رنا جوني – البلد
كان يفترض أن تعج المنتزهات بزائريها في هذه الفترة من العام ، وكان يُفترض ان يكون “موسم السياحة النهرية” على ضفاف الليطاني قد انطلق، لكن الحقيقة مؤلمة، لا ناس، لا موسم، ولا سياحة، فتلوث الليطاني قضى على احلام كثيرين من اصحاب المنتزهات، سرق سحر النهر الذي كان ينافس بحر صور، خسائر بالمليارات مُني بها اصحاب المنتزهات على ضفاف النهر ما كانت لتكون، لو تمت مكافحة التلوث قبل عدة اشهر، ولو كانت الدولة اللبنانية تدرك الكارثة فتسارع في علاجها، ولكن في لبنان “الحملة قايمة والمصاري بالصندوق والمعتر اكل الكف”.
قبل شهر تقريبا انطلقت حملة مكافحة التلوث في نهر الليطاني اكبر الانهر اللبنانية، النهر الذي يواجه الموت السريري، بفضل “مرامل ودباغات ومياه آسنة” قرر اصحابها استغلال النهر لرميهم داخلها، وسط غياب المحاسبة والمساءلة والتوقيف، فحين تدخل “الواسطة” يفوح التلوث، وما حصل في الليطاني خير شاهد.
حالة احتضار
عشرات المنتزهات على ضفاف الليطاني من قاقعية الجسر باتجاه كفرصير، طيرفلسيه، الزرارية تعيش حالة احتضار، تراجع الموسم بنسبة 99%، بالكاد تجد اناسا “تجرأوا” على ارتياد النهر، فالموسم انتهى قبل ان يبدأ، ولسان حال اصحابها: ” طعمونا كف مبكل، تركوا الموسم تيبلش وصوبوا سهامهم نحو النهر، التلوث حجة ويوجد قطبة مخفية”.”.
يحاول صاحب منتزه “حلو الرواق” ابراهيم حيدر ان يفنّد اسباب المشكلة، فالمنتزه الذي كان يرتاده اسبوعيا اكثر من 2500 شخص، لا تجد داخله سوى طاولة او اثنتين، وصلت الخسارة الى فوق الـ100 مليون ليرة، والحبل على الجرار والحال يسري على كل المنتزهات، التي يُعيد اصحابها السبب الى “حالة الخوف التي زرعها الاعلام”، بنظر حيدر “المشكلة ليست تلوثا، ما في تلوث، منذ ست سنوات والنهر لونه اصفر، لو سمح لنا بتنظيفه لكنا تجنبنا الكارثة، يحاولون اليوم تحريك ملف التعديات على الاملاك النهرية كي لا نتحرك بالمطالبة بالاسراع بتنظيف النهر وازالة التلوث”.
قضية مربحة!
اكثر من 880 مليون دولار رُصدت لازالة التلوث من النهر، مبلغ يكفي لحل ازمة الكهرباء في لبنان، فيما لا تحتاج معالجة النهر الى اكثر من مليون ونص دولار او اكثر بقليل وفق اصحاب المنتزهات، الذين يقفون عاجزين امام ما آلت اليه احوالهم. بعضهم يعتبر ان “القضية لا تعدو كونها فورة اعلامية”، والبعض الآخر يراها ” قضية مربحة. فالمبلغ كبير ويسعون لرفعه اكثر، اي فساد عالمكشوف”. وحدها الاستراحات الخالية تنذر ان موسم السياحة قُتل، وترك آثارا سلبية اقتصادية ليس فقط على اصحاب المنتزهات فحسب بل على اهالي القرى المحاذية للنهر، التي تضررت كثيرا وفق حيدر “زوار النهر يشترون حاجياتهم من محال البلدة وغيابهم انعكس سلبا، وبدلا من ان تلاحق الدولة مسببي الضرر وتعاقب المرامل والدباغات ومن يسرّب مياهه الآسنة الى النهر، يلاحقوننا بقضية التعديات، وهل تجميل المكان وزرع الاشجار باتا تعديا، واي تعد اخطر، تلوث النهر الذي قضى على موسم السياحة ام الشجرة، اذا قررنا تنظيف النهر من الاوساخ يلاحقوننا قانونيا، ولم لم يلاحقوا من تسبب في هذا الضرر، ويسطرون فيه محاضر مخالفات؟”.
التعدّيات ورقة ضغط !
ليست قضية التعديات على النهر بجديدة. قبل 13 عاما اقدمت الدولة اللبنانية على إزالة المخالفات، ورميها في النهر، واليوم يعود المشهد ذاته للواجهة، تلوث من ناحية وتعديات من ناحية اخرى، وحدها قضية تنظيف النهر وازالة التلوث منه تغيب عن الواجهة فعليا، وتحضر اعلامياً، برأي حيدر”الحفاظ على النهر يقضي بتنظيف مجراه سنويا، ولو سُمح لنا بتنظيفه كنا فعلنا، ولكن لا بدن ينظفوه ولا بدن يخلونا ننظف، بس بلاحقونا بالتعديات، كورقة ضغط رابحة ولكن لا”.
من يقصد منتزهات الليطاني، يلمس حسرة ووجعا عند اصحاب المنتزهات، لم يمر موسم عليهم شبيها بهذا الموسم، في زمن الاحتلال الاسرائيلي كان النهر مكتظا، خفت بريقه. وحدها هلا ضاهر واصدقاؤها تجرأوا على زيارة النهر، على ضفته يجلسون ويتأملون حاله، نرجيلة وكوب شاي وعتب ” مش حرام يخلوا النهر يضيع هيك، ما بيكفينا تلوث الغذاء والهواء والدواء، حتى وصلت للنهر”، اعتادت هلا وعائلتها على زيارة النهر اسبوعيا، “لكن هذا العام نخاف”. تحاول هلا ان تخرج حسن وصديقه من النهر، ولكن عبثا وفق حسن ” حياتنا كلها جراثيم شو وقفت ع النهر… تعودنا”، فيما ترى زينب ” ان الامر بات يحتاج الى وضع حد له، النهر متنفسنا حرام يحرموننا منه”.
تباطؤ في المعالجة
يكاد ان يختلف المشهد قليلا في منتزه “مي وفي”، فوجود مسبح خفف نسبة الضرر وان تراجعت حركة رواده الى النصف واكثر، وهذا له انعكاس خطير على السياحة الجنوبية بشكل كبير، ” وطالعة براس الفقير” وفق علي سلامة الذي يرى ان ” هناك تباطؤا في معالجة المشكلة، كان يفترض ان يبدأ وينتهي العلاج، ولكن رأينا فقط حملة، تركت آثارها على المنتزهات، فضربت موسما وقطعت ارزاق كثيرين، هناك اشخاص يعتمدون على النهر ليعيشوا، للاسف دولتنا قلبها ع الحجر مش عالبشر، لو فعلا يهمهم النهر كانوا تركوا المسألة لنهاية الموسم او في فصل الشتاء، ولكن فضلوا اجراء الفحص في عز الموسم، ما هي الرسالة التي يريدونها”. ويلفت الى انه “حتى الساعة لم ينذروا البلديات التي توجه مياهها الآسنة الى النهر، ماذا ينتظرون اكثر، في العام 2000 كنا نشرب من النهر، اليوم خسرنا النهر ولكن علاجه يتم بتضافر جهود الجميع وسرعة العلاج لان حرام نخسر الموسم، ويخسر الجنوبي متنفسه الوحيد، الم يفكروا بالضرر الاقتصادي الكبير ولماذا الهجمة على الليطاني وماذا عن البحر؟”.
قطع الارزاق
علامات القهر تبدو جليا على الجميع، حتى العمال، طلاب الجامعات الذين يعملون صيفا ليأمّنوا اقساطهم الجامعية، فقدوا مصدر رزقهم، اذا استمر الحال على ما هو عليه، اذ يوجد اكثر من 150 منتزها على النهر كل منها تحوي اكثر من 50 عاملا، وضعهم على المحك لو استمر الحال هكذا، ” قطعوا رزق الناس، مش حرام، تفاجأنا بردة فعل الناس، كثيرا” يقول احد العمال.
لا يترك اصحاب المنتزهات بابا الا وطرقوه لايجاد حل “لحربهم المفاجئة”، يرفض بعضهم الاقرار بوجود تلوث ” لو كان هناك تلوث كانت الاسماك ماتت، ما يحصل ان نسبة الوحل داخله بلغت المتر، بسبب انخفاض نسبة المتساقطات، والمرامل، يشدد معظم اصحاب المنتزهات على ان ” النهر ينظف نفسه، فهو يتغذى من عدة ينابيع كفيلة بتنظيفه” ويؤكدون ان ” التلوث في القرعون وليس عنا، ولكن في لبنان الكارثة تقع في مكان، ويأكل الكف ناس في مكان آخر”.
جرم المرامل
في احد المنتزهات يجلس اكثر من صاحب منتزه يتناقشون في حالهم، يرتشفون كوب شاي، ويبحثون عن حل، وعن كيفية اعادة ثقة الناس بالنهر، يلفت احدهم الى ” ان بلدية القاقعية قامت بتنظيف مجرى النهر بطول 3 كلم خلال اسبوع فعادت المياه صافية، ثم تلونت مجددا لان المرامل تعمل ليلا وتتوقف نهارا ولا حسيب او رقيب، ونحن ماكلينا وبهددونا بالتعديات. مضحك حال بلدنا”.
يحتاج تنظيف النهر 48 ساعة اذا اقفلت كل ابواب الملوثات، ويحتاج الى قرار صارم وعقاب، ولكن في لبنان، بلد الكلام والسجال، يحتاج التنفيذ اعواما، ضاربين بعرض الحائط تنمية اقتصاد الجنوب الذي ما كان ينقصه الا تلوث النهر ليزيده الطين بلة، والازمة ازمات، وما فراغ الاستراحات من الناس الا تأكيد ان الوضع قاس ويجب الاسراع بالعلاج، والا فعائلات كثيرة ستتضرر وحالات افلاس واقفال ستعلن، فمتى سيتحرك الوزير ويعلن ساعة الصفر؟ سؤال يصعب التكهن في الاجابة عنه، رغم تأكيد الجميع ان النهر غير ملوث.