في العام 1999، أي قبل نحو سبع عشرة سنة، لحظت دراسة سويدية ما كان يواجه نهر الليطاني من أخطار، وتناولت أنواع وكميات ومصادر التلوث، وجاءت على نحو مخطط توجيهي كان يهدف إلى معالجة التلوث ووقف رمي الملوثات في النهر والبحيرة (القرعون)، ليتبادر سؤال: ماذا فعل وزراء البيئة المتعاقبون منذ ذلك التاريخ وكذلك الحكومات ووزراء الطاقة والمياه؟ ليتأكد لنا أكثر من ذي قبل، أننا في دولة غائبة طوعا عن مواكبة قضايا كبيرة بحجم تلوث النهر الأطول في لبنان، لا بل أننا أمام دولة مافيات تستنزف الموارد الطبيعية في لبنان، بهدف جني الملايين من الدولارات ووضعها في جيوب القيمين عليها وأتباعهم.
نجح موقعنا greenarea.info في مراكمة رأي عام لصالح هذه القضية، وكان من بين وسائل الإعلام التي كانت أول من سلط الضوء على كارثة التلوث، قبل أن تصبح قضية تلوث الليطاني في طليعة القضايا الوطنية، ولا نستغرب أن يرقى الاهتمام بها إلى مستوى رئاسة مجلس الوزراء مع تأكيد الوزير سمير مقبل “اجتماعات اللجنة الوزارية لمعالجة تلوث نهر الليطاني ستبقى مفتوحة”، لافتا الى “عدم تدخل السياسيين والزعماء في ما خص تنفيذ القرارات المتعلقة بمعالجة تلوث الليطاني”، وأن تكون حاضرة في الخطاب الأخير لأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، فضلا عن ملاقاة المشكلة بلجنة فنية تتابع ميدانيا واقع النهر من المنبع إلى المصب، وهي ما تزال تواصل تتابع عملها، لتأمين قاعدة بيانات تكون المنطلق لبدء المعالجة.
قديح: مصادر التلوث أصبحت واضحة
وفي سياق متابعة ما بدأه قبل أسابيع عدة، التقى greenarea.info اليوم الدكتور ناجي قديح، فوضعنا في آخر ما قام به في الكشف الميداني على النهر، وأخذ عينات من المياه قبل إعداد دراسة متكاملة تحدد أسباب ونوعية التلوث، وسبل المعالجة في مرحلة لاحقة، فأشار بدايةً إلى “اننا أكملنا اليوم جولتنا الميدانية حتى سد القرعون لأخذ العينات، مررنا على المرامل (مرملة جهاد العرب ومغسل سمحات)، وتبين ان هذين الموقعين، المتوقفين عن العمل، حاليا كانا مصدرين محتملين من مصادر تلويث النهر”.
وأضاف: “ثم تابعنا المسير لنرى العلاقة بين سد القرعون ونهر الليطاني، ورأينا ان هناك مسارا جافا كليا لمجرى النهر من جدار السد باتجاه الجنوب، وهناك مخرجان في أسفل جدار السد، حيث تفتح لخروج المياه من اسفل البحيرة، بهدف تنظيم مستوى المياه فيها لكي لا تفيض. وتجري هذه المياه عند فتح مخرجين اثنين أو واحد منها في المجرى الجاف حاليا (صيفا)، والممتد لعدة كيلومترات لتنضم لمياه النهر المتدفقة حاليا في مجراه على بعد كيلومترات من جدار السد”.
وأشار قديح إلى أنه “عند فتح هذه المخارج تجرف مياه البحيرة معها المياه الآسنة المتراكمة من الصرف الصحي لمدينة سحمر التي تصب في مجرى النهر (الجاف حاليا)، على بعد بضعة كيلومترات عن جدار السد”، لافتا إلى أن “مياه الصرف الصحي لسحمر ترمى بكميات كبيرة في مجرى النهر (الجاف حاليا)، وتشكل جدولا وبركا من المياه المبتذلة تمتد على طول حوالي ثلاثة كيلومترات في مجرى نهر الليطاني، لتحول هذه المنطقة من مجرى النهر إلى “نهر” من المجارير، تجرفه معها مياه بحيرة القرعون عند فتح المخرج شتاء، أو عند هطول المطر”.
وتابع قديح: “يتوقف مستنقع مياه الصرف الصحي لمدينة سحمر بعد تمدده لعدة كيلومترات، حيث يتبعه مقطع جاف لمجرى النهر يمتد لمسافة حوالي كيلومتر ونصف الكيلومتر. وبعدها نصل إلى نقطة خروج المياه من نفق معمل مركبا الكهرومائي، وهي بجزء منها مياه خارجة من أسفل بحيرة القرعون الملوثة جدا، ممزوجة مع كمية من مياه نبع عين الزرقا النظيفة، لتتكون نقطة انطلاق نهر الليطاني في قسمه الجنوبي من هذا الخليط الخارج من نفق معمل مركبا الكهرومائي. والمياه الخارجة من النفق تحمل رائحة كريهة جدا كدليل على التلوث الحاصل في قعر بحيرة القرعون. وهذا ما يؤكد ان التلوث يبدأ مع انطلاقة تدفق المياه في نهر الليطاني في قسمه الجنوبي، لتنضم اليه مصادر التلوث الأخرى التي تلوث النهر على امتداد مساره باتجاه الجنوب”.
وأشار قديح إلى أن “مصادر التلوث الرئيسية اصبحت واضحة جدا بعد هذه الجولات، وسنتابع الكشف على المرامل ومغاسل المرامل التي يحتمل ان تكون مساهمة في تلويث النهر”، ورأى أن “التلوث في القسم الجنوبي لنهر الليطاني هو تلوث مزدوج، مياه مبتذلة قادمة من الصرف الصحي لبلدات عدة منها سحمر ويحمر- البقاع، والقليعة ودير ميماس وغيرها من القرى الموجودة على ضفاف النهر، وتلوث الترسبات الرملية والطينية المسؤولة عن تغيير لون النهر إلى قاتم اسود او برتقالي”.
وأشار إلى انه في “الاسبوع القادم سنتابع الكشف على الجزء المتبقي من منطقة القعقعية إلى طرفلسيه والقاسمية لأخذ العينات اللازمة لاجراء الفحص المخبري عليها”.
اجتماع شحور
رئيس بلدية شحور كامل الخليل، قال لـ greenarea.info: “دعونا إلى اجتماع في ملتقى ابناء شحور الثقافي أمس الأحد، حضره منسقو الحملات الوطنية التي انطلقت لمساندة الليطاني، الدكتور ناجي قديح، رؤساء وأعضاء من مجالس بلديات شحور وطرفلسيه وزوطر الغربية وزوطر الشرقية والحلوسية ويحمر واتحاد بلديات جبل عامل، وممثلون عن “الجنوبيون الخضر” و”اتحاد الشباب الديموقراطي”، “جمعية دايز” وناشطون بيئيون ومسؤولون من “حركة الشعب” ومسؤول المكتب البيئي في حركة “أمل” نادر صبرا، وكانت مناقشة لاسباب ازمة التلوث بأبعادها السياسية والتنموية والعملية وحددت الجهات الملوثة للنهر”.
وقال الخليل: “تم التداول بخطوات التحرك، واتفق على الادعاء قضائياً من قبل الأفراد والبلديات كل ضمن نطاقها العقاري على الجهات المتعدية تلويثاً للنهر بشكل مباشرة او غير مباشر، ومطالبة الجهات المختصة بالتحرك لوقف كل مسببات التلوث سواء من المرامل او بعض شبكات الصرف الصحي التي تستوجب معالجة، ومتابعة سير تقرير الخبير الدكتور ناجي قديح، الذي قدم عرضاً للمعاينات التي اجراها والمعطيات التي يجري جمعها، وانتظار نتائج الفحوصات المخبرية وخلاصاته حول مواقع التلوث واسبابه، وسبل المعالجة التي سيرفعها للمدعي العام البيئي للبناء عليها واتفق على اجتماع متابعة مقبل في 14 آب (أغسطس) الجاري”.