نشرت قناة Euro news في 26/7/2016، وأتبعها موقع greenarea.info بنشر موضوع يتعلق بدور شجرة السيكويا العملاقة وقدرتها على امتصاص الملوثات بهدف مكافحة تغير المناخ. يؤكد والخبراء أن زراعة الأشجار الكبيرة وحمايتها يبقى ناجحاً لمكافحة تغير المناخ، وسوف يتمكنون من زراعة 1000 شجرة صغيرة في ولاية أوريغون (غرب الولايات المتحدة) حيث المناخ مناسبا. ولا نريد تكرار ما جاء في المقالين، لكن نريد أن نورد بعض المعلومات العلمية لتساعد على فهم البحث.
بشكل عام، تعتبر السيكويا من عاريات البذور من الفصيلة السروية، كما تصنف حديثاً بعد عام 2010، وتعيش لأكثر من 3000 سنة ولا تتكاثر إلا بالبذور، والمعروف بشكل عام أن أغلب نباتات عاريات البذور لا تتكاثر إلا بالبذور، كما أن السيكويا تعطي قياسات كبيرة تصل إلى 100 متر ارتفاعاً وتعيش في غرب أميركا، بينما الأرز اللبناني هو من عاريات البذور أيضاً يتبع الفصيلة الصنوبرية، ولا يتكاثر إلا بالبذور ويعمر أيضاً لآلاف السنين، والأرز يعطي على الأقل أربعين متراً في موقعه الطبيعي في الجبال الساحلية من سوريا ولبنان، وتتميز هذه الشجرة بمقاومتها للأمراض مما جعلها من الاشجار المعمرة حتى 3000 سنة، ومن الملاحظ أنه حينما تتعرض شجرة الارز للهجوم فإنها تنتج براعم ثانوية بديلة عن الأرومة والاغصان المصابة كآلية للدفاع عن نفسها، ولا نريد أن نتوسع كثيراً في وصف النوعين، لأنهما أولاد عم (كما يقال بالعامية) حتى أن السيكويا تسمى الأرز الأحمر.
أما بالنسبة لنشره في بقاع العالم ففي كل منطقة يوجد مكافئ بيئي، فالسيكويا في كاليفورنيا والارز اللبناني في لبنان، وكما هو معلوم لا يوجد أي كائن حي بدون بيئة، ولا توجد بيئة بدون كائن حي، ولا الكائن الحي ولا البيئة يكونا نسقاً مغلقاً، بل كل منهما يكون مفتوحا على الآخر، فالعلاقات بين الكائنات الحية مهما كان جنسها أو نوعها تشغل مع البيئة علاقة متشابكة ومتداخلة ومتغيرة، ولا يمكن الفصل بينهما بأي شكل من الاشكال، وهذا ينطبق على الانسان والحيوان والنبات وباقي كافة الكائنات الحية دون استثناء.
أما بالنسبة للإكثار الخضري بالأنسجة فإن مؤيديه، بشكل عام، يتهمون التكاثر البذري بأن له سلبيات، من أهمها أنه لا يضمن المحافظة على الصفات الوراثية للآباء والتي نتجت منه البذور، وعلى ذلك يمكن أن تعطي البذور نباتات مخالفة وراثياً للصنف، وهذا غير مرغوب فيه، كما يؤدي التكاثر البذري إلى الحصول على نباتات غير متجانسة في ما بينها، وهذا يؤدي لاحقاً إلى اختلاطات وراثية، كما تتأخر النباتات البذرية في النمو الخضري والزهري عن النباتات الناتجة عن التكاثر الخضري النسيجي. إذاً التكاثر الخضري بالأنسجة يدعم الثبات الوراثي للسلالات المختارة وضمان عدم التغير في صفاتها جيلاً بعد جيل، وتجنب ظهور بعض الصفات غير المرغوب به، والتخلص من المسببات المرضية المختلفة والتغلب على العوامل البيئية غير الملائمة، وتفادي التعرض لمشكلات عدم الإنبات أو أمراض البادرات، وبالتالي ثبات حياة الشتول الناتجة عن التكاثر بالأنسجة. بالنهاية قد يكون الإكثار بالأنسجة هو أفضل الحلول وأسرعها في تأمين الاحتياجات وبالعدد الكافي وبالمواصفات المميزة في مقاومتها للظروف البيئية الصعبة.
ما نريد تأكيده هنا، أن من استطاع العيش آلاف السنين يملك القدرة على مقاومة الامراض والظروف البيئية السيئة، حتى أنه في الوقت الحالي تسرق أرومات الارز من قبل المؤسسات العلمية الدولية (خلال فترة الحرب على سوريا)، التي تعمل في مجال تغيرات المناخ لمعرفة ترددات الجفاف خلال آلاف السنين من خلال حلقات نموه. كما أننا في علوم الأشجار الحرجية نفضل التكاثر البذري إذا أردنا إنتاج أخشاب كبيرة بهدف اقتصادي وبيئي، لأنها تمر بكل مراحل الحياة من مرحلة البادرات حتى مرحلة الاشجار الباسقة الكبيرة، وبذلك يقوى عودها وتقاوم الظروف البيئية والآفات الممرضة، والأهم من ذلك أنها تعطي أشجارا مستقيمة طويلة غير معوجة، وهي مفيدة للاستخدامات الخشبية المهمة.
وإذا كان الهدف من استخدام تقنية الإكثار بالأنسجة لزيادة عدد الاشجار، يمكن تطبيق نظام الحماية أولاً (إقامة محميات) حتى على أشجار الارز كما هو الحال، أو يمكن بنفس الطريقة إكثار شجرة الأرز بالأنسجة عند الحاجة لزيادة المساحات، لكن لن تكون بنفس جودة الأشجار الحالية.
هامش 1: إن أفضل الطرق لإكثار شجرة اللزاب في سلسلة جبال لبنان الشرقية هي الإكثار بالأنسجة، وهي مهمة هنا، لأن هذا النوع ثنائي المسكن أي لا بد من توفر أشجار مذكرة وأشجار مؤنثة بالقرب من بعضها البعض، ونظراً للتدهور الحاصل فقد لوحظ عدم توفر الجنسين (المذكر والمؤنث) بجانب بعضهما، وخصوصا في منطقة القلمون السورية، إضافة إلى أن البذور تمر بطور سكون قد يصل إلى ثلاث سنوات، وعدم توفر الطيور التي تقوم بمضغ البذور وإفراز الانزيمات من خلال جهازها الهضمي الذي كان يساعد كثيراً في كسر طور سكون الاشجار.
هامش 2: في عام 1997 اعترضت شابة أميركية اسمها جوليا بترفلاي هيل، وتسلقت على احدى اشجار السيكويا وعاشت فيها مدة 738 يوماً لمنع العمال من تقطيع الاشجار في تلك المنطقة، وتكللت محاولتها بالنجاح، حيث أصدرت السلطات قرارا بمنع تقطيع أشجار السيكويا (الماموت، الخشب الأحمر) في مساحة قدرها 12000 متر مربع منذ ذلك التاريخ. ومن أشهر المحميات المقامة “محمية ريد وود الوطنية” على ساحل المحيط الهادي، حتى أنه من المعروف أن في تلك الفترة بدأت أبحاث معالجة سرطان الثدي من القلويات المنتجة من قلف أشجار السيكويا، وقد باشرت المجموعات الطبية بقطع تلك الاشجار للحصول على المركبات القلوية المطلوبة، وكان اعتراض أنصار البيئة كبير في تلك الفترة، وأتت التفاهمات على أن يتم زراعة أشجار كثيرة عوضاً عن الاشجار المقطوعة، لذلك قد يكون نشر زراعة الانسجة لأشجار السيكويا مساعدا في إنتاج أعداد كبيرة لتغطية الحاجة الملحة، وليس بهدف مكافحة التغير المناخي فقط، لأن الأشجار العريضة الأوراق المتساقطة أهم من الدائمة الخضرة الإبرية والحرشفية، كما أن الاشنيات والطحالب تساعد كثيراً في امتصاص الكربون، لأنها تعيش عليه. وبشكل عام، فإن أي عملية تمثيل ضوئي لأي نبات أخضر تساعد في تخفيف كميات ثاني أوكسيد الكربون.