يحتل تغير المناخ حيزا مهما، لا بل أساسيا على مستوى القضايا الأكثر حضورا في عالمنا، لا سيما لجهة النتائج الاقتصادية من جهة، ومستقبل الأرض من جهة ثانية، فضلا عن أن تغير المناخ بات أيضا من أكثر المسائل إثارة لاهتمام الباحثين والعلماء وأصحاب القرار، وأصبح قضية كونية تطاول الإنسان وبيئته، حاضرا ومستقبلا.
وقد صدر الكثير من الكتب تناولت تغير المناخ، موضوعاً رئيسيا من مختلف جوانبه، ومن بينها، كتاب حظي باهتمام العلماء والدارسين، لما تضمن من معلومات وتحليل نقدي للباحث الهولندي ريتشارد س. ج. تول، Richard S. J. Tol الأستاذ في “جامعة سوسيكس” University of Sussex البريطانية، وأستاذ اقتصاد التغيّر المناخي في جامعة “فريجي” Vrije بمدينة أمستردام، وصدر الكتاب تحت عنوان “اقتصاد المناخ”، في العام 2014، ونشرت طبعة جديدة في العام 2015، وطبعة ثالثة صدرت مطلع العام الجاري 2016، وقد بحث فيه المؤلف القضايا المتعلّقة بـ “التحليل الاقتصادي للمناخ والتغيّر المناخي والسياسة المناخية”، كما جاء في عنوانه الفرعي.
وأهمية الكتاب، أنه يعتبر دليلا يقدّم للقارئ دراسيا أو بحثيا، مجموعة من الأدوات الاقتصادية المتعلّقة بالنهُج العلمية، بدءا من عنوانه “اقتصاد المناخ”، فضلا عن المساهمة في فهم الرهانات المتعلقة بالسياسات المتبّعة لجهة مواجهة تحديات تغيّر المناخ.
فقدان كل فرد لنسبة 1،3 بالمئة من دخله
أكد المؤلف أنه في الفترة المباشرة اللاحقة على المدى القصير، التي تمتد على الأقل على مدى هذا القرن (الحادي والعشرين)، ستبقى نتائج التغيّر المناخي من الظواهر غير المطروحة بقوّة في الواجهة، ويشرح أنه يمكن للتغير المناخي، على هذا المدى القصير المقصود، أن “يكون مفيداً” بالنسبة لبعض الزراعات بسبب “التخصيب الذي يجلبه لها ثاني أوكسيد الكربون”، بينما ستتأذّى كثيراً مجموعة من الزراعات الأخرى بفعل “تعاظم ظاهرة الجفاف”.
ومن هنا، يؤكد تول على التنوّع والتباين الكبيرين الناجمين عن التغيّر المناخي، ويتم في هذا السياق تحديد “أنماط تأثير التغيّر المناخي” على البيئة والأرض والمنتجات بناء على مختلف الأدبيات المعروفة حتى اليوم حول هذا الموضوع. وكذلك تحديد مدى عمق هذا التأثير تبعاً لنسبة زيادة سخونة الأرض في “حقبة ما بعد الصناعة”.
ويشير إلى أن التقديرات تتباين في هذا الشأن، وصولا إلى القول بزيادة سخونة الأرض بمعدّل 2،5 درجة بالقياس إلى معدّل سخونتها قبل الحقبة الصناعية. ويؤكد تول أن الدراسات المعدّة حتى اليوم تبين عموماً أن ارتفاع درجة سخونة الأرض بمعدّل 2،5 درجة ستتم ترجمته بـ “فقدان كل فرد لنسبة 1،3 بالمئة من دخله”.
ويشير تول في هذا السياق إلى أن مختلف التقديرات المقدّمة حتى اليوم في سلسلة من الدراسات المختصّة تؤكد أن “آثار تغير المناخ لن يتغير جوهرياً حتى سقف زيادة سخونة الأرض بـ3،5 درجة”، وأن “المفاجآت السيئة السلبية تبقى أكثر احتمالاً من المفاجآت الإيجابية”.
ولذلك يرى أن النتائج الاقتصادية لسخونة الأرض ستبقى محدودة جدا، لا سيما بالنسبة للبلدان الغنية، بينما سيكون التأثر بها أكبر وأعمق بالنسبة للبلدان النامية، وبشكل خاص الأكثر فقراً.
سياسات مناخية
وتطرق تول في كتابه إلى ثلاثة أسباب رئيسية لتأثر البلدان الفقيرة بالتغير المناخي أكثر من الغنيّة، هي أنها “تقع الغالبية منها في مناطق أكثر حرارّة”، وثانيا، أن البلدان الفقيرة تعتمد في دخلها وعلى نحو كبير على الزراعة التي تتأثر كثيرا بالمناخ، فيما تعتمد الدول الغنيّة على القطاع الصناعي، وثاليا، إن البلدان الفقيرة هي أقل تنظيما، ولا تمتلك إمكانات اتخاذ الإجراءات الصحية والبنى الأساسية وغيرها على نطاق واسع لمواجهة تحديات تغيّر المناخ.
ومن جهة ثانية، يؤكد تول أن البلدان الغنيّة غير مستعدة لتقديم المساعدات التي ستحتاج لها الدول الفقيرة من أجل القدرة على مواجهة آثار التغيّر المناخي، أو التأقلم معها على أقل تقدير، لا بل خلافا لذلك، ثمة اتجاه لدى الدول الغنيّة إلى أن تفرض على البلدان النامية، والفقيرة منها بشكل خاص، ما حدده تول بـ “سياسات مناخية” من أجل الحدّ من استخدام مصادر الطاقة التقليدية للحدّ من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، وهي سياسات يكون منها في واقع الأمر أن “تكبح” إمكانات تنميتها الحاسمة بالنسبة لمستقبلها.
ويشرح تول “اقتصاد المناخ” على أنه “فرع تطبيقي من علم الاقتصاد”، مع خصوصية أنه قد لا يمكن تطبيق مفاهيمه من أجل إيجاد حلول للمشاكل التي قد يطرحها في الحياة العملية، نظراً للأبعاد الهائلة التي قد تترتب على التغيّر المناخي ونتائجه.
وبالنسبة لـ “السياسة المناخية، فيعتبرها تول “جزءا لا يمكن فصله عن السياسات العامّة التي تنتهجها البلدان المعنيّة”، ويؤكد على ضرورة أن تشتمل كل “سياسة مناخية” على ثلاثة مرتكزات أساسية، تتم صياغتها على شكل أسئلة: الأول منها يتمثل في: “وماذا لو حدث التغيّر المناخي؟”. والثاني “ماذا يمكن أن تكون العواقب؟”، والثالث: “ماذا يمكن فعله؟”.