من المتوقع مع حلول سنة 2050، أن يسكن 70 بالمئة من الـ10 بلايين نسمة على كوكب الأرض في المدن، وذلك بحسب دراسة أجرتها الأمم المتحدة. ويجزم عالم المناخ في “جامعة روجرز بوب كوب”، في بيان على موقعه على الانترنت مع معاونيه بنسبة 95 بالمئة بأن “ارتفاع مستوى سطح البحر خلال المئة سنة الماضية كان الاسرع من اي ارتفاع مماثل، في اي قرن، على الاقل منذ 800 عام قبل الميلاد”.
وفي دراسة لمنظمة “اليونيسيف”، فإنه بحلول عام 2050، سيعيش من 50 الى 75 بالمئة من سكان الصين والهند في المدن فقط، أي ما يقدّر بحوالي مليون نسمة. والى يومنا هذا، فإن 75 بالمئة من سكان الولايات المتحدة الاميركية يعيشون في المدن.
وفي حين تساءل العلماء عن مدى امكانية المدن من احتمال هذه النسبة، أتت الاجابة الاولى سلبية من مؤسس شركة “بوميروي ستودي” للهندسة المعمارية جيسون بوميروي، الذي اعتبر ان “التغيرات المناخية وارتفاع مستويات مياه البحار ستجبر البشر على البناء على المياه”!
بناء على الماء!
في هذا السياق، يقول بوميروي: “يشكّل الماء ثلثي سطح كوكب الأرض، ما يعني أننا بحاجة إلى طرق جديدة لتوسيع المدن لاستيعاب التضخم السكاني”. ورأى أن “توسّع البناء على سطح المياه لن يحل مشاكل الاكتظاظ في المدن بشكل صديق للبيئة فحسب، بل سيكون طريقة لتجنّب أضرار الفيضانات والتقلبات المناخية والزلازل”، فضلاً عن انه اقترح “بناء مجتمعات طافية على المياه تتكوّن من منازل تعمل بالطاقة الشمسية”.
ترجم بوميروي هذا الرأي بتصميمه على أرض الواقع 522 منزلاً طافياً على المياه في بلدة بورت ديكسون الماليزية عام 2009، تنتظم على شكل زهرة الخطمي (الخاتمية)، التي تعتبر الزهرة الوطنية في ماليزيا.
يمثل منتجع “Lexis Hibiscus” في بلدة بورت ديكسون في ماليزيا مجتمعاً مستداماً مبنياً على سطح الماء، وقد صممه بوميروي، المختص بالتصميم المدني المستدام على المياه.
ورغم أن فكرة منازل طافية على المياه من دون أساسات اسمنتية قد تكون مرعبة بعض الشيء، إلا أن بوميروي يشير إلى أن “المدن تبنى عادة على ضفاف البحار أو البحيرات أو الأنهار، ما يجعلها غير محصّنة أمام الفيضانات، فالأبنية الإسمنتية الثابتة لا تستطيع التفاعل مع التغيرات المناخية”. ويضيف: “لكن إذا كانت المباني تستطيع الارتفاع والهبوط مع الموجة، فإن فرص الحماية تصبح أكبر”.
فكرة بوميروي لم تكن يتيمة، وبالتالي فإن تجربة البناء على المياه أو ما يطلق عليها اسم “المدن العائمة” باتت مجرّبة في اكثر من بلد.
ففي عام 2011، تحرّكت هولندا مباشرة بعد توقعات خبراء “لجنة دلتا حكومة لاهاي” بـ “ان يرتفع يرتفع مستوى سطح البحر في السنوات المئة المقبلة بنسبة تصل إلى متر ونصف المتر نتيجة التغير المناخي”، الامر الذي يهدد بغرق مساحات شاسعة، وعملت على بناء مساكن عائمة فوق سطح الماء عام 2011.
وكما أوضح عضو في لجنة دلتا وباحث في المناخ في جامعة فاغينينغين، بافل كابات، فـ “إنه يجب الكف عن اعتبار المياه خطرا وإنما كفرصة وتحد”، فجاء مشروع المنازل العائمة ضمن استراتيجية جديدة تحمل شعار “الحياة مع المياه”، والتي تركز على التوقف عن النضال ضد المياه، وإنما التعود على العيش معها مع منحها مزيدا من المساحات لتتحرك فيها، كإنشاء المستنقعات وحفر وتوسعة قنوات وشق أخرى جانبية وتعميق قيعان الأنهار.
وتولت الشركة المعمارية “مارليس رومير” بناء 43 منزلا عائما في شرق العاصمة الهولندية أمستردام، ضمن مشروع أطلق عليه “ستايغر آيلاند”، وتعني “جزيرة الميناء”.
وتقع المنازل الـ43 كالسفن في ميناء، وتطل من الشمال واليمين على أربع مراسٍ طويلة، وكل منزل منها مكون من ثلاثة طوابق وسطحه عبارة عن شرفة كبيرة، أما مساحته، فتبلغ 160 مترا مربعا.
ويطلق على المنازل العائمة أيضا اسم “ووتر ونينغن” بمعنى “مساكن مائية”، وقاعدتها عبارة عن حوض خرساني معبأ بالبوليسترين، وهي غير قابلة للغرق. وهناك حلقات من خلالها تثبت المنازل في أعمدة لتبقى في مكانها، ويمكن من خلالها تعلية المنازل أو خفضها لتناسب مستوى المياه بدون أي مشاكل، وتلك هي الميزة الأهم حسب شركة مارليس رومير.
مشاريع مائية
ونفذت هولندا بالفعل مثل تلك الأفكار ببناء ممر مائي على نهر “إيخسيل”، وهو نهر كبير متفرع من الراين حتى يتم تصريف المياه بسرعة عند كثرتها. كما أن مدينة “نيمفيغن” -التي تقع في جنوبي شرقي هولندا بالقرب من الحدود الألمانية – تعمل على مشروع كبير يقوم على حفر فرع جانبي لنهر الفال بهدف الاستفادة من موقعها المباشر على ضفته.
ويتضمن المشروع بناء جزيرة بين الفرع الجديد والفرع الأصلي، ستقام عليها مكاتب ومتنزهات ومساكن ومحلات وأماكن تسلية كثيرة، تشبه ما هو موجود في جزيرة مانهاتن في نيويورك، وذلك في إطار ما يسمى ببرنامج “الحماية من المياه”.
وهناك مشروع آخر يسمى “دي سيتاديل” في منطقة منخفضة مستصلحة من البحر بالقرب من لاهاي، يقام عليها أول مجمع لعمارات عائمة في أوروبا، تضم ستين شقة فاخرة.
لهذا فإنه رغم مخاطر الغرق القريبة جدا من بعض الدول بسبب ارتفاع مستوى مياه سطح البحر، فإن العيش مع المياه في هولندا أصبح “موضة” في كافة أنحاء البلاد، حيث بات الناس يتجهون نحو المياه.
العيش على سطح المياه ليست فكرة جديدة، بل كانت موجودة منذ العصور القديمة في مدن مثل البندقية في إيطاليا، أو السوق العائم في العاصمة التايلندية بانكوك.
والامثلة عديدة في هذا الاطار، منتجع “4 Rivers Floating Lodge” في كوه كونغ في كمبوديا.
وقد موّلت المنظمات غير الحكومية وغيرها من المنطمات الخيرية مدرسة “ماكوكو” العائمة في العاصمة النيجيرية لاغوس. وتضم المدرسة 300 طالبا يذهبون إلى المدرسة بالزورق.
فضلاً عن انه من الأمور التي اعتاد عليها سكان بعض المجتمعات الطافية هي الاستيقاظ لإيجاد أن المياه قد أصبح جليداً أو ثلجاً !