ملاك مكي – السفير
يشعر المواطن اللبناني، ربما، بدوار عندما تقع عيناه على عبارة «استراتيجية وطنية». من يصدق أن في لبنان استراتيجيات في السياسة والأمن، لا بل في كل شيء؟
من الممكن أن تكون خطوات أو مبادرات أو مشاريع، صغيرة أو كبيرة لا فرق، لكنها حتما ليست باستراتيجيات. رعى وزير البيئة محمد المشنوق، أمس، حفل اطلاق «الإستراتيجية الوطنية للتنوع البيولوجي وخطة العمل» بحضور ممثلين عن الوزارات والمؤسسات العامة ومراكز الابحاث والمؤسسات الاكاديمية والقطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية واصحاب الاختصاص في مجال التنوع البيولوجي.
كشف المشنوق ان رؤية لبنان للتنوّع البيولوجي التي تم تحديدها هي أنه بحلول العام 2030، «سيكون التنوّع البيولوجي في لبنان مثمّنًا ومداراً بشكل مستدام».
لا يعرف أحدا ماذا سيجري في لبنان بحلول العام 2030، لكن المواطن اللبناني يشك في أن يكون التنوّع البيولوجي مثمنا ومدارا بشكل مستدام. تظهر جميع المؤشرات العلمية تدهورا في الظروف البيئية والأنواع البيولوجية، وزيادة في نسب التلوث البري والبحري والجوي، وفي انتشار عوامل الخطر التي تضر في البيئة وآخرها موت بحيرة القرعون. تموت بحيرة مائية بعد إنذارات وتقارير عدة. لا تنجح الحكومة اللبنانية في بلورة حلّ فعّال وواضح ومستدام للنفايات الصلبة. يظهر البحر مؤشرات تلوث مرتفعة. تقضم الكسارات الجبال، غير أن لبنان سيثمن التنوع البيولوجي بشكل مستدام بحلول العام 2030!
لا يُعتبر المواطن اللبناني خبيرا في التنوع البيولوجي، ولا في اطلاق الإستراتيجيات، غير أنه وللوهلة الأولى سيشك في تطبيق الإستراتيجيات الوطنية والخطط التنفيذية، اذ لم يشهد على إجراءات فعالة في مواجهة التدهور البيئي وفي وضع حد لمشاكل بيئية يومية تهدد الهواء الذي يتنفس والماء الذي يرتوي، ولم يمرّ في حديقة في مدينة ولم يصادف وردة في شارعها فكيف له أن يدرك معنى التنوع البيولوجي والإستراتيجيات للمحافظة عليه؟
تضمنت الاستراتيجية الوطنية 13 أولوية يجب العمل عليها ومنها: الأنواع المهددة، التنوع الوراثي، المناطق المحمية، الإدارة المستدامة والاستخدام المستدام للنظم، الإيكولوجية والموارد الطبيعية، إعادة تأهيل النظم الإيكولوجية، الحصول على الموارد وتقاسم المنافع، الأنواع الغريبة الغازية، التواصل والتربية وتوعية الجمهور، تعميم التنوع البيولوجي في السياسات والخطط والبرامج الوطنية وما دون الوطنية، التغيّر المناخي، الأبحاث ونقل المعارف، الإطار المؤسساتي والقانوني، وحشد الموارد.
لا ينجح المواطن العادي بادراك هذه الأولويات اذ لم تبرهن الوزارات والمؤسسات العامة اللبنانية، على عمل مستدام، يحترم تقاسم المنافع، والتواصل، والتربية والتوعية، ويرتكز على نتائج البحوث والمعارف في إطار قانوني ومؤسساتي.
من الجميل أن يطلق لبنان استراتيجية وطنية للتنوع البيولوجي وخطة عمل. من الجميل أن يتشارك المتخصصون كفاءاتهم ومهاراتهم العلمية في خطط بيئية راقية، غير أنه من الأجمل أن تسعى الحكومة الى أن تقنع المواطن العادي بشكل ملموس أن هناك جهودا تبذل بشكل مباشر للمحافظة على الهواء، والماء، والتراب، والأشجار، والبحر، والأنهار بهدف تعزيز شروط بيئية ونوعية حياة أفضل لمواطن لم تنجح الدولة في أن تعرّفه بالتنوع البيولوجي.