مراد مراد – المستقبل

ستون في المئة من البنية التحتية لشبكة انابيب النفط في شتى المناطق الروسية متهالكة ويتسرب منها النفط الى باطن الارض والمياه الجوفية والبرك والانهار، متسببا بتلوث مائي وبيئي في آلاف المواقع على امتداد مساحة الاتحاد الروسي. ويحذر خبراء البيئة العالميون روسيا من موعد مع كارثة بيئية كبرى، فالصور الملتقطة من المناطق الملوثة لا تكذب في ما تحتويه من جثث حيوانات وطيور وهياكل اشجار ونباتات يابسة.

وكالعادة اصل المشكلة هو الاهمال الناتج عن عدم الرغبة في انفاق المال حيث يجب انفاقه، فشركات النفط الروسية التي تعمل في البلاد لا تزال تعتمد على البنية التحتية من انابيب النفط التي بنيت ايام الاتحاد السوفياتي. وبحسب وزارة الموارد الطبيعية الروسية، فإن «60 في المئة من اجمالي البنية التحتية هذه اصبحت مهترئة». ولكن الشركات الروسية بدل ان تصرف اموالا على انشاء شبكة انابيب جديدة تلجأ الى الاسهل والاقل كلفة وهو ترقيع بعض الثقوب في الانابيب وهو حل موقت جدا للمشكلة التي لا تزال تتفاقم بشكل متزايد منذ اكثر من 25 عاما.

وقال منسق منظمة «غرينبيس» في روسيا فاسيلي يابلوكوف «ان اغلب الانابيب في حال متهالكة. فكلها تعود الى الحقبة السوفياتية». اضاف «المضحك المبكي ان شركات النفط لم تلتفت الى المشلكة وبقيت تتجاهلها الى ان لاحظت انها تفقد الكثير من النفط الذي يتسرب هنا وهناك. ولكن ماذا فعلوا؟ لجأوا الى ترقيع بعض مواضع التسرب. لكنهم للتصدي بمسؤولية لهذه المشكلة يحتاجون الى بذل المزيد وان يوحدوا جهودهم لاقامة شبكة انابيب جديدة».

وقد أخبر مكتب تابع للدولة الروسية (مختص في احصائيات الطاقة) منظمة «غرينبيس» انه سجل خلال العام 2014 وحده 11709 تسرب نفط وغاز من الانابيب في روسيا. وقالت المنظمة الدولية ان هذا العدد يرجح انه تضاعف في العامين الفائت والحالي، وهو رقم مهول جدا اذا قورن بالتسريبات التي سجلت في بلدان اخرى ككندا مثلا التي رصدت 133 حالة تسرب للغاز والنفط في انابيها عام 2014.

ويعتبر قطاعا انتاج النفط والغاز الاهم في الاقتصاد الروسي، فهما يؤمنان اكثر من نصف ميزانية البلاد سنويا. وتعمل السلطات دائما على زيادة الانتاج عاما بعد آخر. لكن تكثيف الانتاج هذا متزامنا مع اهمال البنى التحتية يؤدي الى ثمن بيئي كارثي يدفعه مواطنون روس وحيوانات روسيا ونباتاتها. وقد اعترف وزير الموارد الطبيعية الروسي سيرغي دونسكوي بان «روسيا تشهد كل عام تسرب اكثر من مليون ونصف مليون طن من النفط».

واتخذ خبراء البيئة الدوليون من جمهورية «كومي» (الواقعة في شمال روسيا والتي تنشط فيها شركات النفط والغاز) مثالا عن الوضع البيئي المزري الذي تمر به البلاد. وهذه الجمهورية معروفة بكثرة بحيراتها، لكن معظم هذه البحيرات اليوم تلوثت مياهها بسبب التسربات النفطية. والصور التي التقطت للبرك ومحيطها هناك اظهرت بشاعة اغتصاب الانسان للطبيعة بغية جمع المزيد من المال، فلون المياه تحول الى السواد وجثث الطيور والحيوانات والاشجار اليابسة تملأ المكان. ويمكن بوضوح رؤية الفارق الشاسع بين بقعة خضراء لم يصل التلوث اليها وبقعة رمادية الى جانبها قضى عليها التلوث.

وقد بدأت اول التسربات تظهر في تلك الجمهورية منذ العام 1994، لكن شركات النفط والغاز لم تحرك ساكنا، وبقيت المشلكة تتطور وتتفاقم مع مرور الوقت. وفي العام 2014 قام ناشطون من «غرينبيس» بدورية في محيط حقل نفط يوزينسك في كومي وتمكنوا من تحديد اكثر من 200 موقع ملوث بسبب التسربات. لكن السلطات الروسية نفت ان يكون حجم التسريبات في الحقل كبيرا لهذه الدرجة. وفي شهر تموز الفائت منع ناشطو «غرينبيس» وخبراؤها من زياة العديد من المواقع في جمهورية كومي، لكن منسق المنظمة في روسيا اكد ان الصور التي تم التقاطها عبر اجهزة الساتلايت تفيد بأن عدد المواقع الملوثة اصبح اكثر بكثير من الـ200 موقع التي تم رصدها قبل عامين.

وقد بدأ اهالي بعض هذه المناطق بالاحتجاج لدى السلطات على التداعيات الصحية لهذا التلوث الذي اصبح يحيط بهم من كل جانب ويهدد حياتهم، لكن الاغلبية الساحقة من ابنائهم يعملون لدى شركات النفط. وهذا يعني ان تقلص عمل هذه الشركات في المنطقة او توقفه سيؤدي بهؤلاء العمال الى فقدان مصدر رزقهم، ولهذا يفضل العديد منهم الصمت عن جريمة الاغتصاب الحاصلة هناك بحق الطبيعة.

ولا تقتصر الكارثة البيئة التي يسببها التلوث النفطي على روسيا فقط، فأنهارها الشمالية التي تصب في المحيط المتجمد الشمالي تحمل هذه الاوساخ معها وترميها في المنطقة القطبية، مما يؤثر سلبا على حرارة المياه القطبية ويذيب الجليد مسهما في رفع حرارة الارض ككل. وهذا يساعد في ترسيخ ظاهرة التغير المناخي التي تسبب كوارث طبيعية وطقسا مجنونا في شتى انحاء العالم. وبحسب معلومات جمعتها «غرينبيس» عام 2011 حمل نهر بيشورا ذلك العام وحده نحو 500 الف طن من النفط والقى بها في مصبه في المياه القطبية.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This