مر خلال الأيام القليلة الماضية خبر تداولته بعض وسائل الإعلام، لم يعِره كثيرون أهمية، حين أعلنت إدارة حصر التبع والتنباك اللبنانية (الريجي) أنها كرمت، في اطار برنامجها للأفكار الابداعية، موظفا ابتكر جهازا لتوفير الطاقة الكهربائية، ساهم استخدامه في خفض فاتورة الكهرباء والحد من استهلاك المازوت للمولدات، وفي زيادة القدرة الاستيعابية للشبكة الكهربائية في مصنع “الريجي” بما بين 20 و40 بالمئة، وأن رئيسها ومديرها العام المهندس ناصيف سقلاوي كرم عبد السلام كريمة لإنجازه مشروع الجهاز، ومنحه مكافأة مالية.
هذا الخبر مرّ دون التفاتة ولا متابعة، إن لجهة أن يقوم موظف في مؤسسة رسمية ما زال يتابع الدراسة في ابتكار هذا الجهاز، ولا لجهة الوقوف على هذا الإنجاز من النواحي التقنية والعلمية، خصوصا وأن ما حققه كريمة يمثل أهمية استثنائية لبلد مثل لبنان، يعاني هدرا سنويا بقيمة مليار دولار لصالح تأمين الكهرباء، فالجهاز لا يوفر في كلفة الانتاج فحسب، وإنما يساهم في خفض الانبعاثات.
عبدالسلام كريمة شاب طموح، يعمل في البرمجة الالكترونية في مجال المحاسبة، ورغم التزامه الوظيفي الذي يؤمن من خلاله دخلا يساعده على مواجهة ظروف الحياة، فهو مستمر في الدراسة والابتكار، وقد التقاه موقعنا greenarea.info للاطلاع أكثر على مشروعه، وأحلامه الخضراء، لا سيما بعد أن علمنا أنه توجه الآن في أبحاثه نحو مصادر الطاقة المتجددة.
مشروع التخرج الجامعي
بدايةً، اشار كريمة إلى أنه “من منطقة البداوي – شمال لبنان، عمري 29 عاما، أنهيت تخصصي في مجال هندسة الكمبيوتر Computer Engineering”، وقال: “تركز اهتمامي طوال فترة دراستي على كل ما له علاقة بتخفيض الطاقة والتوفير، أما بالنسبة للجهاز فقد تبلورت الفكرة خلال فترة دراستي المهنية، فأنا درست سنتين TS (المعلوماتية الصناعية) وسنتين LT (الكترونية صناعية)، قبل أن ألتحق بـ “جامعة المنار – طرابلس”، حيث ركزت على كيفية تحقيق مشروع يمكننا من تخفيض الكهرباء والاستفادة أكثر منها، وبالتأكيد عندما أصبحت في الجامعة تبلورت الفكرة أكثر فأكثر، وجعلت منها مشروع التخرج الجامعي”.
وأثنى كريمة على ما بادر إليه مدير عام “الريجي” المهندس ناصيف سقلاوي، إذ قام مشكورا بخطوة مهمة جدا، لجهة بتبني وتمويل وتنفيذ مشروعي نظرا لجدواه وأهميته، إذ ساهم استخدامه في خفض فاتورة الكهرباء والحد من استهلاك المازوت للمولدات، بسبب تخفيض الطاقة الظاهرة Apparent Power KVA، وساهم في زيادة القدرة الاستيعابية للشبكة الكهربائية في مصنع (الريجي) بما بين 20 و40 بالمئة، وأيضا إلى استقرارية جهد الشبكة، وتخفيض الطاقة الارتكاسية KVAR الى اكثر من 90 بالمئة، وساهم الجهاز
كذلك في تحسين معامل القدرة PF ( لا يقل عن 0,98) لتقليل الفاقد والاستفادة الكاملة من المعدات”.
Power Factor Correction
أُطلق على الجهاز اسم Power Factor Correction، وهو عبارة عن تعديل لرفع الكفاءة والفاعلية في النظام الكهربائي، ما بين الأجهزة الكهربائية الحثية ومصدر الكهرباء. ويتم ذلك بامتصاص الطاقة الارتكاسية العكسية (KVAR) من الأجهزة الكهربائية والأسلاك وتخزينها في المكثفات الموجودة في الجهاز.
كما أن استخدام هذا الجهاز أدى الى زيادة إضافية للقدرة الاستيعابية للشبكة الكهربائية في مصنع “الريجي” بنسبة 20 بالمئة كحد ادنى و40 بالمئة كحد اقصى.
وإذ أشار إلى الجوائز التي حصل عليها عن مشاريع عدة، أكد كريمة أن هذا “المشروع ليس اختراعا بل هو جهاز الكتروني موجود، وهناك كثيرون عملوا عليه، وأنا لم أصنع شيئا لم يكن موجودا، وما قمت به كان عملية تطوير وإصلاح خلل، خصوصا أن من عملوا عليه قبلي لم يوفقوا في حل بعض المسائل الدقيقة”.
وأنجز كريمة الجهاز في قسم الهندسة الكهربائية في جامعة المنار عام 2015، لافتا إلى أن “الهدف منه تمثل في خلق توازن بين مصدر الكهرباء والأجهزة الكهربائية، عبر امتصاص الطاقة الارتكاسية العكسية (KVAR) من الأجهزة الكهربائية والأسلاك، ثمّ تخزينها في المكثفات الموجودة في الجهاز، بعد تعديلٍ يرفع فاعلية النظام الكهربائي”.
الطاقة المتجددة
وأشار إلى أن “المشروع ساهم في عملية تخفيض استهلاك المازوت على مولدات والفيول في المصانع، وبذلك نكون قد خففنا من التلوث، وهذا أمر مهم جدا”، لافتا إلى أنه تقدم على “مشروع تخرج في نقابة المهندسين اللبنانيين في الشمال، وكانت هناك مسابقة في مشاريع التخرج وحللت في المرتبة الثانية بقسم هندسة الكهرباء في النقابة”.
وعن مشاريعه للمستقبل، قال كريمة: “لدينا الكثير من المشاريع نعمل عليها حاليا، ولا سيما لجهة كيفية الاستثمار في الطاقة المتجددة والاستفادة منها، بكلفة قليلة ومردود عالٍ، فضلا عن العمل في مجال البطاريات المستخدمة في الطاقة النظيفة، أو الطاقة الخضراء، وتخزين الكهرباء بشكل أطول وأوفر، فضلا عن البحث في تطوير “توربينات” الهواء في مجال طاقة الرياح لنحصل من خلالها على طاقة أكبر، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الألواح الشمسية”.
