أن ترتاد المسابح الخاصة على امتداد الشاطىء اللبناني الْــمُصادر أكثره، فذلك يعني أنك ستكون فريسة سهلة لطمع وجشع أصحابها، وستترحم بالتأكيد على “السان بلاش”، وكل منافذ الحياة التي سدت في وجه الناس، فهنا في لبنان ممنوع عليك الهواء والماء والشمس والبحر وأي فسحة يمكن أن تنعم فيها بقسط من الراحة، هنا، كل شيء صادرته مافيات السلطة، وهي تضن علينا بفسحة صغيرة باقية على الرملة البيضاء في عاصمتنا التي هزمت أعتى جيش في العالم، وتهزمها اليوم سلطة دينها المال وديدنها سلب حقوقنا، وهي تدأب لمصادرتها، بالاحتيال على القانون وتسخيره لمن سلبوا قبلا الأملاك البحرية والبرية والنهرية، حيتان المال هؤلاء لا يشبعون، يعيشون كالطفيليات المقيتة على دمنا!
وأمام حر الصيف القائظ، وفي عطلة الأسبوع للعمال والموظفين والكادحين، لا مفر من الهروب إلى الشواطئ لغسل غبار تعب الأسبوع بمياه البحر، والاستجمام ولو لمرة واحدة خلال فصل الصيف، لكن هذه الخطوة تبدو كمن يستجير من الرمضاء بالنار، فنار المسابح الخاصة والبالغ عددها 300 مسبحا تحتل معظم الشاطىء اللبناني، أشد وأصعب، وتنهب أموال الشعب ومدخراته، في مخالفة صريحة للقانون القاضي بجعل البحر ملكاً للعموم، وهي شواطىء مقسمة طائفيا ومناطقيا وسياسيا بالقسطاس والعدل ووفقا لدرجات التبعية، في صورة يتفرد بها لبنان بين الدول في كافة أنحاء العالم، إمعانا بالفساد وهدرا للمال العام والخاص.
ارتياد المسابح
بالنسبة لموظفي الحد الأدنى من الأجور، فارتياد المسبح بهدف الاستجمام يعتبر من “المشاريع الكبيرة” على مستوى العائلات، فقد يكلف ما لا يقل عن 50 ألف ليرة للشخص الواحد أو تزيد في معظم الأحيان، تتوزع بين رسم دخول من 15 ألف في المسابح ذات المستوى المتواضع لتصل إلى ما يتعدى 75 ألف ليرة (50 دولارا) في المسابح ذات الخمس النجوم، وإن احتسبنا المواصلات، فإن التكلفة تزيد، وخصوصا للعائلات، وحيث أن معظم المسابح تمنع إدخال المأكولات والمشروبات، فهذه تباع بأسعار خيالية، فعلبة المرطبات لا تقل عن 5000 ليرة، و”قنينة” الماء الصغيرة لا تقل عن 4000 ليرة …الخ.
وهنا لا نخصص مسبحا بعينه، بل نعمم، ويمكن لمن يهمه الأمر التأكد من هذه المعلومات بارتياد أحدها، وهناك مسألة الطعام في هذه المسابح وأسعارها الباهظة مقابل النوعية والجودة والخدمة المتدنية المرافقة مقابل التكلفة، فهل تستحق هذه التكاليف، وهل تقوم وزاراتنا المتعددة بالرقابة من صحة واقتصاد ومالية وسياحة بمراجعة لما يدفعه المواطن مقابل الكلفة، فضلا عن نوعية المياه المستعملة، بوضع معايير ورسوم ملائمة، أم أنها أيضا تخضع للمحاصصات، فيعفى البعض أو الكل من الرقابة والرسوم، ويتجرع ويتناول المواطن أغذية قد لا تكون مطابقة للمواصفات؟ ولكن بغياب الدليل على أن ثمة رقابة أو متابعة في هذا المجال، يبقى الموضوع مثار شك ما لم يثبت العكس!
ماذا يفعل الفقير؟
إن كلفة اصطحاب مواطن لعائلته إلى إحدى المسابح مع تناول وجبة ومرطبات قد تتجاوز 200 ألف ليرة، فماذا يفعل الفقير؟ أم أنه يكتفي بالنظر إلى البحر من بعيد، عن شاطئ المنارة مثلا، أو قد يرتاد المسابح الشعبية ومنها مسبح الرملة البيضا الشعبي المكتظ بمرتاديه والمهدد بقضمه من جيرانه، أما المسبح الشعبي الأقرب فهو صيدا وشواطىء صور والناقورة، البعيدة والتي تكلفه عناء المواصلات والوقت في يوم عطلته الوحيدة، أو قد يحمل معه طعاما ومرطبات وأرغيلة، ويفترش الرصيف عند شواطئ بيروت، صيدا وصور وغيرها، بالمقابل فإنه في أغنى دول العالم فشاطئ البحر مجاني، بينما في وطننا أصبح ماءه وهواءه وشاطئه محرما على مواطنينا الفقراء.
قناديل البحر
في زيارة لأحد المسابح، منعنا من ارتياد الشاطىء، وكان السبب كثرة قناديل البحر، وبالفعل قمنا بتصوير البعض منها، ولما سألنا أحد العاملين “ألا توجد سلاحف بحرية هنا؟”، فأجاب “لا”، ولما سألناه عن السبب، قال” بسبب الشباك التي تمنعها من الدخول إلى الشاطىء؟” وعندها قلنا له، لذا تكثر القناديل، فلم يجب بل رفع كتفيه مظهرا عدم علمه بصحة هذا الأمر، فالشاطىء العصي على الفقير، عصي على “سكان” بحره من السلاحف مواطنيه الأصيلين، أسوة بنا مواطني هذا البلد، لذا لا تكفيه أن تغزوه القناديل، بل يعشش الفساد فيه، حتى وإن حاولت هذه السلاحف الاقتراب من الشاطىء لتناول القناديل الكثيرة تصطادها الشباك وتعرضها للموت.
والجدير ذكره، أن غذاء السلاحف المفضل هو قناديل البحر، وتأكل بمعدل 200 كيلوغرام منه يوميا.
مصادر أخرى للنهب
عليك عند وصولك إلى بعض المسابح تسليم سيارتك للـ valet parking، أو وضعها في الموقف الخاص مقابل بدل، وتصل كلفة ركن سيارتك في الموقف 10 آلاف ليرة، وهناك تسعيرة VIP، إن كانت سيارتك في الظل أو في الشمس، كما أن الطبقية في الموقف تنعكس على طبقية في المسابح، فهناك قسم VIP لا يسمح فيه لـ “الطبقات الأخرى من المجتمع” بالإستفادة منه، فيوجد سرير، يسمح فيه بالأرغيلة وغيرها من الأمور (بقرار إداري)، بسعر يتعدى الـ 50 دولارا، فضلا عن مكان خاص للسباحة، والخصوصية، وتمنع الأرغيلة في أماكن المسبح الأخرى، كما يمكن استئجار شاليه يصل سعر المبيت فيها إلى 400 دولار، متجاوزا كلفة رحلة لمدة 3 أيام إلى تركيا، وهنا نسأل وزارة السياحة، هل على المواطن أن يفضل السفر إلى الخارج بدلا من أن يقوم بصرف أمواله محليا، وعلى الأقل في الخارج، لا طبقية وثمة شاطىء غير ملوث بالقناديل ومياه الصرف الصحي، وسواها من القاذورات التي تغطي شواطئنا.
كما يأخذ المسبح بضائعه بالجملة وبأقل الأسعار والنوعيات بهدف تخفيض الكلفة على حساب الجودة والنوعية، وهذا ينطبق على المشروبات والمأكولات وعلى المقبلات وغيرها، فهل ثمة رقابة على نوعيتها وجودتها وخلوها من السموم أسوة بما تناولته وتتناوله وسائل الإعلام وبيانات الوزارات من بضائع مشكوك بأمرها، يمكن تسويقها في هذه المنتجعات السياحية بأسعار بخسة؟ وهل هناك دراسة لتقييم الأسعار مقارنة بالنوعية، كون الأسعار ملتهبة كصيف تموز (يوليو)؟
وموظفو المسبح لا يستطيعون الشكوى، كون عملهم موسميا والرواتب قليلة، ويمكن استبدالهم بسهولة بعمالة أرخص، ويحاول أصحاب المسابح ان يوفروا في هذا المجال، فيختارون الأقل أجورا من الطلاب والموظفين المؤقتين والأجانب، المهم أن يعرف بعض العاملين أصول السباحة.
من حق الفقير بمتنفس على الشاطىء
إنه الشاطىء اللبناني، وقد انتهت الحرب، وهو شاطىء كل لبناني، فما الذي يسمح للبعض بتملكه وفرض بدل مالي لارتياده؟ ثمة مواطن فساد عديدة، إلا أن علينا البدء من مكان ما، وقد تكون حجة البعض أن أصحاب هؤلاء المسابح عملوا على تأهيل الشواطىء، وجعلها نظيفة ومرتبة إلى حد كبير، وتم صرف الأموال لهذه الأغراض، ولكن لا شك أن فترة وضع اليد على هذه الشواطىء قد ولت، فضلا عن الأرباح الخيالية التي جنوها، ومن حق المواطن أن يطالب باستعادتها.
لسنا في وارد “قطع الأرزاق”، ولكن ليفيدنا أصحاب الإختصاص، وليؤمنوا حلا يرضي الجميع باحتساب الأرباح، وكلفة الأراضي المستملكة بطريقة غير شرعية على الفترة السابقة، وثم الخروج بتعويض معين للدولة التي عليها أن تطالب صاحب المسبح بتعويضات مادية ومعنوية على وضع اليد على أملاك عامة بالقوة، كما من حق المواطن الفقير بمتنفس على شاطىء بحره ووطنه في موسم الصيف.