بعد تأخير ٤٤ يوماً عن الموعد المحدد، استقبلت اليوم لجنة المناقصات في “مجلس الانماء والاعمار” عروض الشركات عن مناقصتي جمع ونقل النفايات في منطقتين خدماتيتين ضمن محافظة جبل لبنان، الأول تضم قضاءي كسروان والمتن، والثانية تضم أقضية بعبدا، عاليه والشوف.
السبب الرئيسي لتأجيل استقبال العروض خمس مرات متتالية (الموعد الأول ٦ حزيران/يونيو، الثاني ٢٠ حزيران/يونيو، الثالث ٢٧ حزيران/يونيو، الرابع ١١ تموز/يوليو، الخامس ١٩ تموز/يوليو)، يعود إلى رغبة بلدية بيروت بالانسحاب من هذه المناقصة التي يديرها “مجلس الانماء والاعمار”، ونيتها اطلاق مناقصة منفردة، الامر الذي فرض على الاستشاري رفيق خوري تعديل دفاتر الشروط وحذف خدمة الكنس منها، وتعديل المساحة التي تضمها، وعدد من الشروط الادارية والتقنية، ابرزها ضرورة تأمين العارض في المنطقة الخدماتية الأولى (كسروان والمتن) أرضا لاستخدامها في اعمال الجمع والنقل، كون العقار الملاصق لمبنى الاطفائية في بيروت، والمستخدم حالياً من قبل شركة سوكلين تعود ملكيته إلى بلدية بيروت، ويتوقع ان تطالب باستخدامه ضمن المناقصة المستقلة التي ستطلقها.
وتبين من نتائج جلسة استلام العروض التي ترأسها رئيس لجنة المناقصات يوسف كرم، وحضرها ممثلون عن الشركات العارضة، ان اجمالي الشركات التي تقدمت إلى المناقصتين ثماني شركات، ثلاث شركات في المتن وكسروان، وخمس شركات في بعبدا والشوف وعاليه.
هوية العارضين
النقطة الابرز في مناقصة اليوم، عودة “سوكلين” إلى المناقصات بعد مقاطعة جميع المناقصات السابقة التي جرت منذ اقرار مجلس الوزراء في أواخر العام ٢٠١٤ خطة جديد للنفايات، وقراره بإعادة تلزيم قطاع ادارة النفايات في بيروت وجبل لبنان ما عدا قضاء جبيل، عن طريق مناقصات مركزية يديرها “مجلس الانماء والاعمار”. ولان شروط المناقصة تقضي بتقدم العارض إلى منطقة خدماتية واحدة من اصل منطقتين، اختارت “سوكلين” التقدم إلى مناقصة المنطقة الثانية (بعبدا، عاليه، والشوف)، حيث تحتدم المنافسة مع اربعة ائتلافات لشركات لبنانية وأجنبية هي: إئتلاف يضم شركة الاتحاد للهندسة والتجارة CET (المملوكة من غبريـال وميشال الشويري)، مع شركة نلسون البلغارية، ائتلاف شركة حمود للتجارة للمقأولات (المملوكة من قاسم حمود) مع شركة اسيياس الفنزويلية، ائتلاف شركة معوض وإده مع شركة Soriko البلغارية، وائتلاف شركة الجنوب للإعمار (المملوكة من رياض الأسعد) مع شركة علوان السعودية.
أما في المنطقة الخدماتية الأولى (كسروان والمتن)، فتتنافس ثلاثة ائتلافات لشركات لبنانية وأجنبية، هي: ائتلاف شركة رامكو للتجارة والمقأولات (المملوكة من محمد عماش) مع شركة Atlas Yapı San التركية. ائتلاف شركة الخوري للمقأولات (المملوكة من داني خوري) مع شركة دانغوان جاي بو الصينية، شركة لافاجيت اللبنانية (المملوكة من أنطوان أزعور).
ومن المقرر ان تعقد لجنة المناقصات جلسة لفض العروض المالية للشركات في جلسة تحدد لاحقاً، ويتوقع ان تعقد مطلع الاسبوع المقبل، وذلك بعد درس الملفات الادارية والتقنية والتأكد من مطابقتها لدفتر الشروط.
ملاحظات تقنية
ملاحظات تقنية عديدة ساقها عدد من العارضين الذين تقدموا للمناقصة، تحدث معهم موقع greenarea.info، وفضلوا عدم الكشف عن اسمائهم. الملاحظة الأولى تتعلق بدفتر الشروط الذي يتضمن بندا يحدد مواصفات الشاحنات التي تنقل النفايات والتي يفترض ان تراعي مواصفات أوروبية حديثة مرتبطة بضمان خروج انبعاثات اقل من عوادمها، وهي تحتاج إلى نوع خاص من الديزل غير متوفر في الاسواق اللبنانية، ما سيؤدي إلى رفع الكلفة. ويطرح العارضون تساؤلات جدية تتعلق بمدى تمسك “مجلس الانماء والاعمار” بهذا الشرط، وما اذا كان سيفرض على جميع المتعهدين، خصوصاً الذي يملكون اساطيل نقل قديمة تعمل في مختلف المناطق اللبنانية. اما الملاحظة الثانية فتتعلق بالحاويات، إذ انه في حال فوز شركة ما بمناقصة الجمع، فإنه من المقرر ان تستلم الحاويات الموجودة حاليا في الشوارع (عددها ١١٠٠ حاوية، وهي تحتاج إلى اعادة تأهيل وصيانة ونزع “اللوغو” القديم ووضع شعار جديد، ما سيزيد من الكلفة بالمقارنة ما بين شركة واخرى. كذلك يتخوف العارضون من طريقة ادارة البلديات لعمليات الكنس وانعكاسها على أعمال الجمع ومصير المخلفات الكبيرة وباقي المواد الناتجة عن اعمال البناء وضمان عدم وضعها في الحاويات. في المقابل لم تتضمن المناقصة اي مواصفات تتعلق بطريق الجمع بالاستناد إلى الفرز من المصدر، بل سيكون الجمع على الطريقة التقليدية (كبس جميع النفايات ضمن حاوية واحدة)، الامر الذي ينسف جميع المحاولات السابقة المتعلقة بتكريس مبادرات الفرز من المصدر، ويصعب، لا بل يعطل، اي امكانية لاعمال معالجة سليمة للنفايات العضوية بعد ان تختلط بالنفايات الصلبة والنفايات السائلة، خصوصاً الزيوت وباقي مواد الدهان وغيرها من المواد المصنفة سامة، والتي تمنع تخمير النفايات والحصول على مواد مسبخة بدرجة تجيز استخدامها لاغراض زراعية.
ابرز التحالفات
جولة سريعة على الائتلافات التي ضمت شركات لبنانية واجنبية تقود إلى الخروج بمجموعة من الاستنتاجات والملاحظات.
يبدو واضحاً ان شركة الجهاد للمقأولات (المملوكة من جهاد العرب)، والتي قدمت نفسها شركة منافسة للشركات التي تتولى قطاع النفايات سواء في بيروت وجبل لبنان أو في بقية المناطق، قد اكتفت حتى اللحظة بفوزها بعقد انشاء المطمر الصحي عند مصب نهر الغدير في الشويفات (مطمر الكوستابرافا)، وهي لم تتقدم اليوم إلى مناقصتي الجمع والنقل، لكن ذلك لا يعني ان الشركة انسحبت بالكامل من عقود الجمع والكنس والنقل، فما زالت هناك مناقصة بيروت، وبالتالي علينا انتظار اطلاق هذه المناقصة، لمعرفة ما اذا كان جهاد العرب سيدخل بيروت من بوابة البلدية بعد ان اغلقت بوجهه بوابة المناقصات المركزية. كما ان لا شيء يمنع ان يتقدم العرب إلى مناقصة المعالجة المركزية التي تضم بيروت ومختلف الاقضية في جبل لبنان ما عدا جبيل، والتي يفترض ان تعلن نتائجها في ٢٥ تموز (يوليو) الجاري.
الملاحظة الثانية المرتبطة بجهاد العرب تتعلق بشركة Soriko البلغارية، التي تقدمت إلى مناقصة الجمع والنقل في كسروان والمتن مع شركة معوض وإده. وكان العرب في مناقصات العام ٢٠١٥ التي ألغيت، شريكاً استراتيجياً للشركة البلغارية والتي لا يوجد لديها مكاتب تمثيلية في لبنان، فهل ما تزال تربط العرب علاقات تجارية مع هذه الشركة، وبالتالي يكون ائتلاف شركة معوض وإده مع شركة Soriko البلغارية، “واجهة” لعلاقة تعاقد من الباطن مع شركة الجهاد للمقاولات في حال الفوز بالمناقصة؟
في ما يتعلق بائتلاف شركة الاتحاد للهندسة والتجارة CET (المملوكة من غبريـال وميشال الشويري)، مع شركة نلسون البلغارية، يلاحظ ان شركة CET قد تعلمت من درس مناقصة العام ٢٠١٥، حين ائتلفت مع شركة Vetalia الرومانية ضمن مناقصة الشوف وعاليه وجزء من بعبدا، ورسبت في العرض التقني، وبالتالي لم يفتح عرضها المالي، وقد شكل هذا الرسوب حرجاً للشركة كونها تقدم نفسها واحدة من اكبر شركات المقاولات في لبنان، لذلك فقد استعانت هذه المرة بشركة نلسون البلغارية علها تفوز بالمناقصة.
في ما يتعلق بائتلاف شركة الجنوب للاعمار (المملوكة من رياض الاسعد)، وبعد ان أوحت انها “يائسة” من الدخول في قطاع النفايات، فانها عادت لتتقدم مجدداً إلى المناقصات وهذه المرة مع شريك سعودي، بعد ان جمعتها سابقاً ائتلافات ضم شركة اسبانية ولاحقاً شركات مصرية ونمساوية ومغربية، فهل ان دخولها هو مجرد تسجيل موقف ام انها منافس جدي؟ والسؤال الاهم: هل تقدمت بأسعار متدنية تحتم على المنافسين التقدم بأسعار اقل منها؟
وتعتبر شركة الخوري للمقاولات (المملوكة من داني خوري) اللاعب الحاضر بقوة في مناقصات النفايات، والتي دخلت إلى القطاع بعد فوزها بمناقصة انشاء مطمر برج حمود، ولقد استعانت تقنياً بشركة لبنانية تملكها رانيا ابو مصلح، وتدير مركز الفرز والمعالجة لاتحاد بلديات الشوف- السويجاني، للبحث عن شريك اجنبي يكون جاهزاً للدخول في المناقصات، ويملك خبرة في القطاع، فوقع الخيار على شركة دانغوان جاي بو الصينية. وبحسب معلومات Greenarea.me، فإن خوري قد وسع مروحة تحالفاته مع عدة شركات صينية، وهو يستعد للدخول في مناقصات تحويل النفايات إلى طاقة، سواء في بيروت أو على مستوى مركزي، بالائتلاف مع شركات صينية لديها خبرة في تقنية التفكك الحراري (المحارق). وبذلك تكون الشركة، التي يتردد اسمها في اكثر من صالون سياسي، قد قررت توسيع قاعدة اعمالها من الردم البحري والطرق والمباني إلى قطاع ادارة النفايات المنزلية الصلبة، ويمكن القول، ان ملامحه يفترض ان تتبلور بشكل أوضح في غضون الاشهر المقبلة، أو انه سيشهد انهياراً جديداً بفعل التدخلات السياسية، خصوصاً في ما يتعلق بمناقصة بيروت، وما يخطط لهذه المناقصة، وانعكاس ذلك على المناقصة المركزية، وقد علم موقع Greenarea.me ان وزير الداخلية نهاد المشنوق يصر على ضرورة تسليم جميع العقارات والمنشآت في الكرنتينا التابعة لبلدية بيروت والمستخدمة حالياً من قبل “مجلس الانماء والاعمار”، ما يعني ان مناقصة المعالجة القائمة بجزء اساسي منها على تشغيل معمل الكرنتينا للفرز مهددة بالالغاء أو بالتعديل والتأجيل، ما قد يطيل أمد الازمة، ويعجل في انفجار “الخيار الانتحاري” باستمرار التخزين المؤقت في برج حمود و”الكوستابرافا”، دون ان تحديد أفق واضح لطريقة ادارة هذا القطاع، والمهل الزمنية لانجاز استحقاقات اساسية مرتبطة بسير العمل، بطريقة تضمن عدم عودة النفايات إلى الشارع.