سامر الحسيني – السفير
لا يتذكّر المزارع جورج الغصان من سهل الفرزل أن عايش جفافا قاسيا كما هي الحال في هذه الأيام، ما دفعه إلى إراحة حقله وعدم زرعه بالبطاطا في إطار ما يطلق عليه موسم «اللقيس» بسبب شح المياه في الآبار الارتوازية، ما أدى الى حرمان هذا المزارع من إنتاج نحو 40 دونما أي ما يعادل 40 ألف متر مربع من البطاطا.
يتصدر سهل البقاع المرتبة الأولى في قائمة ضحايا الجفاف، وتشهد على ذلك عمليات سحب الغطاسات التي احترق المئات منها بعد تبخر المياه وانخفاض مستواها. وهذا يدل على أن انخفاض المساحات الزراعية هذا الصيف بات حتميا.
يشير المزارع أحمد فرج إلى أن دونم البطاطا يحتاج في موسم «اللقيس» إلى 60 يوما من الري، في حين أن كمية المياه المتوفرة لا تكفي لري فترة 10 أيام في أحسن الأحوال.
ويقول: «إن العشرات من مزارعي البطاطا في موسم «اللقيس» قد عدلوا عن زراعة حقولهم لا سيما ان انخفاض مستوى مياه الآبار الجوفية سيؤدي ايضا الى التسبب باعطال متعددة في الغطاسات وقساطل المرشات، الأمر الذي يرفع كلفة الري والزرع».
ولأن الجفاف فعل فعلته، ازدهر «رالي الصهاريج» الهادف الى سحب ما تبقى من مياه الينابيع أو الآبار الجوفية لبيعها بأسعار باهظة إذ رفع أصحاب الصهاريج سعر «نقلة المياه» من 15 ألف ليرة إلى 25 الف ليرة داخل القرى أما في المدن فيبلغ سعر النقلة 40 ألف ليرة.
وفيما ترتفع صرخة البقاعيين الذين يعانون العطش يوما بعد يوم، تؤكد مؤسسة مياه البقاع انخفاض كميات المياه التي كانت تؤمنها مصادر المصلحة من جراء الشح وانخفاض معدل الأمطار الشتاء الماضي.
ويرسم نبع شمسين صورة اكثر واقعية وواضحة عن الجفاف في البقاع وتأثر القرى البقاعية به، إذ لا يستطيع هذا النبع حاليا تأمين المياه بشكل كامل الى اقرب بلدة تقع في جواره مثال مجدل عنجر أو كفرزبد، في حين كان يعول على النبع لتأمين الحاجات الاستهلاكية لاكثر من 60 بلدة في البقاعين الاوسط والغربي. وكان لانخفاض مياه البرك قرب محطة شمسين أثرا كبيرا في زيادة قسوة الجفاف. وقد بلغ مستوى المياه في هذه البرك أقل من نصف متر في حين كان يصل إلى ثلاثة أمتار ونصف في الفترات السابقة.
وامتد الجفاف إلى بلدات شتورة وجديتا وبرالياس وعلي النهري ورياق وعنجر وزحلة وسعدنايل وتعلبايا ومعها الى مخيمات النزوح العشوائية التي زاد الطلب فيها على المياه بحدود 50% عن السنوات الماضية.
ازمة المياه في البقاع الى مزيد من التردي خصوصا في ظل تركز اكثر من مليون سوري نازح في البقاع يتشاركون اليوم والمجتمعات المضيفة مأساة العطش، وعليه قد لا يكون للعوامل الطبيعية دور في الجفاف، إذ تلعب العوامل البشرية دورا أساسيا فيه، فغياب الرقابة الرسمية على القطاع المائي دفع بكثيرين إلى حفر الآبار الجوفية بطريقة عشوائية ومن دون أي رادع، كذلك مد الأنابيب على شبكات المياه بطريقة مخالفة إضافة إلى اتهام بلديات المنطقة لمؤسسة مياه البقاع بتنفيذ مشاريع حفر الآبار الارتوازية بشكل عشوائي من دون العمل بما هو اساسي والمقصود به تغيير شبكات الجر المهترئة التي تستنزف سنويا عشرات الآلاف من الامتار المكعبة التي تفيض على الطرق في عز الصيف.