لا يمكن توصيف الثقافة واكتناه مدلولاتها، إلا بكونها تمثل بيئة الفكر والإبداع والرقيِّ الإنساني، وإلا كيف نفسر الإرهاب الذي يؤرق حياتنا في الشرق كما في الغرب، وهو يمثل الخواء والجهل والتطرف؟ وإذا كانت البيئة في بعض جوانبها هي الجمال في بوحه وإيحاءاته الرائعة، فالشعر جمالٌ أيضا، وأكثر ما نظلم البيئة ساعة نأسرها في نواحٍ معينة، محددة، فيما هي هذا المدى الواسع الحاضن لكل قيمنا الإنسانية والحضارية، هكذا جاء مهرجان الشعر العربي في مدينة صور في إطار مهرجاناتها الدولية، ملتحفا سماءها، وحاملا بيئة الجمال والسحر.
استعادت مدينة صور مهرجاناتها بعد غياب قسري استمر لسنوات، لتؤكد أنه بالثقافة نواجه ونبني، ولتوصل رسالة تعلن فيها انحيازها للحياة، لا العودة إلى عصور الظلم والجهالة، فكانت سمة المهرجانات الأبرز هذه السنة، التحدي، وعدم الرضوخ لثقافة الموت التي يشيعها إرهابيون وتكفيريون، شوهوا القيم النبيلة، وأمعنوا قتلا ودمارا وانتهاكا لحقوق الإنسان وكرامته وحريته.
المهرجان
انطلق المهرجان وسط رهبة المكان، حيث عبق التاريخ، وتراث حضارات تعاقبت على المدينة، وحددت بعضا من هويتها التاريخية والثقافية.
افتتح المهرجان بعزف “فرقة بيت أطفال الصمود” للنشيد الوطني اللبناني ثم عزف لنشيد موطني، واغنية الراحل سيد درويش ورائعته “الحلوة دي قامت تعجن”.
قدم المهرجان، وعرف بالشعراء الشاعر الدكتور مهدي منصور، لافتا إلى أنه “يشارك فيه عدد من كبار الشعراء العرب الذي انعقد لهم لواء الشعر، ابتداء من الشاعرين اللبنانيين غسان مطر وشوقي بزيع، ومن مصر الدكتور علاء الجانب، ومن العراق الدكتورة بلقيس حسن، ومن تونس الشاعر المنصف المزعني ومن عمان الشاعر عبدالله العريمي”.
تخلل المهرجان رسم للفنان السينوغرافي السوري فهد باكير على خشبة المسرح، وقدم القيمون على المهرجان لوحات باكير هدايا تكريمية للشعراء المشاركين.
بري: ليلة الشعر مقدسة
السيدة رندى بري عاصي اكدت لـ greenarea.info بأن “ليلة الشعر هي من الليالي الاساسية، هدفها الرئيسي هو الغذاء الطبيعي لأي مجتمع، لأي وطن يريد ان يؤمن توازنا بثقافته وبفكره وعلمه وفنه، ونحن الآن نحيي بالشعر ليلة الكلمة واللغة التي علينا واجب حمايتها، لكي لا نكون في عداد المجتمعات والاوطان الفقيرة”.
واضافت انه “لتسهيل وتوفير الثقافة للجميع، نحن ندعو لهذه الليلة مجانا بدون أي بدل مادي من بين كل ليالي المهرجان، مع اختيارات جدا مميزة لبنانيا وعربيا، اولا لمتذوقي الشعر والادب، ثانيا لتربية اجيال على هذا الفكر والشعر، ولاكتساب ملكة اللغة والتعبير، وللاستفادة من هذه الخبرات والتواصل معهم”.
ورأت بري أن “ليلة الشعر بمحطتها القصيرة تؤسس لعلاقة طويلة بالتواصل لاحقا مع هؤلاء الشعراء ومتابعتهم، ما يفتح باب التشجيع من الناس للناس على الاطلاع والتثقيف والمتابعة”، وختمت بأن “ليلة الشعر هي ليلة جدا مقدسة بالنسبة لي، لانني في هذه الليلة بالذات اقوم ببناء اساسات متينة وسنبقى متمسكين بها”.
مع الشعراء
الشاعر غسان مطر، قال لـ greenarea.info: “اولا نحن في صور، صور التاريخ صور العظمة، صور العزة، وهذا يجعلنا نشعر بمسؤولية كبيرة كشعراء في هذه الليلة التي تعودت مهرجانات صور ان تستضيف فيها شعراء متعددين من العالم العربي، لتقول ان الشعر لم يمت، وان هذه المدينة الحاضنة ستبقى دائما مشعة ومتوهجة بعطائها الماضي والمستمر، ونتمنى ان نكون على قدر المسؤولية”.
وقال الشاعر شوقي بزيع لـ greenarea.info بانه يعتقد ان “هذا الحدث الثقافي يؤكد على رسوخ هذه المدينة في التاريخ وتميزها في الجغرافيا واستعادة لدورها التاريخي الاصيل الذي بنته منذ قرون طويل”.
وأشار بزيع إلى أن “صور ليست غريبة عن قصيدتها، صور هي القصيدة”، وتابع: “ان هذا المهرجان يجب ان يستمر ويستعيد عافيته بوصفه معلما اساسيا وجزءا من ذاكرة المدينة المعاصرة، واعتقد ان الشعر في تحدٍّ اليوم، لان كل ما يحيط بنا قد يكون اكثر شاعرية من الشعر، كل شيء مفتوح على المطلق، العلاقة بين الارض والسماء هذا المدرج الجميل، كل هذا يؤكد ان لا حاضنة للشعر اجمل من هذا المكان، وهذه اللحظة التي نواجه فيها اعتى اشكال العنف في المنطقة فنحن الآن ننتصر للحياة والفرح والمستقبل”.
الشاعرة بلقيس حسن من العراق اكدت لـ greenarea.info أن “المهرجان هو تحدي لبنان المناضل والمقاوم والمواجه للعدوان، ولبنان الكلمة المتميز بين كل الدول العربية”، ورأت أن “مثل هذه المواقف تجعلنا نعتز ونفرح بوجودنا في احدى مدنه الجميلة في الجنوب الذي قاوم ويقاوم البشاعة بالجمال والشعر، حقيقة هو حرب على البشاعة والارهاب والموت، هو رسالة بقاء ونضال من اجل الجمال”.
الشاعر عبدالله العريمي من عمان تحدث لـ greenarea.info مؤكدا بأنه من المؤمنين بأنه “بإمكان القصيدة ان تنتصر على الطائرات الحربية، وقد اثبت الجنوب اللبناني بأنه انتصار للارض وللانسان، لذلك لا بد من مساحة لانتصار الجمال والحب والمعرفة”، واضاف “في هذه اللحظات اشعر بأن صور هي فراشة توزع الوانها على العالم حتى يكون اكثر جمالا وحبا وسلاما”.
الشاعر مهدي منصور مقدم الشعراء في ليلة الشعر أعرب لـ greenarea.info عن سعادته “بعودة الشعر الى مهرجانات لبنان، باعتبار انه لا يمكن ان نقيم كل هذه الحفلات على هذا الكم الهائل من الحضارة ولا يكون الشعر حاضرا”، واضاف ان “الامة التي تخلو من الشعراء هي أمة بلا قلب”. وتابع “ان اليوم هو مظاهرة شعرية باعتبار ان صور تستقبل شاعرا عمانيا من مدين اسمها صور، ايضا وشاعر من تونس على غرار العلاقة التاريخية بين اليسار وقرطاج، وهذا التراث لا يمكن ان تغيب عنه مصر والعراق باعتبار ان هذين البلدين هما عينا العالم العربي، بالاضافة الى وجود شعراء كبار من لبنات سنتشرف بسماعهم ويسعدني ان اقدمهم باعتبار انهم شعراء كبار”.
الشاعر علاء الجانب من مصر وجه عبر greenarea.info كلمة شكر “على الدعوة للمهرجان”، وأثنى على “ما قاله اصدقائي الشعراء من ان الكلمة لها دور السحر في تذويب الفوارق بين الشعوب والمجتمعات البشرية”، واضاف ان “لها السحر في جعل العقول تقف في مواجهة الافكار الاجرامية والارهابية والتكفيرية، لانها تزرع الجمال في النفوس وتدفع الناس ليعيشوا في حياة اجمل الشاعر”.
منصف المزعني من تونس قال لـ greenarea.info “انا اليوم يشرفني ان اكون حاضرا في مدينة هي نقطة بحرية انطلقت منها اليسا بنت ملك صور، وكأني موصى من قبلها لاحضر الى مدينتها لقراءة الشعر”، واكد المدعني ان وجوده في صور هو بالنسبة له “محطة اعتزاز خاصة، وان المدينة هي مدينة مقاومة للعدو الاسرائلي”، وختم بأن “مهرجان صور في ليلته الشعرية قد يكون المهرجان الدولي العربي الوحيد الذي ينفرد بأمسية شعرية في لياليه، ما يزيدني فخرا بأن اكون هنا”.
