لا بد وأن تنعكس الاوضاع الراهنة وقساوة الظروف الحياتية سلبا على حياتنا اليومية الضاغطة، الا ان الاخطر في هذا المجال هو ارتدادها السيء على نفسية المراهق اللبناني، حيث يكون في مرحلة تكوين الشخصية، والخوف كل الخوف من أن يؤدي ذلك إلى الانحراف في اتجاه سلوكيات خاطئة، هذا ما اكده الاطباء النفسيون لموقع greenarea.info، إذ شددوا على اهمية دعم المراهق بالحصانة الصحية النفسية، ولكن كيف؟ وما هي الطرق الواجب اتباعها؟
دراسة الجامعة الاميركية
وفي هذا المجال، أكدت دراسة حديثة للجامعة الاميركية في بيروت أن الاضطرابات النفسية والسلوكية عند المراهقين في لبنان تسجل معدلاً أعلى من البلدان العربية. إذ يعاني 26.1 بالمئة من المراهقين، أي بمعدل واحد على أربعة في محافظة بيروت، من أحد الاضطرابات النفسية أو السلوكية. في المقابل، يفتقر المراهقون لخدمات الرعاية الطبية اللازمة، إذ لا يحصل سوى 6 في المئة من المصابين على العلاج المتخصّص.
هذه المعطيات جاءت في دراسة حول انتشار الاضطرابات النفسية والسلوكية عند المراهقين في لبنان، وبالتحديد في محافظة بيروت، ونشرت في 31 أيار (أيار) الماضي في الدورية العلميةSocial psychiatry and psychiatric epidemiology ، شملت الدراسة، وفق المشاركة فيها الباحثة في كلية العلوم الصحية في الجامعة الدكتورة ليليان غندور 510 مراهقين تتراوح أعمارهم بين 11 و17 عاماً، وارتكزت على إجراء مقابلات وتعبئة استمارات مع المراهقين والأهالي، وتعتبر العينة تمثيلية لمحافظة بيروت.
الاضطرابات السلوكية بالارقام
في هذا السياق، تحدثت الدكتورة ليليان غندور لـgreenarea.info ، فقالت: “ان نتائج الدراسة تشير إلى أن 14 بالمئة من العينة من المراهقين يعانون اضطراباً نفسياً او سلوكياً واحداً، بينما تسجل نسبة 8 بالمئة اضطرابين، ونسبة 3 بالمئة من ثلاثة اضطرابات، ونسبة 0.8 بالمئة أربعة اضطرابات أو أكثر، حيث تنتشر الاضطرابات النفسية والسلوكية بمعدل 6.7 بالمئة، اي اضطرابات في المزاج، 13.1 بالمئة قلق، 10.2 بالمئة نقص في الانتباه وإفراط في الحركة و4.7 بالمئة اضطراب في السلوك”.
وأضافت غندور: “يرتبط انتشار الاضطرابات النفسية والسلوكية عند المراهقين بعوامل عدة، حيث يتعرّض المراهقون الذين لديهم أهل منفصلون، أو مطلقون، أو متوفون لمعدل ثلاث مرات من الاضطراب النفسي أو السلوكي أكثر من المراهقين الذين يعيشون وسط عائلة طبيعية، بسبب نقص العاطفة والحنان وقلة الثقة بالنفس. وتزيد العوامل الجينية والوراثية من خطر هذا الانتشار، حيث يتعرّض المراهقون الذين لديهم تاريخ عائلي بالاضطرابات النفسية لمرتين أكثر من غيرهم. وترتبط الإصابة بمشاكل صحية بظهور اضطرابات نفسية ومنها الاكتئاب والتوتر والقلق”.
وتوصي الدراسة “بضرورة فهم النقص في تأمين العلاج للمصابين باضطرابات نفسية أو سلوكية، وبتحديد الحواجز المادية والمعنوية التي تحدّ من الحصول على العلاج النفسي للأشخاص الذين يحتاجونه، وبدراسة مسألة التنمر في المدارس وآثارها السلبية على الأفراد، وبتعزيز الوعي في شأن تشخيص الاضطرابات النفسية والسلوكية عند المراهقين الذين يعانون مشاكل صحية. اذا تعتبر تلك المعدلات مرتفعة مقارنة مع الدول العربية. فيصنّف لبنان في شأن انتشار القلق عند المراهقين بين الدول التي تعيش بسلام من دون أزمات مثل الإمارات نسبة انتشار القلق عند عينة من المراهقين 1.6 في المئة، وعُمان 5.6 في المئة وقطاع غزة 21.5 في المئة.
الدعم المعنوي
أما الاخصائي في علم النفس الدكتور نبيل خوري، فقال لـgreenarea.info : “ان المراهق مضطرب هورمونيا، ونتيجة ذلك لم تنضج شخصيته بالكامل في هذه المرحلة الدقيقة، وينعكس ذلك سلوكيا في علاقته مع الآخرين، وعندها يصبح عرضة للتجاذبات بما في ذلك اختياره لاصدقائه. كل ذلك يجعله غير صامد امام المتحركات حواليه، حيث يقع في حب التجربة الى درجة ممارسة امور يندم عليها في ما بعد، وهنا يجب أن يلعب الاهل دورا في مساعدته لضبط سلوكياته المضطربة، لكن نجد بكل اسف عند بعض العائلات المترفة أن الاهتمام شبه معدوم، وايضا التربية المدنية غير فاعلة لدى بعض المدارس، كل ذلك نتيجة الاهمال، فتتكون لدى المراهق شخصية غير فاعلة اجتماعيا وضعيفة ومضطربة، وعلاجها يكون من خلال العلاج النفسي الاجتماعي، كي لا يلجأ الى الادمان على الكحول والمخدرات التي تزيد من الخلل في شخصيته الى حد الانهيار”.
الرعاية العائلية
بدورها اوضحت الاخصائية في الطب النفسي الدكتورة جوزيان سكاف لـ greenarea.info “ان الازمة النفسية المضطربة، وخصوصا القلق على المصير يؤثر مباشرة على نفسية المراهق، عدا الخوف الذي يساوره من المجهول”، وقالت: “كل ذلك يستطيع ان يتخطاه بسلام في حال شعر بدعم معنوي واجتماعي من عائلته، والا وبكل اسف، فإن البعض من المراهقين الذين يفتقدون الرعاية العائلية يلجأون الى المخدرات نتيجة الضغط النفسي”، ورأت أن “المطلوب الدعم اكثر عائليا بما يساعد المراهق على الانفتاح اكثر على الناس بطريقة ايجابية”.
مرحلة دقيقة
وشدد الاخصائي في الطب النفسي الدكتور انطوان سعد على “اهمية كشف معالم شخصية المراهق ودعمها، وقال لـ greenarea.info: “ان الاضطرابات النفسية والسلوكية عند المراهق الى ارتفاع بفعل الحالة الاجتماعية الصعبة وغير المتزنة، من دون ان ننسى ان فترة المراهقة دقيقة للغاية، فيها اضطرابات بيولوجية ونفسية واجتماعية، ولهذا يكون المراهق الاكثر عرضة لاي اهتزاز نفسي، لان المرحلة التي يعيشها غير مستقرة على مستوى النضوج، ولا بد من تحصينه عن طريق التربية من قبل الاهل، بدل أن يلجأ الى رفاق السوء، وهنا تكون المشكلة بحد ذاتها”.
الكآبة
أخيرا حذر الاخصائي في الطب النفسي الدكتور سمير جاموس من انتشار الكآبة عند المراهق، وبالتالي الادمان على ادوية الاعصاب، وقال لـ greenarea.info: “اكثر ما يشعر به المراهق هو الكأبة والقلق على المصير، من دون ان ننسى الادمان على المخدرات والكحول، وهنا نحذر بانه احيانا نجد مبالغة بالموضوع من اجل هدف مبطن لشركات الادوية من اجل ترويج ادوية الاعصاب، لكن هذا لا يمنع بان المراهق يعاني من اضطرابات نفسية حيث يريد ان يكبر بسرعة فليجأ الى الكحول والتدخين، وسط صراع مستمر مع اهله فيعتبرون انه ولد وغير راشد، هذا الاصطدام في النضوج يؤثر على صحته النفسية، ولا سيما الكآبة، ويجب على الاهل رعايته اكثر وحمايته”.