بعد الجدل الكبير الذي واكب ما نُشر عن “سمكة الاسد” Lionfish، قبل أشهر عدة، والتي عثر على أعداد قليلة منها في بحرنا، وبعد أن عرضت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي لمعلومات لا تستند إلى أية دراسات علمية موثقة، فضلا عن كثرة المواضيع والمقالات والبرامج والتقارير الاخبارية التي تناولت “سمكة الأسد”، ومعظمها يفتقر لمعطيات علمية، أبدينا الحرص على مواكبة الخبر بحذر شديد، كي لا نجنح إلى ما يجافي العلم، وآثرنا الانتظار ريثما تصدر دراسة علمية موثقة كان قد وعدَنا بنشرها أخصائي البيولوجيا البحرية البروفسور ميشال باريش في موقعنا greenarea.info، لنقطع الجدل الحاصل حول استعمار هذا النوع من الاسماك للبحر الابيض المتوسط.

ومن باب الحرص على نشر العلم أيضا، ليكون في متناول الجميع، ننشر في ما يلي هذه الدراسة، ليكون القراء على بينة واضحة ودراية بكل ما له علاقة بهذا النوع من الاسماك، وغيرها من الأسماك الغازية.

 

3
سمك الأسد في البحر المتوسط

تحت عنوان “سمك الأسد في البحر الأبيض المتوسط” Lionfish in the Mediterranean، نشرت المجلة العلمية Mediterranean Marine Science  المقال العلمي الذي يعطي التحديثات الجدية حول غزو هذه السمكة، يعتبر المرجع الحقيقي لكل مشاهدات هذه السمكة، والتي عمل على دراستها علماء منهم البروفسور في علوم الاحياء البحرية في الجامعة الاميركية في بيروت ميشال باريش الذي زود موقعنا greenarea.info بهذه الدراسة، التي تشير الى ان “هذه السمكة تندرج علميا تحت اسم Pterois miles، وقد وُجدت للمرة الأولى في البحر المتوسط في منطقة المنية في طرابلس في العام 2012 وسجلت لأول مرة 2012، وقبل ذلك التاريخ لم تكن موجودة في البحر المتوسط (Bariche et al., 2013)، رغم الإبلاغ عن مشاهدة واحدة في فلسطين المحتلة في العام 1991، وقد يكون مصدرها حوض أسماك استوائي (aquarium)، ولم يعلن عن مشاهدات أخرى لهذه السمكة، ما يعني أنها لم تتكاثر وقد نفقت بعد ذلك”.

 

التسجيل المنهجي للتنوع البيولوجي

أما في المقال الثاني والذي نشر قبل يومين فقط، يعتبر التسجيل المنهجي للتنوع البيولوجي والتغييرات الطارئة على تكوين المجتمعات الحيوية، خصوصا في المناطق الساحلية، ذات أهمية أساسية لتحديد التحول في اتجاهات هذا التنوع، والكشف عن آثاره المحتملة، بالإضافة إلى اقتراحات لإجراءات في السياسة في هذا المجال. ومن خلال سلسلة من المقالات الجماعية لسجلات التنوع البيولوجي الجديدة للبحر الأبيض المتوسط التي نشرت في المجلة العلمية “العلم البحري للبحر الأبيض المتوسط” Mediterranean Marine Science وغيرها على فترات منتظمة، توفرت الفرصة لجمع ونشر المعلومات، ما يعتبر أمرا حيويا لتقييم آثار الأنواع الغريبة ودورها في التغيرات الجارية لأنماط التنوع البيولوجي في البحر الأبيض المتوسط، وقد تمت مراجعة المقالات على الأقل من زميل واحد والمحرر في هذا المجال، كما أن التصنيف Taxonomy يتبع “السجل العالمي للأنواع البحرية” the World Register of Marine Species (WoRMS) Editorial Board, 2016، وعرضت في هذا المقال السجلات الجديدة وفقا للمناطق الجغرافية الكبرى من البحر الأبيض المتوسط، وقد شملت سجلات جديدة لـ 21 صنفا 21 taxa، تنتمي إلى 5 شعب Phyla: “كلوروفيتا” Chlorophyta، “الإسفنجيات” Porifera، “القراصات” Cnidaria، “الرخويات” Mollusca، “المفصليات” Arthropoda و”الفقاريات” Chordata”.

 

1
لمحة عن سمكة الأسد والمفترس الطبيعي لها

ويتابع باريش: “يعود أصل سمكة الأسد إلى البحر الأحمر، ومن المحيط الهندي إلى سومطرة، ولكن تواجدها امتد مؤخرا ليشمل المحيط الأطلسي الذي غزته في السنوات الـ15  الماضية. أما وجودها في المتوسط فيعود إلى سنة 2012 حيث وجدت لأول مرة في لبنان طرابلس، ومن ثم بدأت غزوها للبحر المتوسط، ووجدت في قبرص وثم تركيا واليونان (Corsini-Foka &Kondylatos in Crocetta et al., 2015; Turan & Öztürk, 2015)، ويحتمل أن تنتشر هذه السمكة وأن تستطيع البقاء حية في جزء كبير من البحر الأبيض المتوسط، لأن لديها قدرات لتوسيع نطاقها بشكل كبير، وتحمل درجات حرارة تقل عن 10 درجة مئوية (Kimball et al., 2004). وبالإضافة إلى ذلك، لديها شوكات صدرية، ظهرية، وشرجية سامة جدا وحادة، توفر الحماية وبشكل ملحوظ من الافتراس. ومع ذلك، فإن إمكانيات المفترس الطبيعي لهذه السمكة موجودة بالفعل في البحر الأبيض المتوسط ومتمثلة بسمكة the blue spotted cornetfish (الشلمونة باللهجة المحلية)، واسمها العلمي Fistularia commersonii، وبالفعل فقد وجدت سمكة أسد صغيرة بطول 10 سنتمترات في معدة سمكة من هذا النوع في البحر الأحمر، وقد غزت F. commersonii البحر المتوسط بأكمله وبأعداد هامة (Azzurro et al., 2012)، ويعتقد انها قد تشكل عدوا بيولوجيا لسمكة الأسد لتسيطر على أعدادها”.

 

سمك الأسد في لبنان واتباعها معايير مختلفة للتأقلم

وفي المقال ساهم البروفسور باريش بما يخص تواجد هذه السمكة على الشاطئ اللبناني، وقال: “لا تزال معلوماتنا عن الحيوانات البحرية في منطقة البحر من المشرق العربي فقيرة للغاية، مقارنة مع الدول المركزية وغرب البحر الأبيض المتوسط، كما أن لبنان يقع في وسط منطقة الهجرة الليسبسية (الهجرة من قناة السويس إلى البحر الأبيض المتوسط)، ويتعرض الشاطئ اللبناني أيضاً لاستعماره من قبل بعض الأنواع الأطلسية، ويبدو أن هاتين الظاهرتين في تزايد مستمر بسبب التغيرات الطبيعية والبشرية المتعددة.

وإلى جانب مساعدة متزايدة من العلماء المحليين والصيادين الغطاسين وعشاق البحر في لبنان، فقد ازدادت احتمالات ايجاد معلومات عن أنواع حيوانية غير مسجلة ومثيرة للاهتمام، وبالفعل فبناء على سجلات الناشطين من الهواة أو المحترفين، وخصوصا على الموقع “البحر اللبناني” Sea Lebanon الذي أنشأه على الفيسبوك لدراسات حديثة تسمى بالـ ،Citizen Science لدينا الآن بيانات عن أنواع جديدة غير منشورة من لبنان، وهي خمسة أنواع غريبة مصدرها المحيطين الهندي والأطلسي Indo-Pacific، ونوع أطلسي متوسطي Atlantic-Mediterranean، وهذه تشمل:

أ- ثلاثة أنواع تسجل للمرة الأولى في لبنان، وهي القراصات (قناديل البحر) cnidarian واسمها العلمي Phyllorhiza punctata، وهو نوع غازٍ جديد من قناديل البحر يتواجد عادةً يتواجد في جنوب غرب المحيط الهادئ من أستراليا إلى اليابان، والأسماك الغازية الجديدة Tylerius spinosissimus وتنتمي إلى مجموعة “الينفوخيات الشكل” Tetraodontidae، وهو نوع جديد من سمكة المنفخ.

ب- وجود سمكتين جديدتين في البحر الأبيض المتوسط، ومن لبنان، وهما “سمكة الصندوق”Ostracion cubicus  من مجموعة Ostraciidae))، وهو السجل الثاني لهذا النوع منذ اول ظهور له في البحر الأبيض  منذ سنة 2011 (Bariche, 2011)، وLutjanus argentimaculatus “سمك المنغروف النهاش الأحمر” the Mangrove red snapper من مجموعة  (Lutjanidae). وهو السجل الثاني لهذا النوع منذ اول ظهور له في البحر الأبيض المتوسط منذ أربعة عقود. وأيضاً من لبنان (Mouneimne 1979).

ج- ومن خلال “موقع البحر اللبناني” Sea Lebanon تم توثيق زيادة أعداد تواجد سمكة الأسد Pterois miles في لبنان.

علاوة على ذلك، رصد باريش أكثر من ٤٧ سمكة أسد مختلفة على طول الشاطئ من خلال الإبلاغ عن 47 مشاهدة لسمك الأسد من قبل الغواصين منذ العام 2013، وهذه المشاهدات موثقة بالصور والفيديو لدينا، تؤكد على أهمية النهج التشاركي لجمع البيانات المتعلقة بالتنوع البيولوجي”.

وقال بعض العلماء في تقريرهم العلمي “من المعروف أن هذا النوع من الأسماك إقليمي، إلا أن مشاهداتها أصبحت شائعة في المياه اللبنانية، بعد أول مرة شوهدت فيها في المياه اللبنانية، واقترح بعض العلماء Johnston & Purkis في العام 2014 أن الأحوال الأقيانوغرافية (الظروف المحيطة البحرية) oceanographic conditions في البحر الأبيض المتوسط لا تناسب  يرقات هذه السمكة، وأن ضغط استعمار هذه السمكة شاطئ لبنان من البحر الأبيض المتوسط منخفضة للغاية، إلى أن أعلن  Kletou et al في العام 2016، وجود استعمار هائل لهذه الأسماك على الساحل الجنوبي الشرقي بأكمله في قبرص، وبناء على هذا التقرير ومشاهداتنا، يمكننا أن نشير بالتأكيد إلى أن سمكة الأسد قد تبعت معايير مختلفة، وبالتالي، لا بد من اعتبارها قد تأقلمت مع الأحوال في البحر الأبيض المتوسط، وحاليا قد تتجه للتوسع والانتشار”.

 

في تونس أيضا

وقد خصنا البروفسور باريش موقعنا greenarea.info بمعلومات حديثة لم تنشر من قبل، ومفادها التقاط عينتين من هذه السمكة، وللمرة الأولى في شمال تونس (غرب المتوسط)، والتقطت العينة الأولى في حزيران (يونيو) من العام 2015، في المياه المحيطة بجزيرة “زمبرا” على عمق رملي من 5 أمتار في خليج تونس، وتم حفظها وتوثيقها في جامعة تونس، أما الثانية فتم تصويرها من قبل غواص في منطقة الهوارية Haouaria، في أيلول (سبتمبر) من العام 2015 في بيئة مشابهة، وفي مياه ضحلة للغاية، وتناسبت قياسات هذه الأسماك وشكلها الخارجي مع العينات الملتقطة على الساحل اللبناني من قبل Bariche et al في العام 2012، وعلى الرغم من دور الهجرة من قناة السويس إلى البحر الأبيض المتوسط كأحد الطرق لوصول هذه السمكة إلى تونس، وإطلاقها في البحر، وساهم في اتساع نطاق هذا النوع من الأسماك قدراتها البيولوجية، وقدراتها في الدفاع عن نفسها في حالة التعرض للإفتراس، سلوكها المفترس المميز، مرونتها البيئية وقلة أنواع الطفيليات التي تصيبها.

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This