في تأكيد على أهمية أشجار “المنغروف” Mangroves، وما تمثل من قيمة طبيعية في نظم إيكولوجية فريدة وخاصة وهشة، فضلا عن أهمية غابات المنغروف بكتلتها الحيوية، وإنتاجيتها التي تعود بفوائد كبيرة على البشر، أطلقت “منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة” (اليونسكو) لأول مرة “اليوم العالمي لصون النظام الإيكولوجي لغابات المانغروف 2016”، على أن يتحول احتفالية سنوية في 26 تموز (يوليو) من كل عام، بعد أقرت اليونيسكو في دورتةا 38 القرار 197/41 لعام 2015 هذا هذا اليوم لصون النظام الإيكولوجي لغابات المانغروف، بناء على اقتراح تقدمت به دولة الإكوادور بدعم من مجموعة أميركا اللاتينية والكاريبي، لإعداد خطة إقليمية لصون غابات المانغروف في جنوب شرق المحيط الهادي. وتجدر الإشارة إلى أن مستخدمي غابات المانغروف في الإكوادور احتفلوا بهذا التاريخ على مدي الأعوام الـ 17 الماضية.

وتوفر هذه الغابات سلعا وخدمات في مجال الجراحة (مزارع الغابات) وصيد السمك وتساهم في حماية السواحل، كما تساهم مساهمة كبيرة في الحد من وطأة عواقب تغير المناخ، وفي ضمان الأمن الغذائي للمجتمعات المحلية.

وأشارت إيرينا بوكوفا Irina Bokova المديرة العامة لليونسكو في رسالتها بهذه المناسبة إلى أن “غابات المانغروف تمثل مواقع طبيعية نادرة ومدهشة وزاخرة بالأحياء البرية تفصل بين اليابسة والبحر. وتضمن هذه الغابات الأمن الغذائي للمجتمعات المحلية التي تعتمد عليها، إذ توفر لها ما تحتاج إليه من الكتلة الحيوية والمنتجات الحرجية، وتضمن لها استدامة مصائد الاسماك”.

محميات المحيط الحيوي

 

وتساهم غابات المانغروف في حماية السواحل، وتساعد على الحد من وطأة عواقب تغير المناخ وعواقب الظواهر المناخية المتطرفة، ورأت بوكوفا أنه “لا بد من العمل على حماية النظام الإيكولوجي لغابات المانغروف، إذ تهدد مخاطر شديدة بقاء هذه الغابات في الوقت الحاضر”، لافتة الانتباه إلى أن “هذه المخاطر تشمل ارتفاع مستوي البحر ارتفاعا مقلقا، وتزايد المخاطر المحدقة بالتنوع البيولوجي”، مؤكدة أن  “الأرض والبشرية لا يمكنهما حقا الاستغناء عن هذا النظام الإيكولوجي الحيوي”.

وأضافت بوكوفا: “ان اليونسكو تصدرت دائما المساعي الرامية إلى إقامة علاقات جديدة ملؤها الانسجام بين البشر والطبيعة، ويكتسي النظام الإيكولوجي لغابات المانغروف أهمية خاصة في هذا الصدد. ولذلك تعمل اليونسكو على كل المستويات ومع جميع الشركاء من أجل اتخاذ مبادرة مفتوحة بشأن غابات المانغروف والتنمية المستدامة. ويحتوي 86 موقعا من المواقع التي تضمها شبكة اليونسكو العالمية لمحميات المحيط الحيوي والتي بلغ مجموعها 669 موقعا على مناطق تكسوها غابات المانغروف. ويوجد الكثير من هذه المواقع في البلدان النامية وفي الدول الجزرية الصغيرة النامية، ومنها على سبيل المثال محمية المحيط الحيوي “لا أوت” في هاييتي، ومحمية المحيط الحيوي لجزيرة برنسيبي في ساوتومي وبرنسيبي وغابة المانغروف “كان جيو” في فيتنام.

وتكسو غابات المانغروف أيضا بعض المناطق في عدد من المواقع المدرجة في قائمة اليونسكو للتراث العالمي، ومنها على سبيل المثال المنطقة المحمية لجزر فينكس في جزر كريباتي. وتضم شبكة الحدائق الجيولوجية العالمية لليونسكو أيضا مواقع تحتوي على مناطق تكسوها غابات المانغروف ومنها على سبيل المثال حديقة “لنكاوي” الجيولوجية العالمية في ماليزيا.

وبجسب بوكوفا، فإنه في هذا اليوم الدولي الأول لصون النظام الإيكولوجي لغابات المانغروف، تود اليونسكو إيصال رسالة واضحة مفادها أن تنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030، يتطلب إيجاد سبل جديدة مستدامة لتحقيق التنمية بدون الإضرار بالطبيعة، ويتطلب هذا الأمر صون النظام الإيكولوجي لجميع غابات المانغروف.

شجر معمر دائم الخضرة

 

وتتكون كلمة “مانغروف” من كلمتين الأولى برتغالية “مانغو” Mangue وتعني شجرة، والثانية إنجليزية “غروف” Grove، وتعني مكان الأشجار. ومصطلح مانغروف هو مصطلح بيئي يستخدم ليشمل كلا من الشجيرات والأشجار من ذوات الفلقتين والفلقة الواحدة، والتي توجد في المناطق الاستوائية وتحت الاستوائية الضحلة الواقعة تحت تأثير المد البحري. وقد اقترح بعض العلماء اقتصار كلمة “مانغروف” لتشير إلى النباتات المكونة لغابات هذه النباتات، وكلمة “مانغل” لتشير إلى المجتمع النباتي الذي يسوده أحد هذه النباتات.

والمانغروف شجر معمر دائم الخضرة، ينمو في المستنقعات ذات المياه المالحة والحلوة، كما ينمو كذلك قرب شواطئ البحار بحيث تغمر المياه مجموعه الجذري بشكل دائم، أو في مواقيت معينة، وينمو المانغروف بشكل رئيسي في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية المحمية من التيارات البحرية الشديدة، لكنه يستطيع النمو في المناطق المعرضة للعواصف.

وثمة أصناف عديدة من المانغروف تجمع في ما بينها سمات مشتركة، فهذه الأشجار تتحمل ملوحة التربة الشديدة، كما أنها تتحمل العيش في ترب فقيرة بالأوكسجين، لذلك فإن باستطاعتها النمو في ترب مغمورة بالماء بشكل كلي. ويتكاثر هذا النبات بواسطة بذور مغزلية الشكل تنتقل محمولة بواسطة التيارات المائية من منطقة لأخرى، حيث يخرج من تلك البذور جذر قوي ينغرز في التربة بشكل مشابه تقريبا للطريقة التي ينمو بها جوز الهند.

جذور المنغروف

 

وتنمو جذور بذور المانغروف قبل أن تسقط من النبات الأم إلى التربة أو في الماء وعندما تسقط تلك البذور في الماء فإن جذورها قد تنغرز في التربة مباشرة في المكان الذي سقطت فيه، وقد تنتقل مع التيارات المائية إلى منطقة أخرى، علما أن بإمكان هذه البذور أن تبقى ساكنة لمدة عام كامل، وعندما تبدأ جذور المانغروف في النمو فإنها تغير كثافتها بحيث تطفوا بشكل عمودي في الماء، وبذلك فإنها تهيء جذورها للتعمق في الطمي بشكل عمودي.

وتبقى بذور هذه الشجرة لمدة عام كامل على النبات الأم قبل أن تتساقط. وبذور هذه النباتات كبيرة الحجم فقد يصل طول البذرة الواحدة إلى 20 سنتيمترًا، وتحتاج باذور المانغروف الصغيرة إلى نحو عامين حتى تشكل الجذور الهوائية، لكن بإمكان النباتات الصغيرة المحرومة من الجذور الهوائية البقاء مغمورة في الماء لمدة طويلة دون أن تختنق.وتحوي جذور المانغروف الهوائية على جيوب لحفظ الهواء الذي تستخدمه.

تشكل جذور المانغروف عاملا هاما في تصنيف هذا النبات إلى أنواع ومجموعات، حيث أن كل صنف من أصنافه يتميز بمجموع ٍجذريٍ هوائي متميز، ويمكن للمانغروف أن ينمو في تربة تحوي نسبا سامة من عنصر الكبريت بالنسبة لبقية أنواع النباتات، ويمكن للمانغروف كذلك أن يتحمل درجة ملوحة تساوي ضعفي أو ثلاثة أضعاف درجة ملوحة مياه البحار. ويمكن له أن يعيش في المستنقعات غير المالحة، لكنه لا يستطيع منافسة نباتات المياه العذبة ذات النمو السريع، كما أنه يمتلك مقدرة ضئيلةً على مقاومة البكتيريا والفطريات الموجودة بكثرة في المياه العذبة. وتقوم شجرة المانغروف باستخلاص الماء العذب من المياه المالحة المحيطة بها، وهذه ليست عملية سهلة على الإطلاق، لذلك فإن المانغروف هو من الأشجار التي تقتصد في استهلاك المياه، فأوراق هذا النبات سميكة ومغطاة بطبقة شمعية حتى تمنع تبخر الماء.

تنقية المياه

 

على أن بعض أصناف المانغروف هي أكثر مقاومة للأملاح من الأصناف الأخرى، كما أن كل صنف يتميز بآلية خاصة تمكنه من التخلص من الأملاح الزائدة، فالمانغروف الأحمر يتخلص من الأملاح عبر جذوره، كما أنه يقوم بتخزين الأملاح في الأوراق الهرمة الآيلة للسقوط. أما المانغروف الأبيض فإنه يقوم بطرح الملح على شكل بلورات بواسطة غدتين ملحيتين موجودتين في قاعدة كل ورقة، وقد سمي المانغروف الأبيض بهذا الاسم نسبة إلى بلورات الأملاح التي تتراكم على أوراقه. وبعض أصناف هذا النبات لا تستطيع مقاومة الأملاح إلا في البيئات المطيرة التي تتعرض بشكل دائم للأمطار.

ويعمل المانغروف كذلك على تنقية المياه من المعادن الثقيلة، فيما تتميز أوراقه بدرجة من السمية، وبخلاف كثير من الأشجار الأخرى، فإن تعرض لحاء هذه الشجرة للأذى لا يسبب موتها، وتكمن أهمية هذه الشجرة في مقدرتها على النمو في أماكن ميتة لا يمكن أن تنمو فيها أية أنواع أخرى من الأشجار. وتعزز بيئات المانغروف تنوعا هائلا للمجموعات الحية من خلال توفير المأوى لأنواع كثيرة من الحيوانات، والطيور البحرية، والاسماك واللافقريات المهمة تجاريا، كما تشكل الأوراق والفروع الميتة لأشجار المانغروف مصدرا هاما للمغذيات التي تثري الإنتاجية الأولية في البيئة البحرية. وتوفر أشجار المانغروف دعما كبيرا للمجتمعات التي تقيم قربها لكونها حاضنة لتكاثر الاسماك وغيرها من الكائنات البحرية، وكذلك هي محطة توقف للطيور البحرية والطيور المهاجرة، وتشكل جدار طبيعي ضد التسونامي والفيضانات، وتساهم في التوازن البيئي والحيوي بجانب دورها في تحسين الوضع البيئي والصحي من خلال جذب الكربون وبث الأوكسجين وتكثيف النيتروجين، وغير ذلك الكثير من الفوائد الحيوية.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This