أعلنت الحكومة اللبنانية، ممثلة بـ “مجلس الإنماء والإعمار” عن تأجيل الموعد الأقصى لتقديم العروض العائدة لمناقصة تلزيم أعمال فرز ومعالجة النفايات المنزلية الصلبة لمناطق بيروت الإدارية وجبل لبنان باستثناء جبيل، التي كان من المقرر ان تنتهي اليوم الاثنين 24 تموز (يوليو) 2016، بحيث يصبح التاريخ الأقصى لتقديم العروض عند الساعة الثانية عشرة ظهرا من يوم الإثنين في 8 آب (أغسطس) 2016.
ويأتي هذا الاعلان الثاني من نوعه، في ما خص هذه المناقصة، ليؤخر موعد تقديم العروض 36 يوماً، حيث كان من المقرر بحسب الاعلان الاساسي للمناقصة ان يتم تقديم العروض في الرابع من شهر تموز (يوليو) الجاري، علماً ان قرار الحكومة المتخذ في 12 آذار (مارس) 2016 قد حدد مهلة اقصاها شهرين لاطلاق جميع المناقصات، في حين لا تزال هذه المناقصة المهددة بالنسف من جذورها، تراوح بين تأجيل وآخر، منذ قرابة خمسة اشهر، تحت وقع النزاعات السياسية والآراء المتضاربة بين مختلف مكونات الحكومة، لا سيما وزير الداخلية نهاد المشنوق من جهة، ورئيس الحكومة تمام سلام من جهة ثانية، ويدخل على الخط بين الحين والآخر وزراء كتلتي النائب وليد جنبلاط والرئيس نبيه بري.
وكان “مجلس الانماء والاعمار” قد أعلن ان شهر أيار (مايو) 2016، سيكون شهر اطلاق المناقصات لجميع الخدمات المتعلقة بإدارة النفايات، على ان يتم تقسيم المناطق الخدماتية الى منطقتين، الاولى تشمل المتن وكسروان وبيروت، والثانية الشوف، بعبدا وعاليه، وفي حين اعطيت مهلة اسبوعين للمناقصات المتعلقة بإنشاء الحواجز البحرية والمطامر الجديدة (تم انجازها) لكون الشركات المستهدفة محلية، اعطيت مهلة شهر لمناقصات الكنس والجمع والنقل (ينتظر فتح عروضها المالية بعد ان يبت مجلس الادارة في مجلس الانماء والاعمار بالملف الاداري والتقني) والفرز والمعالجة، وذلك بهدف استدراج عروض من شركات دولية.
دوافع التأجيل المعلنة، كتاباً خطياً من قبل وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق عرض في جلسة مجلس الوزراء التي عقدت الخميس الماضي، طالب فيه بتأجيل مناقصة المعالجة شهراً كاملاً، الى حين النظر في مصير المنشآت التابعة لبلدية بيروت والداخلة ضمن المناقصة. ويتبين من الملحق رقم 2 لعقد أعمال النظافة الموقع مع شركة سوكلين عام 1996، أن بلدية بيروت قد سلمت الشركة مرآباً في الكرنتينا وأرض المعسكر الشمالي في منطقة المدور الكرنتينا، وهي عبارة عن جزء من عقار متنازع عليه قضائياً مع الوقف الماروني، وتبلغ مساحته 10 آلاف متر مربع تقريباً.
وينص دفتر شروط مناقصة المعالجة الجديدة على ان من مهام المشغل الذي سيتقدم الى المناقصة، تتضمن تطوير وتشغيل مركز الفرز والمعالجة في الكرنتينا التابع عقارياً لبلدية بيروت، في المقابل يطالب الوزير المشنوق بتسليم هذا العقار والمرآب الملاصق له الى البلدية، لكي تطلق مناقصة مستقلة خاصة بها بمعزل عن المناقصة المركزية. ويؤكد مصدر متابع لملف المناقصات، انه في ما لو تم تلبية رغبة الوزير المشنوق، قهذا يعني نسف مناقصة المعالجة، ويستدعي تغيراً جذرياً في دفتر الشروط ومهل جديدة لتقديم العروض.
لم يكن طلب الوزير المشنوق بتأجيل مناقصة المعالجة ليلقى قبولاً في مجلس الوزراء، بعد المعارضة الشديدة له من قبل الرئيس سلام، لولا تقاطعه مع مطلب عبر عنه كل من وزير الزراعة اكرم شهيب ووزير الصحة وائل ابو فاعور، اللذان ايدا اقتراح الوزير المشنوق بتأجيل المناقصة، ولكن لدوافع مختلفة تماماً، حيث تشير المعلومات إلى ان النائب جنبلاط قد استمع مطولاً خلال الاسبوع الفائت الى عرض حول واقع قطاع النفايات في جبل لبنان، خصوصاً في ما يتعلق بقضاءي الشوف وعاليه غير المشمولين في عقدي طمر النفايات في برج حمود والـ “كوستابرافا”. وبناء على هذا العرض طالب الوزير شهيب بضرورة ان تراعى مناقصة المعالجة شمول القضاءين مع بقية الاقضية، وهذا يستدعي بناء معمل معالجة جديد، لان معمل العمروسية لا يمكنه ان يستوعب جميع الكميات التي سترد اليه من بقية المناطق. ويستند شهيب في مطالبته الى نص قرار مجلس الوزراء الصادر في 12 آذار (مارس) الماضي، والذي تضمن اقتراحاً بإنشاء مركز جديد للمعالجة، لكن “مجلس الانماء والاعمار” لم يضمن هذا البند ضمن المناقصة الجديدة، على اعتبار ان هذا العقد مؤقت، الى حين اطلاق مناقصة تحويل النفايات إلى طاقة!
اذاً، بين رغبة المشنوق بفسخ بيروت عن الادارة المركزية للنفايات، ورغبة جنبلاط بتوسيع عقد المعالجة لضمان شموله نفايات الشوف وعاليه، تؤجل المناقصة مرة ثانية، ولا شيء يمنع من تأجيلها مرة ثالثة ورابعة، كما ان لا شيء يمنع أن ينفجر الملف سياسياً وتقنياً مرة جديدة، خصوصاً ان التخزين المؤقت قد فاق الطاقة الاستيعابية منذ اكثر من اسبوعين. فهل نحن امام انفجار جديد لملف النفايات؟
واقع مراكز الفرز في العمروسية والكرنتينا
من المعلوم ان المواد القابلة لإعادة التدوير ترتفع أو تنخفض نسبتها وجودتها وقابلية بيعها لقطاع التدوير الصناعي، بالاستناد الى طريقة فرزها وجمعها ونقلها.لذلك، يجمع الخبراء ان الفرز هو المدخل لانتظام وجودة استرداد المواد القابلة للتدوير من النفايات المنزلية الصلبة.
يتبين من تقرير اعدته في العام 2014 الشبكة الإقليمية لتبادل المعلومات والخبرات في مجال إدارة النفايات في دول المشرق والمغرب العربي “سويب نيت”، ان الطاقة الاستيعابية لمركز الفرز في العمروسية يقارب 1150 طنا، في حين تصل الطاقة الاستيعابية في مركز الفرز في الكرنتينا الى 1700 طنا. ويتبين ان هذه الارقام التي اوردها التقرير حول الطاقة الاستيعابية للمركزين المذكورين، مدرجة في دفتر شروط المناقصات الذي اعده الاستشاري رفيق خوري وشركاه لصالح “مجلس الانماء والاعمار” في العام 2015، لكن العودة الى دفاتر الشروط الموقعة بين الادارة الرسمية اللبنانية المتمثلة بـ “مجلس الانماء والاعمار” وبين شركة “سوكومي” في العام 1988 لادارة وتشغيل مركزي الفرز في الكرنتينا والعمروسية لم تلحظ هذه القدرة الاستيعابية، التي تجمع التقارير والدراسات ان المركزين المذكورين يتمتعان بها.
وتعمل مراكز الفرز في نطاق بيروت وجبل لبنان بما يزيد عن طاقتها الاستيعابية بحوالي 400 الى 500 طن يومياً، وذلك بحسب الاشهر، حيث ترتفع في الصيف وتنخفض قليلاً في الشتاء، كما انها ترتفع في بداية الشهر وتنخفض في منتصف الشهر، الى ان تعاود الارتفاع مجدداً، لكن من المؤكد ان ازمة النزوح السوري الى لبنان، قد رفعت نسبة النفايات المنتجة بشكل دائم، لذلك فإن هذه المراكز التي تشغل على مدار الساعة 24/24 تكفل ان يتم فرز جميع النفايات التي تدخل اليها بمعزل عن الطاقة الاستيعابية الاجمالية، ويجري تغطية هذا النقص من خلال زياد اعمال الفرز اليدوي. ا
أين المشكلة اذاً؟ الجواب على هذا السؤال يقودنا الى القدرة الاستيعابية لمركز تسبيخ المواد العضوية في الكورال، الذي من المفترض ان تصل اليه جميع النفايات العضوية المفرزة لتسبيخها، لكن هذا المركز منذ انطلاقه عام ١٩٩٨ خصص له مساحة ضيقة لاستيعاب ٣٠٠ طن فقط من اصل الكمية الاجمالية المطلوب معالجتها، والتي لا تقل عن ٢٠٠٠ طن يومياً، وتنص المناقصة الجديدة التي اطلقها مجلس الانماء والاعمار على رفع القدرة الاستيعابية لهذا المركز الى ٥٠٠ طن فقط، اي بزيادة ٢٠٠ طن عن القدرة الاستيعابية الحالية، وهذا يعني ان الواقع المأساوي الذي ادى الى طمر ٨٥ بالمائة من النفايات بعد فرزها بسبب عدم توفر مساحية كافية لمعالجتها ، سوف يبقى على ما هو عليه عند بدأ اعمال الطمر في برج حمود والكسوتابرافا ، وهذا ما حذرنا منه سابقاً، لكن احداً لم يلتفت الى هذا التحذير.