تحت ضغط بقاء النفايات المنزلية الصلبة في الشارع، حسب البعض في لبنان، ان هذه القضية هي الاولى والاهم والاخطر على المستوى البيئي في لبنان. كما لم تخلو المبالغات في تكبير حجم المشكلة من اغراض كثيرة أبرزها المنافسة الشرسة للاستثمار في هذا القطاع. في حين إذا تأملنا في حجم المشاكل البيئية لناحية حجم اضرارها، نكتشف ان النفايات السائلة، المسكوت عنها في المدة الاخيرة، هي الاكثر خطورة والاكثر ضررا! فعلى مستوى الفرد، ينتج يوميا ما لا يتجاوز الكيلوغرام الواحد من النفايات الصلبة، كمعدل عام، في حين يمكن ان ينتج ما يتجاوز المتر المكعب من المياه المبتذلة. واذ يعتبر المعدل العام لكلفة معالجة النفايات الصلبة ما يقارب ال200$ للفرد سنويا، تقدر كلفة معالجة مياه الصرف بما يتجاوز ال300$ سنويا، بمعدل دولار اميركي لكل متر مكعب. كما تعتبر المياه المبتذلة المسبب الرئيسي لتلوث المياه الجوفية والمياه العذبة، بالإضافة الى اعتبارها المسبب رقم واحد بتلوث مياه الانهر والبحر. كذلك الامر بالنسبة الامراض الناجمة عن تلوث المياه. كما استسهلت الكثير من المناطق الزراعية في لبنان عملية ري المزروعات من المياه المبتذلة مباشرة، مما زاد من تهديدات الامن الغذائي بشكل كبير جدا.
تم اهمال معالجة هذا الموضوع مع نهاية الحرب الاهلية ومرحلة ما يسمى “اعادة الاعمار”، ثم اعترض انطلاقة خطط المعالجة عقبات كثيرة، بينها ضعف التخطيط الاستراتيجي وضعف التمويل او ضعف القناعات او زيادة المماحكات او لأسباب نفسية او بسبب الاهمال وقلة الوعي… الخ
بقي الإطار التنظيمي ضعيفا وكذلك الإطار التشريعي وتم تنفيذ بعض المشاريع الارتجالية غير الناجحة، كما تم تنفيذ مشاريع صغيرة بهبات خارجية لم تكن ناجحة ايضا بسبب عدم الاخذ بالاعتبار شمولها مع خطط استراتيجية للدولة وعدم قدرة البلديات على تامين التمويل اللازم للتشغيل والصيانة والجهاز الفني اللازم…الخ
لذلك تفتح “غرين ايريا” ملف المياه المبتذلة في لبنان، تحاول ان تطرح فيه كل ابعاد هذه المشكلة وحجمها وتأثيراتها وكلفة معالجتها. فما هي الخطط المركزية واللامركزية لإدارة هذا الموضوع، وما كانت تأثيراته السلبية على كل الاصعدة؟ ماذا عن معاناة المدن والقرى والمناطق والاحياء وحجم التلوث والاثر على المياه الجوفية والمزروعات والاحراج والاحياء السكنية. وحجم الامراض الناجمة عنه والمرتبطة فيه. ومدى مساهمة معالجته في سلامة مياه الشرب وحماية التربة والاحراج، بالإضافة الى امكانية الاستفادة من اعادة معالجته في توفير المياه العذبة والاستغناء عن مشاريع السدود المكلفة…الخ
تاريخية المشكلة
كان العالم حتى نهاية القرن العشرين، لا ينشغل الا بقضية تأمين المياه العذبة للناس وما كان أحد يجسر على الظن ان يوما سيأتي ستصبح قضية المياه العذبة مرتبطة ارتباطا وثيقا بمياه “الصرف الصحي”، ان لناحية النوعية وتأثيرها على سلامة مياه الشرب، او لناحية الكمية لاعتمادها بديلا عن المياه العذبة.
لا نعرف بالتحديد من الذي ابتدع مفهوم “الصرف الصحي” للتعبير عن مشكلة معالجة المياه المبتذلة المنزلية. فهذه الآفة الحديثة نسبيا، ليست صحية أبدا، لا بل تسببت بأمراض خطيرة، ولاسيما عند الأطفال بعد ان اختلطت بشكل او بآخر بالمياه العذبة. فتعبير “الصرف الصحي” يعتبر تعبيرا تجميليا لمسألة بشعة وكريهة جدا استجدت على الجنس البشري (للمفارقة) عندما تحضّر، ولاسيما عندما انتقل الى الحياة في المدن. وقد باتت اليوم قضية الصرف الصحي، قضية التلوث بالغائط او بالفضلات التي تنجم عن الانسان، قضية صحية واقتصادية بامتياز، ان لناحية كلفة معالجة الامراض التي تتسبب بها او لناحية كلفة معالجتها نفسها المقدرة بما لا يقل عن دولار اميركي للمتر المكعب في اقل تقدير وللمعالجة الثانوية فقط.
ازمة عالمية
على المستوى العالمي، تحصي المنظمات الدولية وفاة أكثر من مليون ونصف المليون ولد كل سنة في سن مبكرة بسبب إصابتهم بأمراض إسهالية ناجمة عن تلوث المياه. بالإضافة الى اصابة الملايين سنويا بآلام المعدة والتسمم وارتفاع درجات حرارة الجسم والحمّة والصفيرة… والتي تجعلهم يتغيبون عن المدارس بسبب تلوث المياه.
قبل العام 2002 لم تكن البرامج العالمية تربط بين المياه النظيفة والصرف الصحي، وقد حددت الامم المتحدة في العام 2000 أهداف الألفية للتنمية من دون ان تدرج قضية معالجة الصرف الصحي من ضمن أهدافها! وقد حصلت ضغوطات كثيرة في قمة الأرض الثانية التي عقدت في جوهانسبورغ العام 2002 حتى اتخذ قرار بإضافة هدف “ان تنخفض الى النصف في العام 2015 نسبة الذين لا يحصلون على البنى التحتية اللازمة لمعالجة الصرف الصحي”. الا ان تقارير “اليونيسف”، بعد ذلك، نعت إمكانية الوصول الى هذا الهدف، مقدرة ان يبقى ما يقارب ملياري شخص في العالم في هذا التاريخ من دون معالجة مياههم المبتذلة. وهذا ما دفع الامم المتحدة الى اعتبار سنة 2008 “سنة دولية للصرف الصحي”.
بعد ذلك أصبح من الصعب الفصل (في العالم) بين تأمين المياه العذبة للناس ومعالجة الصرف الصحي. الا ان ذلك لم يترافق مع الدعوات لفتح تكنولوجيا المعالجة امام الجميع، وتحقيق مطلب انتقال التكنولوجيا البيئية النظيفة من الدول المتقدمة الى البلدان النامية… لاسيما ان عملية المعالجة بالتقنيات المتوفرة الان، تعتبر مكلفة (دولار للمتر المكعب في اقل تقدير وبمستوى معالجة اولية اي بما يقارب 300 دولار اميركي للفرد سنويا).
من هنا ضرورة انطلاق حملات في العالم (ولاسيما في البلدان النامية مثلنا) للمطالبة بايجاد تقنيات بديلة بكلفة رمزية، وتشجيع استخدام بعض الزراعات وأنواع من الاشجار (الغار على سبيل المثل) في بعض المناطق الزراعية التي تقوم بامتصاص هذه المياه، وتعميق الدراسة بهذه الخيارات غير المكلفة، لا بل يمكن ان تؤمن مردودا اقتصاديا ما من خلال بيع اخشاب هذه الاشجار… بدل اللجوء دائما الى المعامل والتكنولوجيات المكلفة والتي ينجم عنها وحول لا تخلو من مواد سامة، تحتاج الى معالجة وكلفة اضافية. فهل درس وجرب هذا الخيار في لبنان، ولاسيما في القرى الزراعية الصغيرة؟ وما هو واقع حال مياه “الصرف الصحي” في لبنان عامة؟
واقع “الصرف” في لبنان
تراوحت التقديرات لحجم المياه المبتذلة التي تنتج سنويا في لبنان باكثر من 300 مليون متر مكعب. مع الاشارة الى دراسة “الميتاب” العام 1998 كانت قد قدرتها بما يقارب 249 مليون م3. كما قدرت دراسة دار الهندسة العام 1997 المياه الصناعية المبتذلة او النفايات الصناعية السائلة الناجمة عن المصانع في لبنان بما يقارب 43 مليون متر مكعب في السنة. مع العلم ان هذه الكميات الضخمة من المياه المبتذلة تعتبر المسبب الأكبر لتلوث التربة والمياه الجوفية والأنهر والشواطئ ومياه البحر.
يعتبر وضع الصرف الصحي في لبنان متراجعا جدا، وقد تم اهمال هذه القضية طيلة فترة “إعادة الاعمار” والاهتمام بالبنية التحتية. فهناك غياب تام لمنشآت تكرير المياه المبتذلة قبل تصريفها في المحيط الطبيعي مع ان الدراسات حولها كانت قد بدأت منذ العام 1993. هناك شبكات للصرف الصحي في بعض المناطق لتجميع المياه المبتذلة، ولكن يتم تصريفها بطريقة عشوائية ودون أية معالجة في الوديان والأنهر وعلى الشواطئ… وهذا ما يشكل مصدر تلوث كبير للبيئة وللثروة المائية السطحية والجوفية. كما ليس هناك أية شبكات في بعض المناطق ما يؤدي إلى النتيجة المشار إليها أعلاه بعد تصريف المياه المبتذلة في المحيط الطبيعي. بالإضافة الى مشكلة التصريف عبر الجور غير الصحية او عبر الآبار ذات القعر المفقود التي تعتبر من اخطر الآفات على الثروة المائية الجوفية في لبنان إذ أنها تحفر في لبنان في تربة تسمح بنفاذها الى المياه الجوفية فتصبح عبارة عن مخزن للفضلات في حين ان الجور الصحية (Fosses septiques) يتم بناؤها في الكثير من الاماكن في البلدان المتقدمة في تربة غير نافذة وعلى اسس علمية صحية تسمح للبكتيريا اللاهوائية أو الهوائية بتحليل الفضلات وتحويلها الى غاز الميتان في الجور المغلقة والى غاز ثاني أكسيد الكربون في الجور المفتوحة مما يسمح بتصريف المياه الناتجة عن تحلل الفضلات في التربة او في المجاري المائية دون ضرر.
بالإضافة الى ذلك تم انشاء محطات من دون وصلها بالشبكات وتشغيلها مما تسبب بأعطال فيها، الى جانب وجود شبكات من دون محطات.
كما هناك انقسام في الرأي بين قائل بافتقار لبنان الى متخصصين فنيين ولاسيما في ادارة المحطات الكبيرة وتشغيلها، وبين من يؤكد وجود مختصين قادرين على القيام بهذه المهمات وعدم المراهنة على شركات أجنبية فقط. لذلك كان بين توصيات مؤتمر حزب البيئة حول هذا الموضوع العام 2009، دعوة الجامعات في لبنان على ايلاء هذا الموضوع-الاختصاص الاهتمام اللازم في السنوات المقبلة.
مشكلة الوحول والكلفة
معظم المشاريع التي يقوم بها مجلس الإنماء والاعمار حول هذا الملف تتحدث عن إمكانية معالجة 65 % من المياه المبتذلة في لبنان حتى العام 2020، ولاسيما إذا نفذت المحطات الكبيرة على المدن الساحلية. الا ان الوحول التي ستنجم عن المعالجة، لن تكون قليلة والمقدرة بأكثر من 250 طن في اليوم الواحد، اي بمعدل 63 غراما للشخص الواحد يوميا. تحتوي هذه الوحول على كائنات مجهرية يمكن ان تنقل الأمراض بالإضافة الى ملوثات عضوية وغير عضوية التي يمكن ان تكون خطيرة او سامة وتؤذي البيئة بحسب تقرير وزارة البيئة العام 2001. وقد لزم أكثر من دراسة لدرس خيارات وكيفية معالجة الوحول، وقد طرحت خيارات عدة، منها ان ينتج عنها اتربة محسنة للتربة او استعمالها في الزراعة والتأجيم (إنتاج شجيرات الغابات)، ضمن معايير محددة ولاسيما لاحتوائها على معادن ثقيلة، او يتم طمرها في مطامر النفايات، او يتم إنشاء محرقة مركزية لحرقها. ولم يتم حسم اي من الخيارات بعد، مع العلم ان لكل خيار مخاطره ولاسيما الطمر الذي يمكن ان يتسبب بتلويث التربة والمياه الجوفية والحرق المكلف والذي يمكن ان ينبعث عنه غازات سامة.
وتقدر كلفة معالجة المتر المكعب من المياه المبتذلة بدولار اميركي واحد في اقل تقدير وبمستوى معالجة أولية، اي بما يتراوح بين 200 و300 دولار أميركي للفرد سنويا. وهذا يعني ان كلفة معالجة مياه الصرف الصحي ستكون أكبر من فاتورة المياه العذبة التي يدفعها المواطن للاشتراك في متر المياه في السنة! وهناك اختلافات حول الجهة التي ستتحمل تلك الكلفة، او على الاصح، حول الطريقة التي يدفع بها المواطن، ان من الخزينة مباشرة او عبر البلديات مع الصندوق البلدي المستقل او مع فواتير مصالح المياه.
خلاف على حجم ونوع ومواقع المحطات:
حصل اختلافات عدة حول طرق إدارة الصرف الصحي في لبنان، ان حول طرق المعالجة او حول حجم المحطات ومواقعها او حول الصلاحيات ومن يديرها (مجلس الإنماء والاعمار ام وزارة الطاقة والمياه او وزارة الداخلية والبلديات).
لناحية حجم المحطات انقسمت الآراء بين من يطالب بمحطات كبيرة على الساحل، ومن يطالب بمحطات صغيرة في المناطق. حجة المطالبين باعتماد خيار المحطات الكبيرة انها توفر في مساحات الأرض والاستملاكات مقدرين ان المساحات الممكن توفيرها إذا ما اعتمد خيار محطات المعالجة الكبيرة بما يقارب 40 مليون متر مربع بالإضافة الى التوفير في كلفة التشغيل والصيانة. اما حجة المطالبين بمحطات صغيرة فهي تقوم على امكانية الاستفادة من مياه المحطات فوق 300 متر للري (بدل ان تذهب في معظمها الى البحر بعد معالجتها ثانويا كما هي الحال مع المحطات الكبيرة على الساحل)، ولأنها لا تنتج أوحال بأحجام ضخمة، كما لا تتطلب طاقة كهربائية كبيرة مثل المحطات الكبيرة وتعتمد على تقنيات مختلفة عن تلك المعتمدة على التهوية والترسيب والتخمير والتعقيم والضخ.
ولعل الخلاف الأكبر وقع على محطة برج حمود المقترحة، والتي يفترض ان تخدم قسم من جبل لبنان ومدينة بيروت بقدرة 330 ألف متر مكعب في اليوم.
كما حصل تضارب في الآراء حول ما إذا كانت المحطات التي يفترض ان تعالج المياه المبتذلة المنزلية، هي نفسها ستعالج المياه المبتذلة الصناعية او تلك التي ينجم عن معاصر زيت الزيتون (الزيبار) والمستشفيات…الخ وبعد ان جزم الخبراء بعدم جواز ذلك، طرحت أفكار بان تقوم المصانع هي نفسها بمعالجة مخلفاتها السائلة وإعادة استعمال المياه في دورتها التصنيعية من دون ان تضاف الى شبكات محطات معالجة الصرف الصحي المنزلي، او ان تضاف لها بعد معالجتها.
استعمالات المياه بعد معالجتها
بعيدا عن نوع التقنية المعتمدة لمعالجة مياه الصرف الصحي، يفترض ان ينتج مياه بالنتيجة بعد المعالجة. فهل تم درس الجدوى الاقتصادية من إمكانيات استخدام المياه المعالجة في الاستعمالات كافة (لاسيما زراعات الاشجار في الوسطيات والحدائق العامة)؟ وحول زيادة كلفة معالجة المياه المبتذلة إذا كانت ستستخدم للري (الزراعة) او للقطاع السياحي. فهل هي أكثر من دولار للمتر المكعب؟
وهل هناك دراسات حول حجم التوفير من المياه العذبة إذا ما تم اعادة استخدام المياه المبتذلة بعد معالجتها في محطات او مناطق معينة؟ مع احتساب الجدوى من حماية المياه الجوفية من التلوث؟
إن الكلفة المتعارف عليها عالمياً لتكرير المتر المكعب من المياه المبتذلة حتى
الدرجة الثانوية هي بحدود دولار أميركي. إنما يمكن لهذه الكلفة أن تكون أكثر أو أقل وهذا يتوقف بشكل أساسي على درجة وطريقة معالجة الوحول في المحطة أو إذا كان تكرير المياه يطال أيضا إزالة النيترات والفوسفور. اما إذا أردنا استخدام المياه بعد معالجتها في القطاع الزراعي فيمكن أن يزيد هذه الكلفة وهذا يتوقف على نوعية الزراعات المروية. فإذا كان ري المزروعات يستوجب عمليات تكرير لدرجة أكثر من الثانوية، فمن المؤكد أن تزيد الكلفة، ولاسيما إذا استعملت لري الخضار وغيرها من المزروعات التي يمكن أن تلامس الثمار مياه الري. أما بالنسبة للأشجار والحشيش (GAZON) فانه بالإمكان استعمال المياه المكررة ثانوياً للري. وبالنسبة للاستعمالات في القطاع السياحي، فبالإمكان تطبيق القاعدة نفسها، أي أن الكلفة تتوقف على درجة التكرير المطلوبة.
مصدر مسؤول في مجلس الإنماء والاعمار افاد ان المجلس باشر بدراسة إمكانية استعمال المياه المكررة وذلك عبر عقد مع منظمة التغذية العالمية FAO تمهيدا لإعداد دراسة وطنية شاملة، كما هي الحال مع الدراسة شاملة لموضوع إعادة استعمال الوحول المنجزة.
بين مياه الصرف ومياه السدود
بانتظار انجاز الدراسات المطلوبة التي كان يفترض ان تنجز منذ زمن بعيد، هل يمكننا ان نستنتج ما هو حجم التوفير في المياه العذبة إذا ما تم اعادة استخدام المياه المبتذلة المنزلية وتلك المستخدمة في الصناعة؟
وهل يمكن القيام بمقارنة بين كلفة معالجة المياه في الدرجة الثانية وكلفة بناء السدود السطحية على سبيل المثال؟
لا شك ان هناك بعض الصعوبة في استنتاج حجم الوفر في المياه العذبة إذا ما تم اعادة استخدام المياه المبتذلة المنزلية وتلك المستخدمة في الصناعة، والسبب أنه ليس بالإمكان بعد تحديد المرافق التي يمكن أن تستخدم المياه المكررة فيها دون أن يكون لذلك تأثير على الصحة العامة وعلى البيئة. لان موضوع اعادة استعمال المياه المكررة في القطاعات المختلفة موضوع دقيق جداً نظراً لتأثيرها على الصحة العامة، او على “النفسية العامة”.
وبمناسبة فتح النقاش مجددا على مصراعيه حول جدوى واضرار سدود المياه السطحية، يمكن ان يطرح السؤال: ما هو الاوفر والاسلم والاكثر الحاحا ان يتم اعتماد خيار معالجة المياه المستعملة لحماية البيئة ام خيار بناء السدود المكشوفة؟ فاذا كانت السدود معدة بشكل أساسي لاستعمالات مياه الشرب فالكل يعلم ايضا، ان المياه المخزنة في بحيرات السدود يجب ان تخضع لمعالجة مماثلة لتلك الموجودة عادة في محطات مياه الشرب مثل الضبية، طرابلس، كفرحلدا، ….) ثم يتم توزيعها على المشتركين. وإذا عرفنا ايضا ان السبب الرئيسي لتلوث المياه السطحية والجوفية ومياه الانهر والوديان وبالتالي المياه المجمعة خلف سدود هو المياه المبتذلة (كما في سد القرعون)، وان معالجة مياه السدود ستكون شبيهة بمعالجة المياه المبتذلة، الا يصبح من الاولى معالجة مياه الصرف على انشاء السدود؟!
المخطط التوجيهي
أطلق مجلس الإنماء والاعمار، بالتعاون مع الوزارات المعنية، عدداً من الدراسات والمشاريع الهادفة إلى تجميع وتكرير المياه المبتذلة قبل تصريفها في المحيط الطبيعي وقام بتأمين التمويل لتنفيذ الأشغال وباشر بتلزيم بعض المشاريع آخذاً بعين الاعتبار تأمين الصيانة والتشغيل اللازمين لضمان حسن عمل هذه المنشآت بعد وضعها في الخدمة.
بعد تنفيذ البرنامج الوطني العاجل للإعمار وما نتج عنه من مشاريع تهدف إلى تأهيل وتوسعة منشآت وتوزيع وتنقية مياه الشرب الموزعة على كافة المناطق اللبنانية، باشر مجلس الإنماء والإعمار بإطلاق عدد من مشاريع تجميع وتكرير المياه المبتذلة وذلك ضمن خطة شاملة تستند على مخطط توجيهي تم إعداده خلال العام 1982 وتم تحديثه خلال العام 1994.
أما أسس ومبادئ هذه الخطة فهي ناتجة عن طبيعة البلاد وتضاريسها وعن التوزع السكاني وخاصة وجود التجمعات السكنية المهمة على الساحل أو على السفوح الغربية لسلسلة الجبال الغربية. وقد خلص المخطط التوجيهي إلى وجوب إنشاء حوالي 12 محطة تكرير ساحلية وذلك لاستيعاب المياه المبتذلة الناتجة عن المدن الرئيسية وعن التجمعات السكانية المحيطة بها، والتي يمكن جرّ أكثرية مياهها بالجاذبية. وهذه المحطات تقع في: العبدة، طرابلس، شكا، البترون، جبيل، كسروان، الدورة (شمال بيروت)، الغدير (جنوب بيروت)، ساحل الشوف، صيدا، صور مع امكانية انشاء محطة اضافية بين صيدا وصور.
وبتنفيذ هذه المحطات الساحلية وشبكات الصرف الصحي العائدة لها، تكون مشكلة الصرف الصحي قد حلّت لأكثر من 65 بالمائة من سكان لبنان المتوقعين للعام 2020 (بحسب رأي مجلس الإنماء والاعمار).
بالإضافة إلى المحطات الساحلية، تم تحديد عدة محطات تقع في التجمعات السكنية الواقعة داخل البلاد نذكر منها زحلة، بعلبك والنبطية وجوارها وعدد من المحطات اللازمة لحماية بعض مصادر المياه من التلوّث ومنها نهر الليطاني. ومع إنشاء هذه المحطات الإضافية يكون تكرير المياه المبتذلة مؤمناً لأكثر من 80 بالمائة من السكان في العام 2020 وذلك بواسطة حوالي 20 محطة تكرير (بحسب المجلس ايضا).
أما المناطق المتبقية والتي تضمّ 20 بالمائة من السكان فهي بحاجة إلى حوالي الـ 100 محطة لتكرير المياه المبتذلة الناتجة عنها وهي محطات صغيرة الحجم بمعظمها يعود عددها الكبير نسبياً إلى التوزع الجغرافي للقرى والبلدات الواقعة في الداخل والى طبيعة تضاريسها.
فماذا حصل في كل تلك المشاريع والمهل الزمنية؟ وأين العراقيل؟ وكيف يتم تحديد المسؤوليات؟
هذا ما سيحاول ان يجيب عنه موقع “غرين ايريا” في هذا الملف الذي يفتحه من اليوم.