبة”، خصوصاً وأن المياه من أهم عناصر الحياة؟ ولمن يحمّلون المسؤولية؟ وما “الانفراجات” القريبة التي وعد بها المعنيّون، والتي أفاد “greenarea.info” بها رئيس بلدية البرج عاطف منصور في مقابلة هاتفية بتاريخ الحادي عشر من الشهر الحالي؟ وما علاقة طلال ارسلان بالموضوع؟ والأهم من ذلك كلّه، هل من حلّ قريب لأزمة المياه في تلك المنطقة “المحرومة”، كما يصفها أهلها، أم انّ الفساد الذي تكلّم عند منصور هو الطاغي ولا من يوقفه؟
ألا تحتاج الصلاة إلى المياه للوضوء؟
في “حيّ المختار السبع”، الكائن قرب منطقة “جامع العرب”، يدفع السكّان حوالى الـ 30 ألف ليرة لبنانية يومياً لتعبئة المياه بواسطة الصهاريج، التي تكاد تكون مشهدا مألوفا في المنطقة منذ شهرين لغاية الآن. يزيد المبلغ 10 آلاف ليرة لبنانية ليصبع 40 ألف ليرة لبنانية إن كان القيّم على “الصهريج” سيعبّئ المياه في الخزان الكائن على سطح المنزل. بعض العبارات التي تسمعها في الحيّ هناك تتكرّر، مثل “بيجوا الكميونات بالليل بيعبّوا ماي مالحة ومكلّسة”، “منيح بعض ما مرضنا”… أما العبارة الطاغية “منتشّكرن على إبرة المورفين”، ربع ساعة ماء؟ “الله بيقولها”؟
يستغرب السكان كيف تسمح البلدية بمرور شهر رمضان من دون مياه في المنطقة، وتسأل الحاجة سهيلة حرب أو “مدام حرب” كما تعرّف عن نفسها: كيف أتوضّأ لأصلي؟ أليسوا مؤمنين؟ أهكذا يكون الدين والتديّن؟ لا يمكنني ان أتوضأ.
“زهير جلّول خارب البلدية”… واجتماعنا “خُرِّبَ” عن قصد
يفيدنا السكان أنهم لجأوا إلى البلدية لتقديم الشكاوى، لكنهم لم يجدوا آذانا صاغية لمطالبهم. يخبروننا بغضب عن “فساد نائب رئيس البلدية زهير جلول، الذي يردّ على كلّ متقدّم/متقدّمة بشكوى: “مش من مسؤوليتنا المياه، روحوا شوفوا مصلحة مياه عين الدلبة ومصلحة مياه بيروت وجبل لبنان”. لكن أين رئيس البلدية من كل هذا؟ أليس هو المرجع الأعلى في البلدية؟ نسألهم. ليأتي الردّ انّ “زهير جلّول خارب البلدية. كلّ شي بيصير متل ما بدّو”.
يرى أهالي برج البراجنة ان متابعة موضوع انقطاع المياه من مسؤولية الجميع، لكنهم فقدوا ثقتهم بالدولة، “ليش وينيي الدولة؟”، يقول شاب في الحيّ، لتردّ عليه سيّدة لم تستطع ان تغسل الثياب من دون مياه: “بدنا الأحزاب يلي حاكمة المنطقة تتحرّك، لأنو مش الدولة هي القوية هون. هني بيمشّوا كلمتهم”.
وماذا عن الاجتماع الذي عقده أهالي المنطقة في البلدية منذ يومين؟ يعلّق العديد من المواطنين: “خرّبولنا الاجتماع، أطلقوا الرصاص داخل قاعة الحسينية في البلدية وشتتوا المواضيع، بينما كان من المفترض التكلّم بأبرز هموم المنطقة، وأهمها أزمة انقطاع المياه”. الاجتماع الذي حضرناه، لم تناقش فيه أي من هموم المنطقة. واقتصر الأمر على حديث المسؤول في “حزب الله” و”رئيس لجنة متابعة الأمور الاجتماعية في برج البراجنة” الحاج محمد يوسف رحّال، على المنبر، أطلق “الحكم الشرعي” بعدم ارتياد مطعم Bridge الكائن على طريق المطار، لأن الأرض التي بُنِيَ عليها المطعم تابعة لأهالي برج البراجنة”، بحسب قوله، “وهي أرض محتلّة”. هذا كان أحد المواضيع التي تمّت إثارتها، وحينها، لم يتكلّم أحد غيره، وحصل عراك، وأطلق الرصاص، خصوصاً حين حاول أشخاص عديدون التكلم وتمّ منعهم ليتكلّم هو.
يتساءل قاطنون في برج البراجنة: “لما ركّز الحاج رحّال على قضية مطعم الـBridge وأراض أخرى في برج البراجنة، وتجاهل مسألة بيع أراض أخرى في منطقة الغولف، علماً أن من وقع على المستندات لبيعها كان رئيس البلدية السابق زهير جلّول (نائب رئيس البلدية الحالي)؟”.
“نريد أموال أهل البرج إذاً… بهذه الأموال عمّر جلّول الفيلا التي يملكها في “طلّوسة”، إحدى قرى الجنوب… لا نريد ان يستمر الفساد في بلديتنا”، يعبّر الأهالي بغضب. بعضهم ذكر ان “الفساد في مسألة المياه ليس فقط من مصلحة المياه، كما يقول رئيس البلدية، وإما من البلدية نفسها”. هم يعتقدون ان من يبيع مياه برج البراجنة للمسابح هو “البلدية”.
ادفعوا رسوم البلدية
تستغرب فاديا حمدان كيف “تتجرّأ البلدية على لصق أوراق تطلب فيها من المواطنين دفع رسوم البلدية، وأزمة المياه على أشدّها؟”، مضيفة “بكل عين وقحة! يعملوا واجباتهم مع المنطقة يرجعوا يطلبوا دفع الرسوم”. أما جارتها رانيا، النازحة من الحرب في سوريا، فتشتري 5 براميل كل يومين.
أما الحاج حسن ياسين، القاطن في “حيّ زعيتر” قرب “حي المختار السبع”، فيؤكّد كلام الكثيرين، مشددا على ان “النائبين (علي عمّار وبلال فرحات) الموجودين في المنطقة لا يلتفتان إليها بتاتاً”.
“نحن نعيش على عبارة انشاالله خير، ولا نزال موعودين بأن تصل المياه إلى بيوتنا”، يقول، مضيفاً “الحاج علي عمار (ممثلا “حزب الله” والحاج طلال حاطوم ممثلا “حركة أمل” حضرا الاجتماع مع رئيس البلدية ومصلحة مياه بيروت وجبل لبنان، وتحدثا عن “إنشاء 3 آبار للمياه في تحويطة الغدير لتغذية المنطقة”.
نكمل حديثنا مع الشخص المتديّن الذي قال لنا “سيكفّرونا!!”، والكهرباء التابعة للدولة مقطوعة، حال بيته، حال الشوارع الـ4 المحيطة. أما عن الفساد في شركة المياه الذي يتكلّم عنه الأشخاص في البلدية، يقول: “نطلب من اللواء ابراهيم بصبوص (مدير عام قوى الأمن الداخلي) التحري عمّن يبيع المياه في المشرف وغيره”.
“بمن تثقين؟… انشاالله خير.. .إذا كان لا وزير الطاقة يهمه الأمر، ولا البلدية، ولا مسائيل (مسؤولو) المنطقة”.
المخاتير كالأهالي يناشدون؟: “أنقذوا برج البراجنة”
فيما الأهالي يسترجعون مشهد “التكليف الشرعي” الذي أَبلغ به السكان في بيوتهم، خلال الانتخابات البلدية الأخيرة، بانتخاب اللائحة الحالية، يأسفون لواقع مذرٍ وصلت إليه منطقتهم “التي كانت توزّع الماء على الدنيا”، كما يقولون.
مخاتير المنطقة يناشدون المعنيين لإنقاذ برج البراجنة، وفي مقابلة مع greenarea.info قال المختار حسن الحركة انّ “إثارة موضوع انقطاع المياه في برج البراجنة في الإعلام، التحركات التي حصلت حتى اللحظة، خدما القضية إيجابياً”.
وذكر ان علي راضي من شركة المياه، ساهم بشكل كبير في الاسراع بحلّ الأزمة، خصوصاً انه “سهّل موضوع السّكورة (الأقفال)، ودفع المواطنين إلى النزول إلى الأرض، ولا يزال يلاحق الموضوع بكل تفاصيله”.
نسأله إن حصل أي أمر ملموس على الأرض، فيجيبنا “إجت المي ربع ساعة”. ويتحدّث عن الشقّ المادي الذي أتعب كاهل المواطن، خصوصاً انه بات يدفع ثلاث فواتير مياه: فاتورة لعيار المياه (من الدولة) (330 ألف ليرة لبنانية)، فاتورة مياه معبأة من الصهاريج (30 ألف ليرة، وتصل إلى 40 في حال عبّئت على الخزان الكائن على سطح المنزل) وفاتورة مياه للشرب (لأن المياه التي تصل إلى المنازل في برج البراجنة غير صالحة للشرب)، بينما من المفترض، منطقياً، ان نشري من المياه التي تصل من خلال العيار، أما مصروف العائلة الواحدة في البرج، فيقدر بنحو 5 براميل في اليوم، والمعدّل هو 10 آلاف ليرة لبنانية يوميا، أي 300 ألف ليرة لبنانة في الشهر، حوالى نصف الحدّ الأدنى للأجور”، ويقول المختار ان “هذه الميزانية التي تدفع للمياه، تذهب من قسط مدرسة أو حاجات أخرى أساسية …”.
من جهته، قال المختار حسن السبع في مقابلة مع موقعنا ان “المياه بدأت تصل إلى مناطق محددة، لكن بشكل ضئيل جداً”. أما عن الجديد الذي حصل بعد اجتماع البلدية بالجهات المعنية، فقال: “عقد مخاتير المنطقة اجتماعاً، طالبوا فيه وزارة الطاقة والمياه بالتدخّل، تمّت إدارة (السكر) أو (القفل) في منطقة حي السلم إلى برج البراجنة، واقتصرت التحركات على الوعود والكلام، لكن على الأرض، لم يحصل ما “يروي” مطالب الناس”.
ويؤكّد السبع أن أحدا من المعنيين لم يتواصل معهم، وتطمينهم عما سيحصل. وقد حمّل المخاتير “المافيات مسؤولية تسكير السكور (الأقفال)”. وطالبوا في بيانهم كل من “وزير الداخلية، وزير الطاقة والقوى المعنية في الضاحية الجنوبية بالتدخل”.
وأفادتنا مصادر مطّلعة انّ الجهات المعنية تواصلت مع رئيس الحزب “الديموقراطي اللبناني” النائب طلال ارسلان، في شأن “السِّكِر” الذي يتم تحويله للمسابح في خلده.
تحرّكات قريبة؟
يشعر أهالي البرج أنهم “معاقبون”، “لِما كلّ هذا الاستهتار بمطالبنا المحقّة؟ ألأننا شكّلنا لوائح منافسة، رافضة لفساد وحرمان دام أكثر من 16 عاماً في برج البراجنة؟”، يتساءل الأهالي. ويضيف أحدهم: “لماذا يريدون في البلدية أشخاصا فاسدين؟”، ذاكراً اسم “رئيس البلدية السابق جمال رحّال الذي رفض ان يوقّع ما هو غير قانوني، فطيّروه”.
يريد الأهالي التحرّك، لكنهم سئموا من عدم اكتراث أي جهة لهم. التصعيد آت، كلمات أغنية فيروز “إيه في أمل، أوقات بيطلع من مَلَل”، تنطبق على سكّان تلك المنطقة التي لا تزال تحافظ على بعض الأشجار، كانت في السابق من طابعها. أشجار النخيل الآن لا تجد من يرويها، فهي تقع في أراض خاصة.
أما البلدية، “فتسقي الشجر على الطرق العامة، وتحرم البشر”، يقول لنا أحد القاطنين في المنطقة. والغريب في الأمر هو تصريح أحد الأشخاص ان “أهالي البرج يتّصلون ببلدية المريجة، لتعطيهم المياه”، وهذا ما يحصل.
في بلدنا، المياه امتياز ربّما، ليست حقّا طبيعيا، والبلديات تتنصّل من مسؤولياتها، غافلة أو متناسية ربّما انها “حكومة محليّة” تؤثر بحياة المواطن اليومية أكثر بكثير مما تؤثّر العديد من المناصب في الدولة.