فضيحة مدوية تضاف إلى قائمة الفضائح التي يشهدها لبنان من أزمة النفايات إلى تلوث الليطاني وبحيرة القرعون، وصولا إلى عين دارة التي كانت اليوم مسرحا لمواجهة بين عناصر الشرطة البلدية وعمال شرعوا في بناء الأساسات لمشروع المجمع الصناعي وجبالات الاسمنت في ضهر البيدر، المفترض أن تكون خاضعة لسلطة المجلس البلدي، وكأن التلال والجبال التي قضمتها المقالع والكسارات غير خاضعة للقوانين، في ما يمكن توصيفه بـ “دويلة” لا تأتمر إلا بسلطة من وضعوا اليد عليها، وحولوها خرابا فيما هي مصنفة رسميا “منطقة تزلج”.

وعاشت بلدة عين دارة – قضاء عاليه منذ قرابة العاشرة صباحا حتى الثانية بعد الظهر أجواء متشنجة، وبدا معها أن ثمة قرارا اتخذ للبدء بمشروع جبالات الاسمنت الذي رفضته مدينة زحلة قبل عام، وكذلك المجمع الصناعي المزمع إقامته، ويشتمل – بحسب الترخيص المقدم إلى الجهات المعنية – على “إنشاء وتشغيل واستثمار جبالات باطون مركزية، معامل ومطاحن إسمنت على أنواعها، إسفلت واحجار الباطون وغيرها من تجهيزات مخصصة للصناعات الإسمنتية والبلاط والأرصفة والجسور والجفصين والكلس على أنواعه ومواد البناء والمصبوبات الإسمنتية على انواعها”.

وزارة البيئة… المعمل مستوفٍ للشروط!

ومن المفارقات الغريبة، أنه فيما كانت البلدة تعيش أجواء محتقنة، كان رئيس مصلحة البيئة السكنية في الوزارة بسام صباغ ينظِّر معتبرا أن “المعمل قدم ترخيصاً وفقاً للقانون وقد طلبت منه الوزارة القيام بدراسة بيئية، أنجزها وهي مستوفية للمعايير”، ورأى أن “موقع المعمل بعيد جداً عن الأماكن الآهلة وهو يقع في منطقة مقالع وكسارات ومجابل باطون”.

وأضاف صباغ لأحد المواقع: “نعم، معمل فتوش حاز على رخصة من وزارة البيئة لأنه مستوفٍ للشروط والمعايير التي حددتها الوزارة، لكنه لم يستكمل بعد جميع الإنشاءات، وحين ينتهي من ذلك، ستقوم وزارة البيئة بالكشف على المكان والتأكد من أن التنفيذ تم بحسب الخطة التي قدمها الينا”. وتابع: “في عين دارة هناك اشياء تلوث أكثر بكثير من هذا المعمل الذي سيعمل بتقنيات ألمانية، وهي أفضل بكثير من معامل الإسمنت في شكا والمناطق الأخرى”.

هذه المقاربة تمثل فضيحة أكبر، وهي برسم الحكومة اللبنانية، خصوصا وأن الكسارات القائمة غير ملتزمة بما حدده مرسوم قانون تنظيم المقالع والكسارات، الذي يفترض إعادة تأهيل المواقع المستثمرة، ودراسة الأثر البيئي، وتعيش المناطق المجاورة تبعات التدمير والتفجيرات التي لوثت مياه الينابيع المغذية لقرى وبلدات في ثلاثة أقضية: الشوف، عاليه والبقاع الأوسط، فكم بالحري المضي في بناء منشآت صناعية ملوثة أساسا، ولا نعرف إلى أية معايير استندت وزارة البيئة في إجازة العمل إلى جانب وزارة الصناعة.

اعتراض الشرطة البلدية

وفي تفاصيل اليوم الطويل، فوجىء أهالي عين دارة  قرابة التاسعة والنصف صباحا بعدد من جبالات الاسمنت تسلك طريقها باتجاه موقع المشروع في ضهر البيدر، وبحسب ناشطين بيئيين من البلدة “توجه على الفور أفراد من عناصر الشرطة البلدية باتجاه المنطقة، لكنهم منعوا من الدخول من قبل قوى عناصر الأمن الداخلي”، وبحسب المصدر عينه “استفز هذا الأمر الأهالي الذين بادروا إلى التجمع وقطعوا الطريق على الجبالات”، خصوصا بعد أن علموا أن شبانا يعملون في بناء أساسات المشروع اعترضوا الشرطة البلدية التي كانت بصدد تسطير محضر ضبط بمخالفات. وقد حصل تدافع بينهم قبل تدخل القوى الامنية.

وحضر في وقت لاحق رئيس البلدية فؤاد هيدموس وشق طريقه مع المواطنين إلى الموقع، وكان قبل ساعات قليلة قد أكد أن “بيار فتوش يحاول ان يفرض امرا واقعاً عبر فتح معمل الإسمنت وهذا ما يرفضه الاهالي”، وأشار الى “أننا طلبنا من القوى الامنية المساندة لتطبيق القوانين”، وشدد هيدموس عبر وسائل الاعلام “أننا سنقطع الطريق الى معمل الاسمنت لمنع فتوش من انشاء المعمل”، وفور وصوله إلى موقع المشروع مع الشرطة البلدية، تم تسطير محضر ضبط، وتفرق بعدها المواطنون.

اعتداء على الدولة

وعرض الناشط البيئي ابن عين دارة روجيه حداد لـ greenarea.info لما شهدته البلدة اليوم، وقال: “لم تعد المشكلة مع المشروع في حد ذاته فحسب، وإنما مع دولة لا تحترم قوانينها”، وأضاف “نكرر ونجدد التأكيد بأن عين دارة يجب ان تعود الى حضن الدولة”، لافتاً إلى أن “ما حصل اليوم هو اعتداء على الدولة”، منتقدا كيف أن “حكومة تصدر قوانين وتلتف عليها وتتفنن في كسرها”.

وعلمgreenarea.info  أن المجلس البلدي دعا لاجتماع موسع في عين دارة ستشارك فيه الأحزاب الرافضة للمشروع وفاعليات البلدة وناشطين من المجتمع المدني ومخاتير البلدة عند الخامسة من بعد الظهر، لبحث سائر المستجدات، في تأكيد على مواجهة التدمير الواسع لبيئة عين دارة من تخوم محمية أرز الشوف وصولا إلى جبالها في أعالي ضهر البيدر.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This