أصدر المغرب قرارا جريئا يتواءم مع توجهاته البيئية، يقضي بمنع استخدام وتصنيع أكياس النايلون (البلاستيك)، وكان من الطبيعي أن يستعر الجدل، وما يزال، بين المغربيين حول هذا القرار وآلية تنفيذه، وأن يكون موضع اهتمام الرأي العام بين مواقف مؤيدة وأخرى معارضة، وما يسترعي الانتباه – وسط الجدل القائم – يتمثل في مدى انشغال المجتمع المغربي بالقضايا البيئية، وتخطيه النظرة النمطية حيال قضايا بيئية عامة، وتبني مفهوم الاستدامة، مع ما يفرض ذلك من تحديات تفترض تغيير سلوكيات فرضتها العولمة والأنماط الاستهلاكية الحديثة، أو بمعنى آخر العودة إلى ممارسات أقل ضررا على البيئة.
ولا نستغرب أن تواكب هذا القرار فور إقراره تغطية إعلامية واسعة، وأن تتصدر هذه القضية سائر وسائل الاعلام المرئي والمكتوب والمسموع، فضلا عن الاعلانات ومواقع التواصل الاجتماعي التي عرضت ردود فعل المغاربة تجاه هذا القرار، بهدف تحقيق خطوات إيجابية في إطار التنمية البيئية المستدامة.
واكتسب هذا القرار أهمية كبيرة، كونه يرتبط بشكل مباشر بأحد المنتجات التي تعتبر ضرورية في حياة المغاربة اليومية، لكن من جهة ثانية أصبح من المقلق الاستمرار في استعمال هذه المادة التي تظل في جميع الحالات مادة تشكل خطرا على الانسان والبيئة.
القرار لم يكن مفاجئا
لكن في نفس الوقت تظل صناعة البلاستيك من أهم الصناعات المميزة بالمغرب، والتي تشكل أهم مصادر الدخل لعدد كير من العائلات المغربية التي تقدر بحوالي 50 ألف فرصة عمل، الأمر الذي جعل هذا الموضوع مادة للنقاش، وتخللته الكثير من التساؤلات، واتضح من خلال التباين الواضح الذي طبع ردود فعل المجتمع المغربي.
ولم يأتِ إعلان القرار مفاجئا، إذ أن المغرب كان قد مهد الطريق لمنع استخدام أكياس النايلون أو البلاستيك منذ العام الماضي، عندما صادق مجلس الحكومة على مشروع قانون يقضي بمنع صنع هذه الأكياس واستيرادها وتصديرها وتسويقها واستعمالها.
وقد تقدم بهذا المشروع الذي يحمل رقم 15-77 وزير الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي يومها، يمنع صنع هذه الأكياس لتسويقها في السوق الداخلي، سواء عبر منحها بالمجان للمستهلكين في المحلات الغذائية والتجارية ونقط البيع، أو بيعها لهم، كما يمنع المشروع استيراد واستعمال هذه الأكياس.
وتبقى الاستثناءات الوحيدة في استعمال الأكياس البلاستيكية، هي تلك المخصصة للاستخدام الزراعي أو الصناعي والأكياس الحافظة للحرارة وأكياس التجميد والأكياس المستعملة لجمع النفايات، وذلك شرط استخدامها لأغراض غير تلك التي صنعت من أجلها، ووضع علامات عليها تميزها عن غيرها من الأكياس الممنوعة.
واستندت الحكومية في تبنيها هذا المشروع، إلى أن الأكياس البلاستيكية تتسبّب بأضرار كبيرة على البيئة ستقلّ كثيرا في المغرب، ويعد هذا المشروع هو الخطوة الثانية التي قام بها المغرب بعد قانون أصدره عام 2010، يمنع صنع واستيراد وحيازة الأكياس واللفيفات من البلاستيك غير القابل للتحلل أو غير القابل للتحلل بيولوجيا، ويتعلّق الأمر هنا بشكل كبير بالأكياس البلاستيكية السوداء التي كانت منتشرة بشكل كبير في المغرب، وذلك بسبب أضرارها على الإنسان والحيوان والنبات.
ما هي البدائل؟
باستثناء العاملين في صناعة البلاستيك، رحب المغربيون بالبادرة الحكومية المتمثلة في منع صناعة وتداول واستيراد الأكياس البلاستيكية والتي سببت أضرار فادحة للضرع والزرع على مدى 30 سنة من الاستعمال بالمغرب.
لكن السؤال الذي يتبادر إلى ذهن المواطنين هو حول البديل الذي سيتم توفيره للمواطنين بعد هذا الاستغناء، وفي هذا الصدد أكدت “فيدرالية صناعات التعبئة والتغليف“ أنها مستعدة لتوفير أكياس من الورق المقوى والكرتون، وأنها ستكون في متناول المغاربة من أجل استعمالها في حمل أغراضهم وعمليات التسوق.
وأكدت الفيدرالية أنها مستعدة لمساعدة منتجي الأكياس البلاستيكية على تغيير نشاطهم، ودخول سوق صناعة الورق من أجل إنقاذهم من الإفلاس من جهة، وتوفير فرض عمل للعمال الذين سيواجهون خطر التسريح من جهة ثانية.
هذا ومن المنتظر أن يعرف قطاع صناعة الورق والكرتون تطورا كبيرا بعد تضاعف رقم معاملاته، لكن ثمة مخاوف من عدم كفاية المواد الأولية المتوفرة في السوق الوطني، لتلبية الطلب الذي سيتزايد مباشرة بعد دخول القانون الجديد حيز التنفيذ.
وتجدر الإشارة إلى أن العاملين في الصناعات البلاستيكية، يتهمون الحكومةَ بأنها ستسهم في تسريح 50 ألف عامل بعد تطبيق القانون، في الوقت الذي تقول الحكومة إن مشروع منع إنتاج وتسويق الأكياس البلاستيكية يأتي لدرء المخاطر البيئية الناجمة عن استعمالها ومخاطرها على صحة الإنسان والماشية.