جو ايلي سلوم – البلد
فعلاً انّهم لمبدعون! وفي الحقيقة انّهم لخلاّقون !وكم من النوادر أن تجد في أيّامنا تلك، وفي أيٍّ من نواحي الأرض، رؤوساً تفيض ابداعاً ما بعده ابداع، وحنكةً ما بعدها حنكة، والحمدلله أنّه عزّ وجلّ، أنعم بها كلّها علينا دفعة واحدة، ونصّبها بطغمتها حكّاماعلينا، فإذ بآخر صيحاتها، تحويل نفايات العاصمة والجوار الى صخرةٍ شاهقة، تتكسّر عند أقدامها أمواج البحر، وتضاهي بجمالها صخرة موناكو الشهيرة.
صخرةُ موناكو ذائعة الصيت، والتي تعلو 62 مترًا، تلامس في أسفلها هي الأخرى مياه البحر المتوسّط، وقد بُني عليها زهاء العام 1191، قصر فاخر اتّخذه أمراء موناكو مقرّاً رسميّاً لهم مذاك الحين. ويبدو أنّ جهابذة التاريخ والسياحة والبيئة عندنا، استوحوا في جلستهم الوزارية الشهيرة، من ذاك المعلم السياحي، ليبنوا للبنان صخرته، أو بالأحرى ليكملوا ما تمّ تشييده من جبل للنفايات ما قبل العام 1997، تاريخ اقفال مكبّ برج حمّود. . وبالفعل قرّر مجلس الوزراء اللبناني، وبعد أشهرٍ من المدّ والجزر، وفضائحٍ بالجملة، ومناقصاتٍ والغاء مناقصات، وفتح مكبّات واغلاق مكبّات، اعتماد خطّة مرحليّة على مدى سنوات أربع، أي بالمعنى اللبناني للكلمة مئات السنين الى الامام، لجمع النفايات من الشوارع ومعالجتها في مكبّي برج حمود والكوستا برافا، في انتظار اقرار وتطبيق خطّة مستدامة للنفايات.
وهذا الجبل الجميل الذي هو أوّل ما يتراءى للسائح من نافذة طائرته وقبل أن تطأ قدماه الأراضي اللبنانيّة، والذي ما فتئ يعطّر الأجواء المتنيّة برائحته الزكيّة، ويُغني الثروة البحريّة بمواده العضويّة، يبلغ طوله حتى الساعة 700متر بعرض يقارب الـ 500متر وبارتفاع يناهز 47 مترًا، مع وعد مؤكّد من المسؤولين بأن يتجاوز قريبا ارتفاع صخرة موناكو أي 67 مترًا.
فعلًا يا لها من خطّة سياحيّة متقدّمة، ومن نظرة استشرافيّة ثاقبة، لا تصلح الّا للترحّم على انجازات كبير من لبنان، تمّ الاحتفاء بذكرى غيابه منذ أيّام قليلة، فبين مشروع ايكوشار الذي أطلقه فخامة اللواء شهاب في أواسط القرن الماضي لجعل جونيه منطقة سياحة نموذجيّة، والمشاريع الخنفوشاريّة التي تنهال علينا هذه الأيّام والمطعّمة ببعض من ثلاثين من فضّة موزّعة على شكل مكرمات مناطقيّة، بُعدٌ زمني متوسّط، وانّما مسافة سحيقة في الرؤية والتبصّر.
ولكي لا نظلمهم كثيرا، الحقّ كل الحقّ يعود الى رنين النقود على بلاطة الأضرحة، الذي غالبًا ما يضيّع العقول، ويقزّم الرؤية، ويغشي البصيرة، ويبدو أنّ كثرة المشاريع الدسمة من حقولٍ نفطيّة، وبلوكات غازيّة، وتلزيمات اعماريّة، وخطوط ذكيّة، وسدود عجائبيّة، حالت دون توخّي الدقّة في دراسة وانجاز الملفّات، وأدّت دون قصد بالتأكيد، الى اغفال الأثر البيئي على فظاعته، والأثر الصحّي والسياحي على جسامته، فالوقت يداهمهم، والأعمار في يد الله، وملعقة الذهب قد تُنزع منهم في أيّ لحظة، فيما قالب الجبنة الصفراء ما زال في بداياته.
ولكن الحمد لله أنا مطمئنّ، وكيف لا، فبات للبنان صخرته، والنفط على أنواعه سيستخرج قريبا من قاع البحار، والبحبوحة آتية آتية آتية، وجيوبنا نحن اللبنانيين ستفيض من الذهب الأسود، وبالتأكيد ما من مسؤول ستمتدّ يدُه اليها…