بعد مضي ثلاثة أشهر على انطلاق الحملات الداعية الى إنقاذ نهر الليطاني من التلوّث، يمكن القول أنّ أصواتنا بدأت بالوصول الى المعنيين. عملياً تم تحقيق جملة إنجازات من أبرزها توقيف عدد من المرامل، وبروز تعاون جدي من قبل المدعي العام البيئي في الجنوب، ومواكبة مخافر الجنوب للجولات على بلدات حوض النهر في مرجعيون والبقاع الغربي. ولا بد من ذكر الجهود التي قام بها كل من الدكتور ناجي قديح والاستاذ حسن عز الدين منسق الحملة الوطنية لإنقاذ الليطاني. هنا من المهم ذكر الهبّة الإعلامية التي حصلت مؤخراً، حيث امتلأت نشرات أخبار الأقنية اللبنانية بتحقيقات عن تلوّث النهر، وقام الكتّاب والصحافيون بتخصيص مقالات لهذه القضية، احتل بعضها الصفحات الأولى، فضلاً عن الإهتمام الإستثنائي للمواقع المختصة بشؤون البيئة بتلوث الليطاني.

وقد جاء خطاب أمين عام حزب الله قبل يومين ليتوّج هذه الحملة. فلأول مرة يكرّس السيد نصر الله شقاً من خطابه لقضية الليطاني، والأمر الملفت هو تشخيصه الواضح للمشكلة ولهجته الحاسمة. فقد كرر مراراً أنّ ملف الليطاني هو “ضاغط جداً” و”خطير” و”لايمكن السكوت عليه” وأنه من مسؤولية الجميع، حكومة وأحزاباً وبلديات والناس أيضاً. وأنّ “هذه الكارثة الحقيقية تطاول مئات الآلاف من اللبنانيين، من النساء والرجال وكبار السن والأطفال، تطاولهم بحياتهم وزراعتهم وفقرهم”. وأضاف السيد نصر الله “أنها قد تؤدي الى أمراض خطيرة جداً”. معتبراً أن هذه المشكلة “لا تعالج باللجان التي هي مقبرة المشاريع”، داعياً الحكومة واللجنة المذكورة والأحزاب والبلديات إلى اتخاذ اجراءات حاسمة محدداً ذلك بالقول: “إذا مطلوب إغلاق مرامل فيجب أن تُغلق، إذا مطلوب إقفال مصانع يجب أن تُقفل، وإذا مطلوب إتخاذ إجراءات من قبل البلديات يجب أن تُتخذ”.

وأكد على ضرورة القيام “بإجراءات صارمة حقيقية”، قائمة على أسس علمية وواقعية وموضوعية، وليس وفقاً لنوازع شخصية كالإنتقام من بعض أصحاب المرامل والمصانع.

ذروة خطاب السيد نصر الله برزت عندما ساوى ما بين السكوت وإهمال تلوث الليطاني وما بين القتل، فقال بحدة وغضب شديدين: “يجب أن تُتخذ هذه الإجراءات، وأي تهاون فيها هو شراكة في القتل”، مكرراً مرة ثانية كما يتحدث عادة عن أعمال اسرائيل “هو شراكة في القتل”، موجهاً كلامه الى المسؤولين ولكي يعرف الناس أيضاً. لم يعف السيد نصر الله المواطنين من مسؤوليتهم حيث وجه لهم كلامه قائلاً: “الناس على امتداد خط الليطاني وصولاً إلى البحر وعلى أطرافه أيضاً، لديهم وعليهم مسؤولية، ولا تقولوا هذه مسؤولية الحكومة فقط، أنتم عليكم مسؤولية إنسانية وأخلاقية وشرعية ودينية وأخروية ودنيوية، ويوم القيامة ستُسألون”.

ربَ قائل أن كل هذه الخطابات والمقالات لا تجدي نفعاً والعبرة بالتنفيذ. هذه الكلمات نسمعها من الناشطين في قضية تلوّث الليطاني ومن المواطنين أيضاً. يبدو أن السيد نصر الله كان متنبهاً جداً الى هذا الأمر، وهو العليم بآفات صنع القرار في البلاد وبالمحسوبيات وتطيّيف كل القضايا، من الكهرباء الى المياه والنفط والغاز وحتى الأمن وكيف يأَّسَت الدولة المواطنين. لذلك نبّه إلى أنّ ملف تلوّث الليطاني “يجب أن يُتابع بقوة وبجديّة وبإلحاح”، مشدداً على أنه “لا يحتمل الروتين ولا (التنبلة) وقلة المروة، وإلقاء المسؤولية على الغير، وأن كل وزارة تلقيه على عاتق وزارة أخرى”، وذكّر نصر الله أنها مسؤولية الحكومة بالدرجة الأولى وبالتالي مسؤولية الأحزاب والبلديات.

تراوحت ردات فعل المراقبين والمواطنين على هذا الشق الإستثنائي من خطاب السيد نصر الله ما بين الترحيب والفتور. المرحبون وصفوا كلامه بالعبارات التالية: “الموقف الحاسم” و”الكلمة الفصل” و”دعوة للإصلاح”، فيما أصحاب الموقف الفاتر شككوا في الأهمية العملية واعتبروا أنّ “العبرة في الأعمال لا الأقوال”.

في المحصلة لكل صاحب موقف تبريراته واعتباراته، فالذين رحبوا بكلام السيد ودعوا الى البناء عليه، وجدوا فيه فرصة ينبغي تلقفها لإلزام الوزارات والنواب والبلديات التابعة للحزب وما أكثرها، بالعمل من وحي هذا الخطاب المفصلي لمن يعتبرونه قائدهم المطاع. بالمقابل وجد المنتقدون أنّ هذا الخطاب لا قيمة حقيقية له إلا بقدر ما تتم ترجمته من قبل الهيئات وأصحاب المناصب المذكورة أعلاه، غامزين من زاوية الثنائية الشيعية وطارحين السؤال التالي: “بما أن الحزب والحركة يتقاسمان المناصب والوزارات والبلديات فلماذا لا يتقاسمان الجهود ويجسّدونها في وزاراتهم المهمة وذات الصلة بتلوّث الليطاني؟ ولماذا لا تعمد بلدياتهم على وقف الأذى الذي تلحقه بالنهر عبر تحويل مياه الصرف الصحي؟”.

إنّ كلام السيد نصر الله يمكن أن يُبنى عليه، فالرجل معروف بصدقه لدى الأعداء قبل الأصدقاء. مع التأكيد على أن هذا الخطاب لن تتحقق مفاعيله الا بخطوات عملية، والحزب خبير بالتنفيذ كما في صياغة الأفكار. لا تنتظروا الحكومة، قوموا بما عليكم بالممكن والمتاح، وأنتم قادرون على تخفيف معاناة النهر والناس حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

 

*دكتور في العلوم السياسية مقيم في زيوريخ

ناشر صفحة “معاً لإنقاذ نهر الليطاني من التلوّث”

 

 

 

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This